أعرف قدر ما أبدته المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربى من دعم ومساندة لمصر بعد ثورة ٣٠ يونيو العظمى، وما أظهرته من أخوة حقيقية ومحبة جارفة يبادلهم الشعب المصرى إياها متجاوزًا أى إطار تقليدى للعلاقات بين الدول.
ولكن تلك العلاقة الفريدة التى تربط بين مصر وتلك المجموعة المحترمة من الدول، لا تعنى فى أى وجه من وجوهها أن مصر ينبغى عليها مطابقة سياساتها وآرائها معها فى كل ملف، وكل موضوع، وإنما يصاغ قرار السياسة الخارجية فى مصر أو غيرها عبر (الرئاسة والمخابرات والخارجية) وفقًا للمصالح الوطنية ومقتضيات الأمن القومى.
ونحن حين قلنا إن أمن الخليج مرتبط بأمن مصر كنا نعنيه تمامًا، ولذلك عندما لاحت بوادر تهديد لأمن الخليج فى اليمن انضمت مصر - فورا - إلى التحالف العربى الذى تقوده السعودية، بلا حساسيات وبالمقدار الذى تسمح به ظروف القدرة العسكرية المصرية وما يحتاجه تأمين القوات المشاركة، خاصة أن مصر مشتبكة على جبهات أخرى.
وحين صاغت مصر موقفها من أمن الخليج فى عبارة موجزة بليغة ودالة هى: (مسافة السكة) كانت تعنى أيضًا ما قالت وهى على استعداد دائم لتنفيذه، ولكن فى الملف السورى هناك فوارق يلزمنا إيضاحها على المستوى الشعبى فى مصر، وللأشقاء فى الخليج العربى وأوجزها فيما يلى:
أولًا: إن مصر فى حرب حقيقية مع جماعة الإخوان الإرهابية الإجرامية، وقد تكرر سيناريو تحريض الناس فى سوريا كما حدث فى مصر عبر جماعة الإخوان التى تدعمها قطر فى الائتلاف الوطنى للثورة والمعارضة والذى يشكل الإخوان قوامه الرئيسى، وكذلك الجيش السورى الحر، فإن مصر لا تستطيع دعم أى حل فى سوريا يؤدى إلى تمكين أولئك الناس وإلا فقدت معركتنا مصداقيتها ضد الإخوان فى مصر ذاتها، كما أننا لا نستطيع أن نغفل النفوذ التركى الكبير على الجيش السورى الحر وقيام أنقرة بتسليح عناصره وتدريبها، فضلًا عن أن الرئيس الجديد لائتلاف الثورة والمعارضة (خالد خوجه) هو عميل تركى فى نهاية النهار، وقد كان أحد الكوادر المتشددة فى حزب التنمية والعدالة (الجناح التركى للإخوان الإرهابيين).
ومن ثم فإن معركتنا ضد الإخوان، ومواجهة العدائيات الإجرامية لقطر وتركيا ضدنا لا تتجزأ، إذ لا يعقل أن نواجه طعناتهم فى سيناء والصحراء الغربية والحدود الجنوبية، ثم نأخذهم بالأحضان فى إدلب وحماه وحلب وحمص.
ثانيًا: حين صعد محمد مرسى (أول جاسوس مدنى منتخب) إلى سُدة القيادة بعد تزوير الانتخابات، اتخذ موقفا يؤكد المعانى التى ذكرتها حالًا، إذ أعلن دعم ما سماه (الثورة) فى سوريا، وقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع دمشق، ونادي - حتي - بخوض الحرب مع ما سمى الجيش السورى الحر (الفرع السورى للإخوان)، ولعل ذلك المشهد - بالذات - كان فى مقدمة العوامل الحاضرة حين الإشارة إلى السياسات الإقليمية والخارجية الخرقاء للإخوان، وأسهم - قطعًا - فى بلورة الرفض الشعبى للإخوان، وأفضى إلى ثورته العظيمة ضد محمد مرسى، فمصر ذات علاقة خاصة جدا بسوريا، ومن العار أن تدخل ضدها حربًا، لا بل ومن المخجل قطع العلاقات معها، وفى عز الأزمات السياسية بين البلدين ظلت العلاقة بين الشعبين المصرى والسورى حميمة دافئة غير مقبول الإساءة إليها، أو تصور إمكانية فصمها.
ثالثًا: ضمن فسيفساء الفوضى فى سوريا هناك منظمات تابعة للقاعدة مثل (جبهة النصرة) و(أحرار الشام) و(جيش الفتح) و(خراسان) وغيرها، وتلك المنظمات تخوض حربين إحداهما ضد نظام الرئيس بشار الأسد، والأخرى ضد داعش التى يتزعمها منشق عن القاعدة وأيمن الظواهرى اسمه أبوبكر الغدادى.
ولما كانت العلاقات وطيدة إلى حد مدهش ما بين القاعدة والإخوان، كما أثبتت ذلك تسجيلات المكالمات الهاتفية بين محمد مرسى وأيمن الظواهرى، وطبيعة الاتفاقات التآمرية المنحطة بينهما، فقد صار إسهام مصر فى أى عمل يفضى إلى تمكين القاعدة فى سوريا يعنى تكريس وجود الإخوان هناك، فضلًا عن أن مواقف مصر لمساندة الشرعية الدولية لا يمكن أن تسمح بأن تصبح القاهرة داعمًا للإرهاب الذى تدعو دول العالم إلى بناء جبهة موحدة لمواجهته، وتحاربه بالقوة العسكرية والأمنية، وبتجديد الخطاب الدينى، وبحصار الأسباب الاجتماعية والاقتصادية له.
رابعًا: نعلم ونقر أن هناك تداخلات معقدة جدًا فى سوريا، إذ لنا موقف قطعًا من إيران التى ضبطناها غير مرة متآمرة علينا بل ومشاركة فى هجوم مباشر على مؤسسات الدولة إبان عملية يناير ٢٠١١، يعنى شريكًا فى غزو مسلح ضدنا، ولكن عداءنا لإيران لا ينبغى أن يتطور إلى موقف يرغب فى إزالة النظام فى سوريا، إذ رغم تحفظاتنا على ذلك النظام والتى وضحت من خلال خطاب الرئيس السيسى الأول فى الأمم المتحدة (الدورة ٦٩ للجمعية العامة)، فإننا ندرك جيدًا أن إزالة ذلك النظام فى اللحظة الراهنة سيؤدى إلى تفكك صيغة سوريا والإضرار بوحدة الأراضى السورية.
خامسًا: إن مصر ترفض تماما مؤامرة تقسيم العالم العربى فى إطار ما يسمى الشرق الأوسط الأوسع، لا بل إنها - نفسها - تعرضت لمحاولات تقسيم أراضيها واقتطاع أجزاء منها، ومن ثم فإنها تراقب جيدًا ذلك الأمر الواقع الذى يصاغ بحنكة وخبث فى سوريا، سواء بمحاولة فرض منطقة حظر طيران تسهل قضم تركيا للجزء الشمالى من سوريا، أو باستقرار تنظيم القاعدة فى بعض المناطق، أو بحصر العلويين (من أنصار النظام) فى منطقة الساحل فحسب، وهكذا فإننا نرى خطورة كبرى فى وضع هذا التقسيم الذى يضعف القدرات العربية ويخصم قوة الجيش العربى السورى من حشد المواجهة الممكن مع إسرائيل.
سادسًا: أما بخصوص تنظيم داعش فإنه يتحين فرصة سقوط النظام كى يبسط سيطرته الكاملة على معظم سوريا، وهنا لا نستطيع تجاهل مقولة يوسف القرضاوى، مفتى الإرهاب، التى ذكر فيها أن داعش من الإخوان، ومن ثم لا تستطيع مصر المساهمة فى إسقاط نظام ما زال هو العاصم من اكتساح داعش لسوريا، إذ إن داعش هو تنظيم متوحش إرهابى، ثم هو من الإخوان - كما قال مفتى الإرهاب - وأخيرًا فإن علاقته وثيقة بالجيش السورى الحر، بدليل ما انكشف أخيرًا من حيازته أسلحة ذلك الجيش المتطورة التى حصل عليها وفقًا لبرنامج تسليح وتدريب أمريكى لما يسمى المعارضة المعتدلة (يعنى الإخوان)، وفى نفس الإطار لا يمكن لمصر أو لغيرها تجاهل ما يتردد عن علاقة داعش بالولايات المتحدة والتى مازالت تمارس أسوأ الأدوار فى التآمر على مصر والضغط عليها لصالح إدماج عناصر الإخوان الإرهابيين فى العملية السياسية.
فى هذا الإطار تحتاج مصر إلى إيضاح موقفها من سوريا الذى يبنى على حفظ وحدة الأراضى السورية، وترك أمر النظام فى يد الشعب يبقيه أو يغيره عبر الانتخابات، وعموما فإن دخول الرقم الروسى إلى المعادلة السورية - مؤخرًا - يمنع التغيير بطرق أخرى.
مصر تحتاج إلى إزالة أى التباس حول موقفها من سوريا، ومحتاجة - كذلك - إلى الحديث مع دول الخليج حول خطورة التحالف مع الإخوان أو المتطرفين الإسلاميين فى محاولة تغيير نظام الرئيس بشار الأسد، فضلا عن خطورة ذلك كله على الأمن العربى وفى مقدمته أمن الخليج نفسه الذى سيجد نفسه الفريسة القادمة للإرهاب إذا نجح فى أكل سوريا.
ولكن تلك العلاقة الفريدة التى تربط بين مصر وتلك المجموعة المحترمة من الدول، لا تعنى فى أى وجه من وجوهها أن مصر ينبغى عليها مطابقة سياساتها وآرائها معها فى كل ملف، وكل موضوع، وإنما يصاغ قرار السياسة الخارجية فى مصر أو غيرها عبر (الرئاسة والمخابرات والخارجية) وفقًا للمصالح الوطنية ومقتضيات الأمن القومى.
ونحن حين قلنا إن أمن الخليج مرتبط بأمن مصر كنا نعنيه تمامًا، ولذلك عندما لاحت بوادر تهديد لأمن الخليج فى اليمن انضمت مصر - فورا - إلى التحالف العربى الذى تقوده السعودية، بلا حساسيات وبالمقدار الذى تسمح به ظروف القدرة العسكرية المصرية وما يحتاجه تأمين القوات المشاركة، خاصة أن مصر مشتبكة على جبهات أخرى.
وحين صاغت مصر موقفها من أمن الخليج فى عبارة موجزة بليغة ودالة هى: (مسافة السكة) كانت تعنى أيضًا ما قالت وهى على استعداد دائم لتنفيذه، ولكن فى الملف السورى هناك فوارق يلزمنا إيضاحها على المستوى الشعبى فى مصر، وللأشقاء فى الخليج العربى وأوجزها فيما يلى:
أولًا: إن مصر فى حرب حقيقية مع جماعة الإخوان الإرهابية الإجرامية، وقد تكرر سيناريو تحريض الناس فى سوريا كما حدث فى مصر عبر جماعة الإخوان التى تدعمها قطر فى الائتلاف الوطنى للثورة والمعارضة والذى يشكل الإخوان قوامه الرئيسى، وكذلك الجيش السورى الحر، فإن مصر لا تستطيع دعم أى حل فى سوريا يؤدى إلى تمكين أولئك الناس وإلا فقدت معركتنا مصداقيتها ضد الإخوان فى مصر ذاتها، كما أننا لا نستطيع أن نغفل النفوذ التركى الكبير على الجيش السورى الحر وقيام أنقرة بتسليح عناصره وتدريبها، فضلًا عن أن الرئيس الجديد لائتلاف الثورة والمعارضة (خالد خوجه) هو عميل تركى فى نهاية النهار، وقد كان أحد الكوادر المتشددة فى حزب التنمية والعدالة (الجناح التركى للإخوان الإرهابيين).
ومن ثم فإن معركتنا ضد الإخوان، ومواجهة العدائيات الإجرامية لقطر وتركيا ضدنا لا تتجزأ، إذ لا يعقل أن نواجه طعناتهم فى سيناء والصحراء الغربية والحدود الجنوبية، ثم نأخذهم بالأحضان فى إدلب وحماه وحلب وحمص.
ثانيًا: حين صعد محمد مرسى (أول جاسوس مدنى منتخب) إلى سُدة القيادة بعد تزوير الانتخابات، اتخذ موقفا يؤكد المعانى التى ذكرتها حالًا، إذ أعلن دعم ما سماه (الثورة) فى سوريا، وقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع دمشق، ونادي - حتي - بخوض الحرب مع ما سمى الجيش السورى الحر (الفرع السورى للإخوان)، ولعل ذلك المشهد - بالذات - كان فى مقدمة العوامل الحاضرة حين الإشارة إلى السياسات الإقليمية والخارجية الخرقاء للإخوان، وأسهم - قطعًا - فى بلورة الرفض الشعبى للإخوان، وأفضى إلى ثورته العظيمة ضد محمد مرسى، فمصر ذات علاقة خاصة جدا بسوريا، ومن العار أن تدخل ضدها حربًا، لا بل ومن المخجل قطع العلاقات معها، وفى عز الأزمات السياسية بين البلدين ظلت العلاقة بين الشعبين المصرى والسورى حميمة دافئة غير مقبول الإساءة إليها، أو تصور إمكانية فصمها.
ثالثًا: ضمن فسيفساء الفوضى فى سوريا هناك منظمات تابعة للقاعدة مثل (جبهة النصرة) و(أحرار الشام) و(جيش الفتح) و(خراسان) وغيرها، وتلك المنظمات تخوض حربين إحداهما ضد نظام الرئيس بشار الأسد، والأخرى ضد داعش التى يتزعمها منشق عن القاعدة وأيمن الظواهرى اسمه أبوبكر الغدادى.
ولما كانت العلاقات وطيدة إلى حد مدهش ما بين القاعدة والإخوان، كما أثبتت ذلك تسجيلات المكالمات الهاتفية بين محمد مرسى وأيمن الظواهرى، وطبيعة الاتفاقات التآمرية المنحطة بينهما، فقد صار إسهام مصر فى أى عمل يفضى إلى تمكين القاعدة فى سوريا يعنى تكريس وجود الإخوان هناك، فضلًا عن أن مواقف مصر لمساندة الشرعية الدولية لا يمكن أن تسمح بأن تصبح القاهرة داعمًا للإرهاب الذى تدعو دول العالم إلى بناء جبهة موحدة لمواجهته، وتحاربه بالقوة العسكرية والأمنية، وبتجديد الخطاب الدينى، وبحصار الأسباب الاجتماعية والاقتصادية له.
رابعًا: نعلم ونقر أن هناك تداخلات معقدة جدًا فى سوريا، إذ لنا موقف قطعًا من إيران التى ضبطناها غير مرة متآمرة علينا بل ومشاركة فى هجوم مباشر على مؤسسات الدولة إبان عملية يناير ٢٠١١، يعنى شريكًا فى غزو مسلح ضدنا، ولكن عداءنا لإيران لا ينبغى أن يتطور إلى موقف يرغب فى إزالة النظام فى سوريا، إذ رغم تحفظاتنا على ذلك النظام والتى وضحت من خلال خطاب الرئيس السيسى الأول فى الأمم المتحدة (الدورة ٦٩ للجمعية العامة)، فإننا ندرك جيدًا أن إزالة ذلك النظام فى اللحظة الراهنة سيؤدى إلى تفكك صيغة سوريا والإضرار بوحدة الأراضى السورية.
خامسًا: إن مصر ترفض تماما مؤامرة تقسيم العالم العربى فى إطار ما يسمى الشرق الأوسط الأوسع، لا بل إنها - نفسها - تعرضت لمحاولات تقسيم أراضيها واقتطاع أجزاء منها، ومن ثم فإنها تراقب جيدًا ذلك الأمر الواقع الذى يصاغ بحنكة وخبث فى سوريا، سواء بمحاولة فرض منطقة حظر طيران تسهل قضم تركيا للجزء الشمالى من سوريا، أو باستقرار تنظيم القاعدة فى بعض المناطق، أو بحصر العلويين (من أنصار النظام) فى منطقة الساحل فحسب، وهكذا فإننا نرى خطورة كبرى فى وضع هذا التقسيم الذى يضعف القدرات العربية ويخصم قوة الجيش العربى السورى من حشد المواجهة الممكن مع إسرائيل.
سادسًا: أما بخصوص تنظيم داعش فإنه يتحين فرصة سقوط النظام كى يبسط سيطرته الكاملة على معظم سوريا، وهنا لا نستطيع تجاهل مقولة يوسف القرضاوى، مفتى الإرهاب، التى ذكر فيها أن داعش من الإخوان، ومن ثم لا تستطيع مصر المساهمة فى إسقاط نظام ما زال هو العاصم من اكتساح داعش لسوريا، إذ إن داعش هو تنظيم متوحش إرهابى، ثم هو من الإخوان - كما قال مفتى الإرهاب - وأخيرًا فإن علاقته وثيقة بالجيش السورى الحر، بدليل ما انكشف أخيرًا من حيازته أسلحة ذلك الجيش المتطورة التى حصل عليها وفقًا لبرنامج تسليح وتدريب أمريكى لما يسمى المعارضة المعتدلة (يعنى الإخوان)، وفى نفس الإطار لا يمكن لمصر أو لغيرها تجاهل ما يتردد عن علاقة داعش بالولايات المتحدة والتى مازالت تمارس أسوأ الأدوار فى التآمر على مصر والضغط عليها لصالح إدماج عناصر الإخوان الإرهابيين فى العملية السياسية.
فى هذا الإطار تحتاج مصر إلى إيضاح موقفها من سوريا الذى يبنى على حفظ وحدة الأراضى السورية، وترك أمر النظام فى يد الشعب يبقيه أو يغيره عبر الانتخابات، وعموما فإن دخول الرقم الروسى إلى المعادلة السورية - مؤخرًا - يمنع التغيير بطرق أخرى.
مصر تحتاج إلى إزالة أى التباس حول موقفها من سوريا، ومحتاجة - كذلك - إلى الحديث مع دول الخليج حول خطورة التحالف مع الإخوان أو المتطرفين الإسلاميين فى محاولة تغيير نظام الرئيس بشار الأسد، فضلا عن خطورة ذلك كله على الأمن العربى وفى مقدمته أمن الخليج نفسه الذى سيجد نفسه الفريسة القادمة للإرهاب إذا نجح فى أكل سوريا.