الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

هل انقلب "هيكل" على "السيسي"؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدوحة تستعين به لإعادة «الإخوان» للمشهد المصرى
سقوط «الأسد العجوز» فى «الأحضان القطرية» من جديد
■ تراجع عن تصريحاته عن تحسن الأوضاع ويدّعى أن مصر مقبلة على كارثة
■ أحقاده تدفعه لتحريض شقيق جمال حمدان على اتهام مبارك بقتل مؤلف «شخصية مصر» 
■ روّج لوجود علاقة خاصة بينه وبين «السيسى» ليستعيد حلم الاقتراب من السلطة مرة أخرى

«فتش عن مصلحة هيكل» هذا ما خرجت به من القصة التى رواها لى اللواء عبدالعظيم حمدان شقيق المفكر الراحل الكبير وأستاذ الجغرافيا السياسية المرموق جمال حمدان -مؤلف موسوعة «شخصية مصر»- خلال حوار أجريته معه فى نادى الجزيرة عام ٢٠١٢ م.
خلال الحديث عن علاقة مبارك بمقتل أخيه طلب منى حمدان إيقاف التسجيل ليخبرنى بأمر مهم، ولما فعلت باغتنى بقوله: «عقب إزاحة مبارك عن الحكم اتصل بى محمد حسنين هيكل، وطلب منى أن أقيم دعوى قضائية ضد مبارك لأتهمه بالتواطؤ مع إسرائيل على قتل أخى جمال، وشدد على أن أتصل به عقب إقامة الدعوى ليبلغ الإعلام ويتم تسليط الضوء على القضية»، وحين سألته: لماذا لم تأخذ بنصيحة هيكل؟ أجاب: «أنا كنت طيارا مثل مبارك ورجلا فلاحا وما دمت لم أفعل ذلك وهو رئيس فغير مقبول أخلاقيا أن أفعله بعد خلعه».
كان واضحا من القصة أن هيكل يريد أن ينتقم من مبارك مستخدما كل الأوراق الأخلاقية وغير الأخلاقية، وهو ما يؤكد أننا أمام شخص لا يتحرك إلا من أجل مصالحه الشخصية، فما الفائدة من تحويل اتهامات ظنية - تواطؤ مبارك مع إسرائيل لقتل جمال حمدان- إلى المحاكم سوى الانتقام من شخص مبارك والتشنيع عليه.
ركام الكلمات
لا تلتفت إلى ما يقوله هيكل من أنه يطل من خارج المشهد وأن حديثه عن الوضع الحالى حديث متابع لا مشارك، وأن مستقبله خلفه ولا يريد شيئا... إلخ، فهذا كلام للتضليل أو يمكن وصفه بالكلام الذى يدل على عكسه ويؤكد نقيضه، فالرجل رضع حليب السلطة فى أوج سطوتها وذروة قوتها ومن ذاق حليب النظام وعسله يستحيل فطامه، ومن ثم لا يمكن تخيل زهده فى الاقتراب من السلطة، لذلك كلما طالعت حوارا أو شاهدت حديثا متلفزا لهيكل لا أهتم من قريب أو من بعيد بمعلومات يقولها أو أفكار يطرحها، فقط أبحث وأفتش وأنقب عن مصلحته الشخصية وسط ركام الكلمات والعبارات التى يلقى بها يمينا ويسارا منافقا هذا ومهاجما ذاك.
كلام فارغ
فى حواره الأخير مع عدد من تلامذته ومريديه خلال احتفالهم بعيد ميلاده الـ ٩٣ - متعه الله بالصحة والعافية- قال هيكل بحسب المنشور فى صحيفة الشروق – الصحيفة الرسمية لهيكل وتلاميذه - كلاما كثيرا يمكن وصفه ب«الكلام الفارغ» وفق التعبير الذى يستخدمه فلاسفة الوضعية المنطقية لوصف الكلام الذى لا يقول شيئا محددا -لا صدقا ولا كذبا، لكن وسط هذا الركام الفارغ قال «الأستاذ» جملة تكشف عن مصلحة أو «سبوبة جديدة» بدأ فى الترويج لها مستخدما أدواته وأذرعه الإعلامية لكن قبل الوقوف أمام هذه الجملة سنضرب بعض الأمثلة من كلام «الأستاذ» الفارغ:
أولا قال هيكل: «لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبدالناصر بسياسات إسماعيل صدقى».. والسؤال من هو الذى يريد أن يستعيد سلطة عبدالناصر؟ وما هو أصلا وجه الشبه الذى يراه هيكل بين سياسة عبدالناصر وسياسة السيسي؟ الحقيقة الواضحة للجميع أن السيسى ليس عبدالناصر ولا سياسته مثل سياسة عبدالناصر، ومن يرى غير ذلك فليقدم لنا دليلا واحدا على صدق كلامه، لكن الجميع يعلم جيدا أن هيكل وتلاميذه هم من روجوا لفكرة أن السيسى ناصر جديد، وقالوا ذلك قبل وأثناء ترشحه للرئاسة ليحجزوا لأنفسهم مقعدا فى «المقصورة الرئاسية»، لكن هذه الجملة -على فراغها- تقول لنا إن عقل «الأستاذ» وأدواته التحليلية وقفت وتقف عند تجربة عبدالناصر والسادات ولم تفارقها، بل عندما حاول أن يقرأ تجربة مبارك جمع كلام صحف المعارضة ولم يقدم معلومة جديدة، اللهم إلا قصة ثروة مبارك وامتلاكه ٧٠ مليار دولار، والتى اضطر للتراجع عنها أمام القضاء بأنه قال ما قرأه فى الصحف، وقصة أخرى تتعلق بعلاقة مبارك بالمخابرات الأمريكية واستند فيها إلى السياسى السودانى حسن الترابى الذى قال إن كلام هيكل غير صحيح - يعنى كلام كاذب.
ثانيا: يقول هيكل عن السيسي: «كان عنده تصورات حالمة، لكنه لم يكن يعرف طبيعة الملفات، ويجب أن يتجاوز تلك الصدمة»..
١- من يصدمه الواقع ويُطلب منه أن يتجاوز الصدمة ليس «حالما» بل «موهوما» فالشخص الحالم يتجاوز الصعاب ويذللها، فهل يا ترى فقد «الأستاذ» ملكته اللغوية أم أنه أراد أن يقول إن السيسى موهوم واستخدم كلمة حالم لتمر الجملة!
٢- يحاول هيكل أن يقنعنا أنه مقرب من الرئيس، فيما تنفى الدوائر المقربة من الرئاسة هذا بشدة، طبعا غير منطقى أن تصدر الرئاسة بيانا رسميا تنفى فيه علاقة السيسى بهيكل.
لدىّ شهادة لم تذكر من قبل تؤكد صدق كلام المقربين من الرئاسة وتكذب «الأستاذ».. القصة تعود إلى ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، عقب خلع الشعب لمرسى، حيث ذكر لى صحفى خليجى أنه كان على موعد لمقابلة «الأستاذ» فى منزله، وفوجئ يوم اللقاء باتصال من مكتب هيكل يخبره بأنه تم تأجيل المقابلة لأن السيسى سيأتى ليجلس مع «الأستاذ» فى برقاش، وواضح أن الصحفى العجوز أراد استخدام الصحفى الخليجى لترويج فكرة أن السيسى يأتى إليه طلبا للمشورة، وإلا فما الداعى لأن يقول مكتبه إن السيسى قادم للقاء هيكل؟ الطبيعى لو أن الكلام صحيحا أن يقال حدث أمر طارئ ونعتذر عن تأجيل اللقاء، لكن «هيكل» لا يلقى بالكلام جزافا بل يجيد استخدام كل الأوراق لصالحه.
٣- أى متابع للمشهد الحالى لا يرى السيسى مصدوما، بل الواضح أن الأمور تسير وفق ما خطط له، خاصة بعد أربعة إنجازات كانت بمثابة شرعية جديدة له وهى: افتتاح قناة السويس الجديدة، واكتشاف حقل الغاز الطبيعى، وعملية «حق الشهيد» وتدمير أنفاق غزة بإنشاء مزارع سمكية على الحدود، هل من يحقق مثل هذه الإنجازات يكون شخصا مصدوما ومطلوبا منه أن يتجاوز الصدمة ليتحرك!
ثالثا: عندما سئل هيكل عن نقطة البداية التى يجب أن تسلكها مصر أجاب: العثور على نقطة بداية أمر فى منتهى الصعوبة.. وهذه ليست إجابة بل استخفاف بعقول القراء، فإذا كنت لا تملك إجابات عن أسئلة تخص الوضع الحالى فلماذا تقفز إلينا مرتديا ثياب الواعظين والناصحين؟ الحقيقة المُرة أن جلسات هيكل مع دراويشه وحرافيشه تتحول لجلسات لتوزيع الإفيهات والابتسامات، ولن تجد فيها معلومة واحدة ذات قيمة.
رابعا: فى موضع آخر من الحوار قال هيكل: «يجب أن تدرك ماذا يجرى حولك فى العالم، وتعرف موقع قدمك.. فالعالم تغيرت قواعده، ورصيدك الذى صنعته فى الماضى تآكل، ولم يبق منه إلا بعض التعاطف.. لذا يجب أن تكتشف العالم وتتعرف على أصدقائك الحاليين والمحتملين».. وهذه عبارة مضحكة جدا فلو صدقت «الأستاذ» فى أن العالم قواعده تغيرت فلن تستمع لما يقوله لأنه قادم من ذلك العالم القديم، الحالة الوحيدة التى يمكنك أن تستمع فيها لنصيحته هو أن تكذبه، وتعتقد أن العالم ما زال كما كان فى الستينيات ووقتها - وقتها فقط - سيكون هناك مبرر للاستماع إلى هيكل وحواديته.
خامسا: يرى هيكل أن مصر فى هذه اللحظة تائهة وسط العالم والإقليم قائلا: «نحتاج إلى من يصف لنا ما يجرى حولنا، فى سوريا والعراق والسودان.. يجب أن يكون لنا دور سياسي.. لا يعقل أن نترك سوريا ولا يكون لنا دور فيما يدور».. والسؤال من يقصد بقوله: نحتاج إلى من يصف لنا هل الإعلام إم يقصد أن السيسى وأجهزة الدولة لا تعرف ما يحدث حولها وتحتاج مساعدة؟ ومن قال لهيكل إن مصر تركت سوريا! ألم يستمع «الأستاذ» إلى تصريحات الرئيس السورى بشار الأسد فى حواره مع فضائية «المنار» والتى قال فيها إن هناك تنسيقا أمنيا مع مصر، ألم يسمع عن زيارة الوفد السورى رفيع المستوى إلى القاهرة والاستعداد لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والقاهرة، ألم تبلغه أنباء رفض مصر بشكل قاطع أى تدخل عسكرى فى سوريا ودعم القاهرة للحل السياسي.
سادسا: عند تفسيره لدور روسيا فى سوريا قال: «الروس يستفيدون من كل الأخطاء التى يقع فيها الأمريكان.. بوتين يلعب على أخطاء الإدارة الأمريكية، هو لا يستطيع أن يتدخل اقتصاديا لكنه يتصيد أخطاء منافسه ويبنى عليها مواقفه».. من يعتقد أنه يقدم تفسيرا بمثل هذا الجملة فالأفضل له ولنا أن يمسك عليه لسانه وليسعه بيته، فما الجديد وما المعلومة فى أن بوتين يستغل أخطاء أمريكا فى سوريا، بالمناسبة روسيا تتصرف مع أمريكا بنفس المنطق فى أغلب الملفات وليس الملف السورى فقط.
سابعا: عند حديثه عن ضوضاء الفضائيات قال: «عندما تضيع من المجتمعات قضاياها الحقيقية، يضطرون إلى الصراخ للتعبير عن أنفسهم وحتى يلتفت الآخرون لهم ويطمئنون أنفسهم أيضا».. وعند قراءة هذه الجملة مرة أخرى تكتشف كأنها منزوعة من سيناريو مسلسل إذاعى من مسلسلات الخمسينيات، كلام منتفخ بلا معنى فالواضح للجميع أن ضوضاء الفضائيات هى جزء من ضوضاء مجتمعية امتدت لكل المجالات والميادين، فالمشكلة مجتمعية بالأساس وليست خاصة بالفضائيات فقط، ووضوحها فى الفضائيات راجع لطبيعة الإعلام لأنه مثل «الناقوس» صوته مزعج رغم محدوديته، فالرياضة فى مصر الآن أصبحت مثيرة للقلق أكثر من الفضائيات، وظاهرة الأولتراس وغيرها خير شاهد على ذلك.
هيكل - قطر - الإخوان
المعلومة أو الفكرة الوحيدة المختلفة - ليست مفيدة على كل حال- فى هذه الاحتفالية هى عبارة: «لو استمر التفكك فى الجبهة الداخلية فمصر مقبلة على كارثة»، هذه العبارة هى نفس الجملة التى ترددها جماعة الإخوان الإرهابية، بل هى صياغة أخرى لتصريح خالد العطية وزير خارجية قطر فى أغسطس الماضي، عندما دعا لما أسماه وساطة قطرية لعودة الإخوان للمشهد السياسي، معتبراً أنّ عدم عودة الإخوان يقف حائلاً دون سير مصر على الطريق الصحيح، بما يعنى أن هناك خللا فى الوضع الداخلى المصرى بسبب استبعاد الإخوان، وإلا فماذا يقصد هيكل بتفكك الجبهة الداخلية، فى الوقت الذى سارعت فيه كل القوى والتيارات ولو بنسب مختلفة للمشاركة فى انتخابات البرلمان القادم، لو أن هناك تفككا داخليا -كما يبشر الرجل- لتنافس مؤيدو النظام الحالى وحدهم على مقاعد البرلمان، لكن الغائبين عن المشهد هم الإخوان فقط، نقطة أخرى ينبغى الإشارة إليها لأنها تؤكد بوضوح تام أن دور هيكل الجديد هو استخدامه كورقة قطرية أخيرة لإعادة الإخوان إلى المشهد المصرى عبر أكذوبة المصالحة، وهى أن هيكل فى حواره مع طلال سلمان رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية المنشور فى «الشروق» بتاريخ ٢١ يوليو الماضي، قال بالنص «مصر بدأت تستعيد توازنها حيث إن فترة الفوضى التى سادت فى مصر بعد حكم السادات ومبارك قد انتهت» وقال أيضا: «أنا أرى أن أحوال مصر لا بأس بها، هناك اقتصاد مأزوم ومرهق جدا، التعليم ليس مدمرا تماما، أنا أخشى من الأحكام المطلقة، التعليم ليس مدمرا إلى هذا الحد».. فما الذى تغير من يوليو حتى سبتمبر يجعل هيكل يرى أن مصر تتفكك جبهتها الداخلية بعد أن كان يراها تستعيد توازنها؟
وحتى لا نتوه فى هذه التفاصيل ستتضح الأمور جلية بعد ترتيبها على النحو التالى:
أولا: فى ٢١ يوليو الماضى قال هيكل لسلمان: «أحوال مصر لا بأس بها وبدأت تستعيد توازنها حيث إن فترة الفوضى التى سادت فى مصر بعد حكم السادات ومبارك قد انتهت».
ثانيا: فى نفس الحوار قال: «لقد نجح الإخوان كحركة محلية، داعش والبغدادى لا أحد يقبل بهما فى مصر، حسن البنا ممكن، أما البغدادى فلا أحد يقبل به» وقال أيضا: «حسن البنا ورث التنظيمات الصوفية وله نفس تأثيرها، هذا التأثير هو الذى يجعل له جذورا فى مصر، الناس فى مصر عندها عشق للدين».. أى أنه يرى أن «داعش» لا مستقبل له فى مصر بخلاف الإخوان، ويعلل استمرار الإخوان بعشق المصريين للدين أى أنه طالما وجد الإسلام سيوجد الإخوان، تبقى الإشارة واجبة لخطأ لغوى آخر سقط فيه هيكل وهو: حسن البنا ورث التنظيمات الصوفية.. ورث تعنى موت الصوفية لكن الصواب أنه استفاد من التنظيمات الصوفية لنشر فكرته، فالصوفية مستمرة بعد انتشار فكرة حسن البنا.
ثالثا: فى ٧ أغسطس الماضي - بعد حوار هيكل بشهر تقريبا- عرض خالد العطية وزير خارجية قطر وساطة بلاده لعودة الإخوان للمشهد المصرى حيث قال: «العلاقة مع مصر طبيعية، ولكن ‏هناك اختلافا فى وجهات النظر، بسبب وجود خلاف سياسى مع نظام عبدالفتاح السيسي، بسبب إقصاء مكوّن ‏سياسى بالبلاد -أى الإخوان-»، وأعتبر أن ذلك يحول سير مصر على الطريق الصحيح نحو التقدم.‏
كما أعرب عن تمنيه أن يكون الحوار شاملاً فى مصر، ولا يستثنى أى طرف، وأكد أن قطر على تواصل دائم مع جميع الأطراف، ومستعدة دائماً للقيام بجهود ‏وساطة إذا طُلب منها ذلك، ولكنها لا تستطيع ‏التدخل فى الشئون الداخلية.
وعن علاقة قطر بالإخوان، قال العطية: «لا نستطيع أن نقاطع جماعة الإخوان المسلمين، ولم نعتبرها يوماً جماعة إرهابية، ولا نشجع ‏على اعتبارها كذلك».‏
ثم أعاد الوزير القطرى المقطوعة السخيفة من أنّ هدفه هو استقرار مصر، ولمّ شمل المصريين، ‏تحت المظلة المصرية.. وهذه نفس الفكرة التى صاغها هيكل بأسلوبه: الجبهة الداخلية فى مصر تتفكك.
رابعا: فى ٩ أغسطس رفضت مصر رسميا الوساطة القطرية للتصالح مع الإخوان، معتبرة تصريحات وزير خارجية قطر حول هذا الأمر «تدخلا غير مقبول فى الشأن الداخلى المصرى».
واعتبرت الخارجية تصريحات العطية «غير مقبولة»، وافتئات على أحكام القضاء المصرى وقرارات الحكومة المصرية، كما وصفتها بالافتئات على إقرار جموع الشعب المصرى بأن «تنظيم الإخوان تنظيم إرهابى»، رافضة أى حديث عن المصالحة مع التنظيم.
خامسا: بعد أن كان هيكل يرى أن الأمور فى مصر بدأت تتحسن عاد فى ٢٠ سبتمبر الماضى ليقول إن الجبهة الداخلية تتفكك ومصر مقبلة على كارثة، دون أن يشير إلى متغيرات جديدة حدثت فى الفترة التالية لحواره مع السفير البيروتية جعلته يرى ذلك، بل بالعكس رصد الواقع يقول إنه بعد حديث هيكل عن تحسن الظروف فى مصر تم اكتشاف حقل غاز ضخم فضلا عن افتتاح قناة السويس الجديدة وبدء تصفية التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى الإقبال الكبير على المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، وفتح الرئاسة الباب أمام الشباب للمشاركة فى الوضع القائم، التى كانت أبرز العناصر الغائبة عن النظام، وهو ما يشير إلى أننا أمام جبهة داخلية تزداد قوة.
وعند ربط الوقائع السابقة معا سيكون الوضع كما يلى: قطر كما تدخلت فى الملفات الفلسطينية واللبنانية مستخدمة الأموال الطائلة يستحيل أن تترك حلفاءها الإخوان فى هذا الوضع المزرى فعرضت الوساطة ورفضتها مصر، فبدأت الدوحة تستخدم أبرز أوراقها فى القاهرة وهو هيكل فمهد أولا بأن الإخوان لهم مستقبل وعندما لم يلتفت أحد إلى كلامه استخدم طريقة رسم مستقبل مظلم وتحدث عن التفكك والكارثة التى تنتظر البلاد حتى يفتح حوارا مع النظام فينصح بعودة الإخوان.
لا يمكن إغفال فضل قطر على هيكل فالرجل الذى كان حبيس مؤلفاته وكتبه وجلساته الضيقة مع دراويشه وحرافيشه ولا يعرفه أحد من الأجيال الجديدة، انتشلته الدوحة من ضباب النسيان وأعادته عبر برنامج أسبوعى فى «الجزيرة»، فأصبح من أبرز نجوم الفضائيات العربية وعرفته الأجيال الجديدة، إضافة إلى المقابل المالى الضخم الذى حصل عليه «الأستاذ»، فالرجل فى ثوبه الجديد صناعة قطرية بامتياز، وجاء عليه الدور ليرد الجميل بالطريقة التى يختارها، فضلا عن أن اللجوء إلى هيكل يخلق لديه نشوة أنه ما زال موجودا ولم يعد من مخلفات الماضي.
هناك شاهد آخر يؤكد أن الجماعة ترغب فى إنجاح سبوبة هيكل، حيث أعلنت عن وقف قنواتها التى كانت تهاجم خلالها مصر والاكتفاء بقنوات دعوية، ويبدو أن الاتفاق على وقف تلك القنوات عنصر أساسى لإنجاح مساعى هيكل، بل إن ثروت نافع الرئيس السابق للكيان المسمى «البرلمان المصرى»، الذى أسسه نواب الإرهابية فى الخارج، دعا الجماعة إلى التراجع خطوة للخلف، داعيًا إلى ما أسماه مراجعة استراتيجية المواجهة.
لا يمكن أيضا إغفال دفاع هيكل عن الإخوان وقت أن كانوا فى السلطة بل عندما وقعت مذبحة الاتحادية أثناء وجود مرسى وحده هيكل الذى قال: «شرعية مرسى لم تسقط بل أصابها خدوش، قتل هذا العدد لا يسقط شرعية أحد».. هكذا قال موزع التحليلات حسب الطلب أو حسب السلطة.