رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

المرشح للبوكر شكري المبخوت: ليست لي طقوس خاصّة للكتابة واكتفي بالقهوة والسيجارة

شكري المبخوت
شكري المبخوت
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ساعات قليلة تفصلنا عن النتيجة النهائية لجائزة البوكر العربية، التي ينافس عليها ست روايات من السودان والمغرب ولبنان وفلسطين وسوريا وتونس والتي أُعلنت يوم الجمعة الموافق 13 فبراير الماضي، والروايات هي "شوق الدرويش" للسوداني حمور زيادة و"ممر الصفصاف" للمغربي أحمد المديني و"طابق 99" للبنانية جنى فواز الحسن و"حياة معلقة" للفلسطيني عاطف أبو سيف و"ألماس ونساء" للسورية لينا هويان الحسن، و"الطلياني" للتونسي شكري المبخوت.
ونقلًا عن موقع الجائزة ننشر حوارًا مع الكاتب شكرى المبخوت المرشح في القائمة القصيرة .
- أين كنت عند الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية؟ وماذا كان رد فعلك؟
وصلني الخبر وأنا منهمك في عملي بالجامعة. كان الناشر الذي هاتفني مبتهجا فبعث في نفسي البهجة.
لقد كانت المنافسة شديدة بين روائيّين مرموقين ونصوص جميلة لم أقرأها كلّها وقتها. وبعد أن استمعت إلى تقييم اللجنة للطلياني ولبقيّة الروايات في القائمة القصيرة تأكّدت أنّ السادة الأعضاء قد قيّموها تقييما دقيقا وبلغوا المقصود منها وتبيّنوا بوضوح استراتيجيّتها في الكتابة.
- ماذا يعني لك ترشيح روايتك في القائمة القصيرة للجائزة؟
طبعا هو نوع من الاعتراف الأدبيّ يأتي من جائزة محترمة ذات سمعة ومصداقيّة. وهو، علاوة على ذلك، فتح لآفاق واسعة أمام الرواية وانتشارها خصوصا بلفت انتباه القرّاء في العالم العربيّ إليها. إنّ هذا الترشيح في حدّ ذاته تتويج للطلياني التي احتلّت موقعا مّا داخل المشهد الروائيّ العربيّ الذي ما انفكّ يتطوّر ويعرف أعمالا روائيّة جيّدة. كلّ هذا مبهج بالنسبة إلى أيّ كاتب.
- هل لديك طقوس للكتابة؟
لا ليست لي طقوس خاصّة تكفي القهوة والسيجارة لأكتب على شاشة الحاسوب أو على الورقة البيضاء. علّمني البحث الأكاديميّ الصبر والسكينة حتّى عندما تجنح بي الأفكار... أو عندما أكون متوتّرا أو متحمّسا لفكرة مّا. طقسي الوحيد مصارعة بياض الورقة وتوليد الأفكار.
- لماذا تكتب؟
قرأت وأنا شاب عبارة لجبران مفادها "جئت لأقول كلمة وسأقولها". لا أدري ربّما أعجبتني النبرة النبويّة في ما قال وربّما شدّني إليها التحدّي والإصرار على القول. ولكنّني كثيرا ما أستحضر قول جبران لأسائل نفسي:"بعد كلّ ما كتبته الإنسانيّة من روائع في الأدب والفكر ماذا يمكنني أن أضيف؟". وفي كلّ مرّة أزعم أنّ مجال القول مفتوح فأكتب. بيد أنّ الأمر مع الرواية مختلف بعض الاختلاف. إنّنا حين نسرد الحكايات نتطهّر وننظّم الفكار التي تغلي داخل دماغنا بالإجابة عن أسئلتنا النفسيّة والاجتماعيّة والوجوديّة التي تشغلنا فنكتشف في مرايا السرد وجوهنا والوجوه التي تحيط بنا ونمنح لركام الوقائع التي عشناها معنى ومغزى. الكتابة في ما أتوهّم حاجة أكيدة عندي وليست ترفا. أبرّرها أحيانا بطريقة تحاول أن تكون عقلانيّة موضوعيّة فأدّعي أنّها التزام اخلاقيّ بعذابات الإنسانيّة وبالحريّة، مطلق الحريّة، ولكن الأرجح أنّها عندي معنى حياتي. أشعر فعلا، وهذا وهمي الخاص وأسطورتي الشخصيّة، أنّني مثلما قال جبران جئت لأقول كلمة. وتبدو لي هذه الكلمة مبهمة غامضة لذلك أكتب لأعرف مضمون هذه الكلمة ودلالاتها.
- لمن تقرأ؟ من هم الكتاب الذين أثروا فيك كروائي؟
كثيرون هم الكتّاب الذين أحببتهم. الروائيوّن العرب الكبار أوّل الأمر من طراز نجيب محفوظ وعبد الرحمان منيف والطيب صالح وإلياس خوري في رواياته الأولى والتونسيّين المسعدي والبشير خريّف وبالتوازي مع ذلك كبار كتّاب الرواية الفرنسيّة بحكم تدريس أبرزهم في المدرسة التونسيّة. ولكنّني، حين بدات أنتقي قراءاتي بصرامة، انشددت إلى الروائيّين الروس أساسا ثمّ شدّتني الرواية الأمريكيّة اللاّتينيّة في فترة من حياتي والآن أنا أميل إلى الرواية الأمريكيّة الشماليّة. بطبيعة الحال هناك روايات لكتّاب من ثقافات أخرى مختلفة ولكن في جميع الأحوال من عادتي، بعد قراءة عشر أو عشرين صفحة، أقرّر مواصلة القراءة أو إلقاء الكتاب جانبا مهما كان اسم الكاتب. فأنا أحبّ النصوص لا كتّابا معيّنين. ربّما كلّ هؤلاء أثّروا فيّ من حيث لا أدري وإذا أردت اسما بعنيه يحفّزني على الكتابة كلّما قرأته فليكن في ثقافتي العربيّة نجيب محفوظ بحكاياته الجميلة وما تخفيه من أسئلة فلسفيّة ومن الروائيّين غير العرب الأمريكيّ فيليب روث بما في كتابته من تدفّق مذهل وبساطة تخفي حسّا نقديّا مذهلا.
- أنت معروف كناقد ومتجرم وباحث جامعي، و"الطلياني" هي روايتك الأولى. كيف أفادتك تجربتك الأكاديمية في كتابة هذه الرواية؟
ربّما علّمني البحث الأكاديمي الصبر على الكتابة والتخطيط الدقيق والتحكّم في إيقاع الجملة والفكرة والنصّ عامّة. والرواية تحتاج إلى كثير من الصرامة والبناء الهندسيّ لتطوير منطق السرد داخلها بقدر حاجتها إلى التدفّق والاستعداد لمفاجآت الطريق وتكثير الاحتمالات. لا أعرف تحديدا تأثير البحث العلميّ في كتابتي السرديّة ولكن ما أنا متأكّد منه نظريّا ومن خلال تجربتي أنّ البحث الأكاديمي وإن كان يتطلّب دقّة المفاهيم وصرامة المنهج فهو يحتاج أيضا إلى كثير من الخيال ببناء الفرضيّات واستنباط الأفكار وسبر الاحتمالات وهذا ما نجده أيضا في التخيّل الأدبيّ الذي يتطلّب بدوره الدقّة والصرامة.
- أنت "من ذلك الجيل الطالبي الذي ثار على واقعه واصطدم بالقمع والاستبداد" (على حد تعبير أحد الصحافيين). هل استعدت ذكريات شخصية معينة في وصفك أحداث الرواية وأجوائها؟
الطلياني سيرة. ولكنّها سيرة جيلي الذي عاش اضطرابات الجامعة ومشاكل تونس في الثمانينات من القرن الماضي. وبطبيعة الحال كنت أستلهم، في نصّ اختار أن يكون "واقعيّا" و"اجتماعيّا" إلى حدّ كبير بحكم متطلّبات الموضوع وأجواء الحكاية، جوانب ممّا عشته شخصيّا أو رأيته أو سمعت عنه. ولكنّ الجانب الشخصيّ أو جانب السيرة الذاتيّة في هذه الرواية معدوم وإن هي إلاّ بعض الذكريات أو المواقف الموزّعة على جلّ الشخصيّات الرجاليّة منها والنسائيّة. فما تصدح به زينة مثلا من أفكار وما كانت تواجه به الإيديولوجيّات الشموليّة من اليمين واليسار وما مدحوها به أثناء مناقشة رسالتها الجامعيّة وغير ذلك من التفصيلات هو من ذكرياتي الشخصيّة مع تعديلات وتخييلات تطلّبها السياق الذي وردت فيه. وفي الراوي كذلك جوانب قليلة من شخصيّتي وذكرياتي. ولكن كلّ تلك التفاصيل والذكريات سواء أكانت شخصيّة أو مأحوذة من تجارب من عرفتهم وعاشرتهم لا معنى لها إلاّ في تناسقها وارتباطها بالسياق الروائيّ المتخيّل كلّيّة. فليس كلّ ما عشناه أو رأيناه جديرا بأن يكون مادّة للرواية ما لم يتدخّل الخيال في إعادة صياغته. هذا أمر بديهيّ لا بدّ من استحضاره دائما.
- هل بطل الرواية،الطلياني، مهزوم منذ البدء؟
بعيدا عن التفاؤل والتشاؤم أرى أنّنا جميعا، حين نتثبّت، مهزومون منذ البدء. ثمّة دائما نقص جذريّ أو بذرة مأساة يمنعاننا من أن نسير إلى حيث نريد فما بالك بمجتمعات محافظة تقليديّة تقمع أجساد الأفراد وتعمّر خيالهم بالممنوعات والتصوّرات الزائفة عن الواقع وتسلب منهم عفويّة القول وتلقّنهم لغة محنّطة بائسة. ورغم ذلك لا أرى بطل الطلياني مهزوما مطلقا فهو بحبّه للحياة وبتمرّده وبأحلامه وبثقافته وشغفه بالموسيقى والقراءة يقاوم وينحت كيانه ويتشوّق إلى الحريّة مثل جلّ الشخصيّات في الرواية. ولكنّ الصدق الأخلاقي يفرض عليّ ألاّ أكذب فأصنع منه بطلا "إيجابيّا" منتصرا في حين أنّ مجتمعاتنا العربيّة عاجزة عن صنع أبطال. لا بطل عندنا إلاّ القائد الواحد الأحد. لست أمريكيّا لأصنع على الطريقة الهوليوديّة بطلا يعبّر عن عظمة كاذبة.
- ما رد فعلك للنساء المغرمات ببطل روايتك؟
أقول لهنّ كان الله في عونكنّ! فالطلياني بالفعل رجل وسيم مثقّف جذّاب وساحر في الرواية وفي الواقع كذلك لو لم يكن مصنوعا من حبر وورق. وأصارحك أنّني مسرور بأنّني صنعت شخصيّة مثل عبد الناصر الطلياني وربّما كان أحد جوانب القوّة في الرواية. بالأمس كنت أوقّع الرواية في معرض الكتاب بتونس فوقفت فتاة جميلة في التاسعة عشرة من العمر. ترجتني أن أنتظرها لتحضر نسختها من البيت حتّى أكتب لها إهداء. ولكنّها سألتني أين أجد الطلياني؟ نظرت إليها مستغربا ثمّ فهمت أنّها كانت جادّة وألحّت في السؤال وحين فسّرت لها أنّ الطلياني محض خيال سالت دموعها على خدّيها. أخذت تحدّثني كيف زارت جميع الأمكنة التي ذكرت في الرواية بحثا عن عبد الناصر الطلياني. سألتني كم سنّه؟ اكتشفت أنّه في سنّ أبيها ورغم ذلك قالت إنّها تحبّه ولا يهمّها عمره. كانت في سنّ ابنتي شرحت لها أنّ التصرّف مع شخصيّات متخيّلة بهذه الطريقة قد يفسد عليها أن تعيش حياتها بشكل طبيعيّ. ذكّرتها بجميع مثالب الطلياني وعيوبه. ظلّت تراه رغم عيوبه رائعا. بعد ساعات أرتني ابنتي على الفايسبوك صورة لي مع هذه الفتاة مصحوبة بتعليق لها ورد فيه أنّها التقتني اليوم وأنا أبو الطلياني وحموها هي غير الشرعيّ! كان الأمر مذهلا بالنسبة إليّ. وما وقع مع بعض الفتيات والنساء وقع بالنسبة إلى زينة. فأحد أصدقائي الذين لا أعرفهم شخصيّا على صفحتي بالفايسبوك كتب معبّرا عن عشقه لزينة وطفق يلومني على المصير الذي اخترته لها مصرّحا بأنّها المرأة التي يحلم بها. وكلامه ما يزال موجودا إلى اليوم في صفحتي. إنّه لأمر مدهش حقّا، وما أدهشني هو هذه القدرة التي للخيال في تصوير الواقع وخلق شخصيّات تسكن وجدان الناس.