الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نناشدكم المنشر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
.. ولن يكون فى حسبانك، وأنت «دايخ السبع دوخات عشان تحل مشاكلك اليومية»، أن تقف مشدوهًا تتأمل منشر الغسيل؛ كيف كان وكيف تغيَّر من حال إلى حال، ثم لماذا تشغل بالك وبال الآخرين معك بأحوال السيد منشر؛ وكيف كان لطيفًا ودودًا، لا به ولا عليه، يؤدى وظيفته التى وجد من أجلها، ثم تحول إلى جانٍ فمجنى عليه، ثم أداة جريمة، وأخيرًا إلى جريمة متكاملة الأركان؛ ما يدفعك للمطالبة بالقضاء عليه قضاءً مبرمًا.
والمنشر أعزكم الله أنواع وأشكال وألوان، ووظيفته الرئيسية هى تثبيت الحبال لنشر الهدوم بعد غسلها، ولم يكن لى ولأمثالي، ممن عاشوا سنوات الطفولة والصبا فى الأرياف، أدنى اهتمام بـصاحبنا «المنشر»، فلم نعرف له سوى تلك الوظيفة التى لم تتغير حتى عندما انتقلنا للمعيشة على هامش المدن، الفرق الوحيد فى اختلاف مكان المنشر، ففى الريف يحتل غالبا مساحة غير منظورة فى الباحة الخلفية للبيت، وفى المدن غالبًا ما يكون على السطوح أو فى البلكونة؛ «أهو منه ننشر، ومنه نسلم ع الجيران اللى قصادنا»، وفى كلتا الحالتين لم يكن لوجوده تأثير سلبى على الحياة الطبيعية إلاّ فيما ندر.
ولكن دوام الحال من المحال كما يقولون؛ فعندما تنتقل للحياة فى المدينة الكبيرة يتعاظم اهتمامك بالسيد منشر، وتدرك أهمية عمله فى تسيير أمور تلك المدينة، خصوصًا لو كنت من ساكنى البدروم، أو ما شابه؛ ففى هذه الحالة سوف تأخذك الشفقة بنفسك وأنت بلا منشر؛ تحاول جاهدًا تنشيف ملابسك بالمكواة تارة وبالمروحة تارة أخرى، أو بالاثنين معًا، ساعتها لا تتمنى من الحياة سوى منشر؛ منشر والسلام، فتبذل قصارى جهدك فى الانتقال للسكن بالدور الأرضي، وتسعد أيما سعادة بهذا الانتقال، فتنتقم من كل ملابسك وتضعها فى الغسالة، ثم تنشرها كاملة، وتقف تتفرج على الغسيل بمزمزة، ويهفف قلبك معه، إذ يتدلى شامخًا من البلكونة، فقد انتهيت بلا شك من هم لو تعلمون عظيمًا.
لكن برضو دوام الحال من المحال؛ فسعادتك للأسف لن تدوم طويلًا؛ إذ تصحو من النوم وتتسحب بملابسك الداخلية إلى البلكونة، فتجد السيد منشر عاريًا حتى من حباله؛ الحرامى «ابن الحلال» أخد من عليه كل شيء، وسابوا ملط.
هنا سوف تقف لأول مرة على مصطلح جديد على ثقافتك الريفية؛ (حرامى الغسيل)، وهو توصيف كنت تسمع به وتعتبره من الفكاهات، وقد تنسى ما حاق بك وتواسى صاحبنا المنشر فى مصابه الأليم من فقدان فلذة كبده وتاج رأسه، وتقرأ الفاتحة على روح المأسوف على فقده؛ «الغسيل».
لكن مثل هذا الأمر يدفعك إلى ما هو أكثر فائدة من الأسى، فعن نفسى اتخذت قرارًا نهائيًا بالسكن فى الأدوار العليا، وحبذا لو فى الطابق الأخير؛ عشان أهرب من تلك الأزمة الوجودية التى راقبتها مرارًا وتكرارًا على آخرين.
أما صاحبنا المنشر فقد قرر الانتقام من الآخرين؛ إذ تحول مع فشله المتكرر فى حماية نفسه من حرامية الغسيل، من مجنى عليه إلى أداة جريمة؛ واحترف السكن فى الأدوار المخالفة، فمتى قرر مالك أى عمارة بناية أدوار مخالفة، كان «منشر الغسيل» هو المبرر والمخرج القانونى لعدم القبض عليه، حتى أن الحكومات المتعاقبة على ستنا «مصر»، ضربت «حيص× بيص» لتقنين «نظرية المنشر»، فابتدعت مشروع قانون «التصالح فى مخالفات البناء»، وحاولت الحكومة السابقة وتبعتها الحكومة الحالية تفعيل مشروع القانون، لكن الرئيس عبد الفتاح السيسى لم يصدق على مشروع القانون، ورده إلى وزارة الإسكان فى منتصف الأسبوع الماضي. 
وحسنًا فعل إذ نناشده ونستغيث به فرادى وجماعات التضحية بـ «المنشر» من أجل حياة الغسيل.
elmerekhy@hotmail.com