الإثنين 03 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

اختراق "المدينة المنكوبة".. أسرار أسبوع الدم والنار في سرت

مصادر ليبية تتحدث لـ"البوابة" من "قلب المعركة"

«داعش»
«داعش»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
■ «داعش» يسيطر على المدينة منذ شهرين ونصف.. واغتيال شيخ سلفى وصف التنظيم بـ«الخوارج» وراء المذابح الأخيرة
■ حسن الكرامى مسئول «ذبح الأقباط» يقود العملية ■ الطائرات المجهولة «إيطالية».. وعناصر من نظام «القذافى» تساعد «البغدادى»

ليس فى العنوان أى مبالغة أو ميل للإثارة، بل هو تعبير حقيقى عن واقع تعيشه ليبيا منذ نحو ٤ سنوات، أقصد بالتحديد منذ إسقاط حكم الديكتاتور معمر القذافى.
الميليشيات هى العنوان فى ليبيا، والانقسام السياسى بين طبرق حيث الحكومة المعترف بها دوليًا، وطرابلس حيث المؤتمر الوطنى المنتهية ولايته هو السمة.
وسط غياب أى شكل لـ«الدولة» بمؤسساتها الأمنية العسكرية استطاع تنظيم «داعش» أن يفرض نفوذه على مساحة واسعة من البلاد.
سيطر «داعش» على مدن بأكملها، ونفذ جانبًا من جرائمه الشهيرة طال بعضها 21 مصريًا، لترد بعدها قواتنا المسلحة بـ«ضربات جوية» استهدفت معاقل التنظيم فى مدينة درنة.
استطاع التنظيم أن يلملم شتاته، فوصل إلى مدينة سرت الساحلية وسيطر عليها بشكل كامل، بدعم من دول تتهمها ليبيا بـ«مساندة الإرهاب».
ظل اسم سرت بعيدًا عن الأحداث والتغطيات الإعلامية حتى الثلاثاء الماضى، حينما ظهرت «أنباء المذبحة». المعلومات مفزعة، وأرقام الشهداء لا حصر لها، وما يحدث على الأرض لا يعرف أحد حقيقة. هنا نحاول أن ندخل أطلال «المدينة المنكوبة»، لنعرف تفاصيل ما جرى وما يجرى الآن، عبر حديث مع عدد من شهود العيان، والنشطاء السياسيين، ومسئولين عسكريين، ودبلوماسيين.
نشأ تنظيم «داعش» فى ليبيا بمدينة درنة، إبريل ٢٠١٤، تحت اسم «مجلس شورى شباب الإسلام»، واستطاع أن يعزز قوته باستيعاب فصائل إسلامية متشددة مثل «أنصار الشريعة فى ليبيا»، غير أن تحالفًا إسلاميًا آخر من «الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة»، وهى مجموعة جهادية نشأت إبان حكم العقيد الراحل معمر القذافى، استطاع طرد التنظيم من المدينة، منتصف يونيو ٢٠١٥.
من هذه النقطة أصبحت سرت، وهى المدينة التى نفذ فيها «داعش» عملية ذبح الرهائن المصريين المسيحيين (فبراير الماضى)، والرهائن الإثيوبيين المسيحيين (إبريل الماضى)، أولوية بالنسبة إلى التنظيم ضمن خطته لـ«بناء الدولة».
وفق تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أعده الباحث هارون زيلين، فإن «داعش» بدأ تكريس وجوده فى سرت، وتقدم بحملة عسكرية للسيطرة الكاملة على المدينة فبراير ٢٠١٥، حيث استولى على منطقة تسمى «النوفلية»، الواقعة شرق سرت، وعين زعيمًا عليها يسمى «على القرقعى»، المعروف باسم «أبوهمام الليبي»، داعيًا المواطنين إلى تقديم البيعة لأبوبكر البغدادى.
يقول التقرير: «بعدها بدأ داعش يتخذ خطوات أكثر جرأة فى مدينة سرت، باستيلائه على محطة الإذاعة، واستديو قناة (ليبيا الوطنية)، ومركز الهجرة، وجامعة سرت، والمبانى المحلية الحكومية».
منتصف العام الجارى كان التنظيم قد سيطر على أكثر من نصف المدينة، وعين قائدًا محليًا، يدعى أسامة كرامة، وهو صهر أحد ضباط المخابرات السابقين فى نظام «القذافى».
فى الاتجاه المضاد انطلقت حملات من ميليشيات مناهضة لـ«داعش» وقوات العقيد الليبى خليفة حفتر فى الوقت ذاته، تستهدف استعادة السيطرة على سرت، إلا أنها فشلت، فتوسع التنظيم بشكل أكبر، وسيطر على قاعدة جوية، ومحطة توليد الكهرباء، الأمر الذى منحه سيطرة كاملة على المدينة.
بحسب تقرير «معهد واشنطن»، فإن «داعش» بدأ منذ يونيو الماضى فى فرض «شكل الدولة» على مدينة سرت، بعد أن كانت أنشطته تقتصر - قبل هذا التاريخ - على توزيع المنشورات، وإقامة المنتديات، وتحويل المسيحيين إلى اعتناق الإسلام، وتطبيق الحدود، وهدم الضرائح.
ويذهب تقرير معهد واشنطن إلى أن تنظيم داعش - بفعل سيطرته الكاملة على سرت - أنشأ عاصمته الأولى خارج سوريا (الرقة) والعراق (الموصل)، مدعومًا فى ذلك بانضمام أنصار «القذافى» إليه، أو رضوخهم بطريقة مماثلة لما قام به ضباط نظام الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين.
ظل الوضع فى سرت «شبه هادئ» حتى اندلاع الأحداث الأخيرة، حيث نشبت الثلاثاء الماضى اشتباكات دامية بين عناصر «داعش» وعدد من أهالى المدينة (أكثرهم من السلفيين)، نفذ خلالها التنظيم مذابح بحق المدنيين، أظهرتها صور حصلت عليها «البوابة»، وآخرها نشرها نشطاء ليبيون على مواقع التواصل الاجتماعى، فضلًا عن تأكيدات من مصادر محلية، وحكومية، وعسكرية.
فى التفاصيل، يقول الناشط السياسى والإعلامى الليبى، أحمد بن قطنش، الذى تحدثت إليه «البوابة» من سرت، إن المدينة تخضع لسيطرة تنظيم «داعش» منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، بعد انسحاب ما يسمى «ميليشيات فجر ليبيا».
و«فجر ليبيا» هو تحالف مجموعة ميليشيات إسلامية، صنفه مجلس النواب الليبى، فى بيان له بتاريخ ٢٥ أغسطس ٢٠١٤، إرهابيًا خارجًا عن القانون ومحاربًا لشرعية الدولة.
ولدى «فجر ليبيا» خلاف كبير مع «داعش»، إذ يكفر كلاهما الآخر، ويعتبر «داعش» ميليشيات فجر ليبيا من «المرتدين»، فيما ترى الأخيرة أن التنظيم «من الجماعات المغالية والمتطرفة التى تسىء تأويل النصوص الإسلامية».
وفى يونيو الماضى، أعلن تنظيم «داعش» السيطرة بالكامل على سرت بعد طرد «مرتدي فجر ليبيا» بعد هجوم على «محطة بخارية» كانت الميليشيات تتخذها مقرًا لها، ووقتها اتهم رئيس الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، عبدالله الثنى، ميليشيات فجر ليبيا بالتواطؤ والتنسيق مع «داعش» لتسليم المدينة بالكامل.
ويضيف «بن قطنش» أن الأحداث تصاعدت فى المدينة قبل أسبوع، بعد قيام «داعش» باغتيال شيخ سلفى يدعى خالد بن رجب الفرجانى، وهو شيخ مشايخ السلفيين بسرت، وإمام مسجد «قرطبة»، المسجد الوحيد الذى لم يكن يخضع لسيطرة التنظيم فى المدينة.
الأزمة بدأت بعد خطبة ألقاها «الفرجانى»، وهو إمام السلفية الجامية بالمدينة، ذكر فيها أن عناصر «داعش» مجموعة من «الخوارج» لا تجوز طاعتهم، وأفتى بعدم جواز «الاستتابة» التى يفرضها مسلحو التنظيم على الأهالى حفاظًا على حياتهم، إضافة إلى رفضه وجماعته تسليم منبر المسجد لـ«داعش»، أو مبايعة أبوبكر البغدادى، وفق ما يقوله «بن قطنش».
استهدف مسلحو «داعش» الشيخ أمام منزله فور عودته من صلاة المغرب، حيث أمطروه بوابل من الرصاص فسقط قتيلًا، وأصيب مرافقه ويدعى عبدالله عمر الشعولى الفرجانى.
يقول «بن قطنش» إن تصفية «الفرجانى» أدت إلى تضامن القبائل الأخرى فى سرت، ونشأ تحالف لـ«التخلص من داعش»، بمشاركة قبائل من «ورفالة، وحسون، وعبادلة، وفرجان، ومغاربة، ومصراتة».
ويضيف: «اندلعت معارك عنيفة ضد داعش بقيادة شيخ يدعى مفتاح حسن بوستة الورفلى، أسفرت عن سقوط ٢٠ قتيلًا ينتمون لقبيلة الفرجان (ينحدر منها الشيخ خالد)، وأثناء المواجهة المسلحة ونتيجة القذائف العشوائية قتل الشيخ مفتاح، وشقيقه شريف الدين، وعدد آخر من الشباب السلفي».
وبينما تتضارب المعلومات حول العدد الإجمالى للقتلى، فإن «بن قطنش» قدر أعدادهم بـ٢٠ قتيلًا، بينهم ٢ من قبيلة ورفلة، واثنان من القذاذفة، وواحد من العمامرة، وواحد من حسون، واثنان من معدان، وآخرون.
مصدر آخر من سرت - فضل عدم ذكر اسمه - قدر عدد الضحايا بـ٢٨٩ قتيلًا - حتى كتابة التقرير - أغلبهم من قبيلة «الفرجان» التى قال إنها تتعرض لـ«حرب إبادة جماعية وتطهير عرقى».
واستولى «داعش» على مسجد «قرطبة» أيضًا، وأطلق اسم أبومصعب الزرقاوى عليه، وأحرق مكتبة المسجد التى كانت تشرف عليها «السلفية الجامية»، وألقى قائد التنظيم بالمدينة حسن الكرامى، خطبة الجمعة الماضية به، حيث هاجم مشايخ السلفية، واتهمهم بأنهم من بدأوا القتال ضد «داعش» ونالوا جزاءهم، متوعدًا كل من يحاول الاعتداء على «جنود الخلافة الإسلامية».
وحسن الكرامى، قائد «داعش» فى سرت، يقول عنه تقرير بموقع «روسيا اليوم»، نشر فبراير الماضى، تحت عنوان: «ألغاز عملية إعدام الأقباط فى ليبيا»، إنه قائد مجموعة ذبح الأقباط المصريين، وكنيته «أبومعاوية»، وإنه من سكان مدينة سرت، وكان يتولى الإمامة والخطابة فى مسجد «الرباط الأمامي» قبل انضمامه إلى «داعش».
وبالبحث عن اسمه تبين وجود تسجيل مصور لشخص باسم «حسن الكرامي» فى موقع «YOU TUBE»، شارك فى تظاهرة بمدينة بنغازى عام ٢٠١٣، ضد اعتقال قوات أمريكية خاصة لأبى أنس الليبى، القيادى فى تنظيم القاعدة.
سألت «بن قطنش» عن موقف البرلمان الليبى وحكومته المؤقتة فوصفه بـ«الضعيف الذى لا يكاد يذكر»، حيث يرى أن الحكومة تتجنب الاشتباك مع «داعش» فى سرت، لأن المنطقة مفتوحة وتكلف كثيرًا.
وعن هوية «الطائرات المجهولة» التى قصفت معاقل «داعش» فى سرت الأيام الماضية، فيؤكد امتلاكه معلومات حول كونها «إيطالية».
وتتباين المعلومات حول هوية «الطائرات المجهولة»، ففيما يقول البعض إنها مصرية، ينفى المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد محمد سمير، الأمر، مؤكدًا أن «هذه الأخبار عارية من الصحة جُملة وتفصيلًا ومجرد شائعات».
أما عن موقف الجامعة العربية، فيقول: «نحن فى ليبيا لا نطمح فى أى خير يأتى من الجامعة العربية، لأن مواقفها دائمًا ضعيفة، لكننا نأمل خيرًا من مصر السيسى».
وبعد الأحداث الأخيرة فى سرت، دعا الدكتور نبيل العربى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى تضافر الجهود العربية والدولية واتخاذ تدابير عاجلة لتقديم الدعم اللازم لجهود الحكومة الليبية المؤقتة من أجل إيقاف «المجازر الوحشية» التى يرتكبها تنظيم «داعش» ضد السكان المدنيين بالمدينة، فيما تعقد الجامعة اجتماعًا اليوم، على مستوى المندوبين، استجابة لطلب ليبى، لـ«بحث مواجهة انتهاكات داعش».
ويدعو «بن قطنش» الحكومة المصرية للضغط على المؤتمر الوطنى الليبى (البرلمان) لـ«الإفراج عن ضباط الجيش الليبى فى عهد القذافى، وكافة الجنود، واختيار قيادة عسكرية قوية يمكن دعمها بالعتاد من القاهرة، للمساهمة فى القضاء على الإرهاب»، مشيرًا إلى أن الأمل على العرب فـ«المجتمع الدولى لا يهتم بحماية المدنيين».