رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدوافع الحقيقية لإعلان تركيا الحرب ضد الإرهاب ١-٢

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما أعلن السيد رجب طيب أردوغان يوم الجمعة ٢٤ يوليو ٢٠١٥ أن الضربات العسكرية ضد داعش خطوة أولى لحماية أمن تركيا، وقد أكد أن التنظيم يمثل تهديداً لتركيا والمنطقة، وصرح رجب أردوغان بأنه وبعد الاجتماع مع الحكومة التركية اتخذت قرارات عدة وتدابير لازمة من أجل الحفاظ على الجمهورية التركية أرضا وشعبا، وتعتبر تركيا (الدولة الإسلامية) تنظيماً إرهابياً يهدد المنطقة، ومن الضرورى اتخاد إجراءات لردعها ووقف تقدمها، ويرى أغلب المحللين والمراقبين فى الشأن السياسى أن تصريحات أردوغان تأتى مغايرة لموقف الحكومة التركية الداعمة دوماً للتنظيمات الإرهابية فى المنطقة، سواء بشكل مباشر مثل (جبهه النصرة) و(تنظيم داعش) قبل أن تنقلب عليه أو بالدعم عن طريق الغطاء السياسى لتنظيمات مثل (الإخوان المسلمين) فى مصر أو (حزب النهضة) فى تونس، ومن المؤكد أن الحلم التركى للخلافة العثمانية لن يتحقق إلا عبر صعود التنظيمات التى تنضوى تحت راية الإسلام السياسى فى المنطقة بأسرها، ومن المؤكد أيضاً أن تركيا هى من أكثر الدول التى دعمت تنظيم (داعش)، حيث سمح لمقاتلى داعش بالتدريب فى معسكرات على أراضيها، إضافة إلى دعمهم بالسلاح والعتاد، وذلك على خلفية مواجهة المد الشيعى فى العراق، ومحاولة إسقاط بشار الأسد فى سوريا، وقد عجز التحالف الدولى بقيادة أمريكا عن دفع الجانب التركى للانضمام عمليا إلى الحرب على داعش، حيث تأكد ذلك فى معركة (عين العرب)، وقد تخاذل الجيش التركى عن مواجهة داعش وعن حماية السكان المدنيين فى (عين العرب)، رغم العمليات الإجرامية التى مارسها تنظيم داعش ضد السكان المدنيين، ولولا قوات البيشمركة الكردية التى قامت بالدفاع عن عين العرب لما تم تحريرها وحماية السكان المدنيين، إذاً ما الذى يدفع الحكومة التركية حالياً للإعلان عن حرب شرسة ضد التنظيمات الإرهابية (داعش) و(بى كى تى) وهو الاسم الحركى لحزب العمال الكردستانى، وقد أجبرت المتغيرات الجديدة فى المنطقة سواء داخل تركيا أو خارجها على دفع أردوغان وحكومته فى رسم مخططات ومشاريع جديدة تتناسب مع ما يحدث من متغيرات، وكانت أول هذه التغيرات فى الداخل التركى، وعلى خلفية نتائج الانتخابات البرلمانية التركية، حيث شهدت نتائج الانتخابات تراجع شعبية حزب (العدالة والتنمية)، وقد ترافق ذلك مع انهيار وتراجع مشاريع مماثلة فى مصر مع السقوط المدوى لجماعة الإخوان المسلمين، وأيضاً فى تونس، حيث فقد حزب النهضة الكثير من شعبيته، وجاءت نتائج الانتخابات فى تونس سواء البرلمانية أو الرئاسية لتؤكد هذا المعنى، ثم يأتى توقيع الاتفاق النووى بين إيران والغرب الذى من المتوقع أنه سيسمح لإيران بلعب دور إقليمى هام جداً فى مناطق الصراع (العراق – سوريا – اليمن – لبنان)، خاصة أن وجهة نظر إيران قد تتوافق مع الغرب فى بعض القضايا الهامة مثل الحفاظ على بشار الأسد وكيان الدولة السورى فى مواجهة فوضى التنظيمات الإرهابية المسلحة التى تتمدد فى المنطقة بوتيرة سريعة، وقد تحظى إيران بتوكيل من أمريكا والغرب بالدعم لتلعب دوراً هاماً فى المنطقة، وعلى ذلك فإن تركيا تسعى بكل قوة للتواجد فى المنطقة عسكريا، وذريعتها فى ذلك هو الحرب على الإرهاب، وسيصبح الشمال السورى هو منطقة الانطلاق بالنسبة لها، وهذا ما يفسر مطالبة تركيا الدائمة بوجود منطقة عازلة فى شمال سوريا منذ ٣ سنوات، أما عن آخر الأسباب التى دفعت تركيا إلى الدخول فى حربها ضد التنظيمات هو صراعها المباشر وغير المباشر مع الأكراد، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة استطاعت القوات الكردية مع انفتاح الحدود السورية والعراقية والتركية من تطوير آليات عملها، حيث أقامت معسكرات التدريب وحشدت عناصرها من كافة الأنحاء للانخراط فى التشكيلات العسكرية، كما استفادت من انهيار الحكومات المركزية فى العراق وسوريا، أو شاركت -مثل باقى التنظيمات المسلحة- فى بسط نفوذها على الأرض وتوسيع نطاق تواجدها، خاصة فى الشمال السورى، مع الاستفادة من الحكم الذاتى فى العراق، وما وفره من إمكانيات فى تطوير الآلة العسكرية، إذاً هذه هى الأسباب الحقيقية التى دفعت تركيا للتشدق وإعلان خطاب الحرب على الإرهاب، وسنقوم بدراسة وتحليل كل من الأسباب السابقة الذكر، لمحاولة فهم حقيقة الموقف التركى.
أولا: نتائج الانتخابات التركية
البرلمان التركى (الجمعية الوطنية الكبرى) تتكون من ٥٥٠ دائرة، يتم انتخابهم لأربع سنوات حسب التمثيل النسبى، من ٨٥ دائرة انتخابية فى تركيا، وهى عدد المحافظات التركية، فيما عدا أنقرة وإسطنبول وأرمين المرشحة فى قوائم الأحزاب السياسية، لا يفوزون إلا إذا تحصل حزبهم على ١٠٪ على المستوى الوطنى، وقد جاءت نتائج الانتخابات التى أجريت فى ٧ يونيو الماضى صادمة لأردوغان وحزبه، حيث لم يتحصل حزب (العدالة والتنمية) سوى على ٤٠٪ من المقاعد، بينما حصلت المعارضة على ٦٠٪ من المقاعد، وعلى الرغم من أنها حسابياً تستطيع المعارضة أن تشكل حكومة ائتلافية، إلا أن الخلافات بين أحزاب المعارضة وعدم توافقها يجعل من الصعوبة تشكيل حكومة ائتلافية، فعلى سبيل المثال يرفض حزب (الحركة القومية) الحاصل على ٨٠ مقعدا دخول أى حكومة ائتلافية حتى لو حصل على رئاسة وزارتها فى حال وجود حزب (الشعوب الديموقراطية) الكردى، والحاصل على ٨٠ مقعدا، وبذلك يقلص أو يقضى على أى فرصة لأكبر أحزاب المعارضة، وهو حزب (الشعب الجمهورى) الحاصل على ١٣٢ مقعداً بتشكيل حكومة من المعارضة، وفى نفس الوقت لا يمكن بحال من الأحوال تكوين مقاعد من أى حزبين من أحزاب المعارضة بتشكيل الحكومة، فضلا عن أن الدستور ينص على أن رئيس الجمهورية يكلف رئيس أكبر الأحزاب الحاصلة على مقاعد فى البرلمان، وهو فى هذه الحالة أحمد داود أوغلو رئيس حزب (العدالة والتنمية)، وهنا سيكون الموقف معقدا جداً، وتاريخياً فإن فشل الحكومات الائتلافية فى تركيا يلقى بظلاله على أى مشروع حكومة ائتلافية، ولا يزال حزب (العدالة والتنمية) غير قادر على حسم تشكيل حكومة ائتلافية، رغم ما أعلنه بأنه سيطرق أبواب كل الأحزاب الفائزة، ومن المعروف أنه عقب نتائج الانتخابات مباشرة ونتيجة للصدمة الشديدة التى تلقاها أردوغان وحزبه، وقد أعلن أردوغان أن الذهاب إلى انتخابات مبكرة أفضل من محاولة الحكومة الائتلافية، ويخشى أردوغان وأنصاره أنه فى حالة وجود حكومة تسيطر عليها المعارضة ستفتح ملفات الفساد التى طالت الكثير من رجال نظامه وأقاربه فى أحداث ١٧ ديسمبر ٢٠١٣، أو إعادة النظر للانتقال إلى النظام الرئاسى، وأخيراً إعادة التوافق على السلام الداخلى مع الأكراد، خاصة أن حزب (الشعوب الديموقراطى) الكردى استطاع لأول مرة الحصول على هذا العدد من المقاعد التى تسمح له بالمشاركة الفعالة سياسيا.
إن ضبابية المشهد السياسى فى تركيا ومعارضة الشعب التركى لأسلوب السياسات الخاطئة التى ينتهجها أردوغان التى وصلت نتيجته إلى صفر علاقات خارجية مع كثير من دول الإقليم، خاصة مصر ودول الخليج وسوريا والسعودية، وسنكمل المقال فى العدد المقبل.