الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الجماعة المارقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انتشر في بداية الألفية الثالثة تعبير“,”الدولة المارقة “,” ، “,”Rouge State“,” ، الذى صكته جماعات من المنظرين العاملين بمراكز التفكير والعصف الذهني الأمريكية، الـ “,” Think Tanks“,” ، لتوصيف دول استبدادية الطابع، تسلطية القيادة، تتقوى بما تملكه من قدرات عسكرية وإمكانات تقنية، فتنتهك حقوق الإنسان، وترعى الإرهاب، وتتمرد على (القانون الدولي)، وترفض الانصياع لشروطه ومقتضياته، وتضرب عرض الحائط بقواعد إدارة النظم الدولية والصراعات العالمية، وتنظر نظرة أنانية لا تقيم اعتبارًا إلا لمصالحها الضيقة، على حساب المنظور العام لمصالح الجماعة الإنسانية كافة .

وهذه الدول، من منظور المصالح الأمريكية، لا مجال للتعامل معها باللين والتودد، لأن ذلك يجعلها أكثر تشددًا وطمعًا، وبالتالي أكثر تهديدًا وخطورة، ويدفعها هذا التراخي في التصدي لأطماعها إلى ممارسة الابتزاز المتكرر، من أجل فرض الحصول على مكاسب متزايدة مرة بعد أخرى، وطمعا في تلقى أثمان متصاعدة، كلما قدم الطرف الآخر تنازلًا، أو أقدم على تراجع، متصورا أن هذه التنازلات وتلك التراجعات ستغرى هذه النوعية من الدول على الركون للموادعة واجتناب العنف والعدوانية .

واستنتج الدارسون الأمريكيون لهذه النوعية “,”المارقة“,” من الدول، إلى أن حصارها ومنع التواصل بينها وبين العوالم الخارجية، وقطع سبل الإمداد الإستراتيجي عنها، وممارسة إستراتيجيات القوة تجاهها هو الحل الوحيد المتاح في مواجهتها، حتى تدرك ألا مستقبل لمخططاتها وتهديداتها، وإلى الحد الذى تعرف معه أن محاولاتها للابتزاز السياسي والعسكري لا مردود لها، بل وعلى العكس تقود إلى خسائر فادحة لا قبل لها على احتمالها .

وبصرف النظر عن الظروف التي صدرت فيه هذه الرؤية وملابساتها السياسية والعسكرية، والدوافع الكامنة خلف إطلاقها، إلا أن هذا التحليل يفيد كثيرا في مقاربة الوضع الراهن لجماعة “,”الإخوان“,”، ويساعد مساعدة أكيدة في البحث عن منظور لمواجهة ما تخلّق من أوضاع بعد يوم 30 يونيو، وما ترتب عليه من الإطاحة بحكم الرئيس المخلوع “,”محمد مرسى“,” ونظام “,”الأخونة“,” و“,”التمكين“,”، ويوم 26 يوليو، وما ترتب على النزول الجماهيري الهائل، الذى فوض القوات المسلحة المصرية تفويضا صريحا بمواجهة الإرهاب، وقطع دابر التهديدات الخطيرة التي مثّلها على الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد .

فبداية: تمثل جماعة “,”الإخوان“,” جماعة مارقة، استقوت بما تملكه من عناصر للقوة البشرية والمادية، وأساسا بعلاقاتها الخارجية التاريخية بالمراكز الاستعمارية: البريطانية والفرنسية والأمريكية ثم التركية، في مواجهة شعوبها وأوطانها .

ورفضت هذه الجماعة منذ بداياتها الأولى الانصياع لقوانين الدولة المصرية أو القبول بنظمها ولوائحها، وحاولت عن طريق العنف والإرهاب القفز على السلطة، في كل العهود التي مرت بها البلاد منذ تأسست الجماعة عام 1928، وتم حلها بموجب قرار من مجلس قيادة الثورة بعد اصطدامهما، يوم 18 يونيو 1953، وهو قرار لا يزال ساريا حتى الآن، ثم اصطدمت الجماعة مجددا بالنظام الناصري منتصف الخمسينيات، وهو ما أدى إلى اعتقال أعداد كبيرة من أعضائها، وهروب عدد من قادتها إلى الغرب ودول النفط الرجعية، حيث مارست هذه العناصر دورا تخريبيا مستمرا تجاه الدولة، استمر لعقود طويلة .

وكما هو معروف فإن علاقات “,”التنظيم العالمي“,” لجماعة “,”الإخوان“,”، والذى يتواجد في أكثر من 75 دولة، بكل أجهزة الأمن والمخابرات في هذه الدول، هى علاقات وثيقة، وقد تقوّت هذه العلاقات وتطورت، في ظل تصاعد وتيرة الصراع بين هذه المراكز الاستعمارية ونظام الحكم الوطني فى عهد الرئيس عبدالناصر، حيث احتضنت الدول الاستعمارية جماعة “,”الإخوان“,”، ودعمتها في مواجهة مصر التحررية، ولمحاولة إجهاض المد القومي والثوري فى العالم العربي و“,”العالم الثالث“,”.

وقد احتلت الجماعات (الإسلامية)، وفى مقدمتها جماعة “,”الإخوان“,” محل الصدارة في قلب التصور الإستراتيجي الأمريكي لإعادة رسم خرائط “,”الشرق الأوسط الكبير“,”، كما نظّرت ودعت له “,”كونداليسا رايس“,”، وزيرة الخارجية، الأمريكية في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، “,”جورج بوش الابن“,”، بعد غزو العراق عام 2003، وعنوان هذا التصور “,”الشرق الأوسط الكبير“,”، أو “,”الواسع“,”، الذى تذوب فيه هوية الشعوب العربية وسط هويات وقوميات ودول أخرى، بعضها معادٍ ومصطنع كالدولة الصهيونية، وتغرق في وحول الصراع الدينى والعنصري، والاقتتال الأهلي والطائفي، والانقسام العرقي والمذهبي، وبما يُمَكّن أمريكا والغرب من إحكام السيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها ومستقبلها .

وقد كان ما انتظرت الولايات المتحدة توافر الشروط والظروف الداخلية المواتية لتنفيذه، حيث استغلت الأوضاع بعد ثورات دول الربيع العربي، وخاصة مصر وتونس، بعد عقود من إنهاك القوى المدنية والشابة، فتآمرت مع الجماعة والقوى الفاعلة داخليا، لتسليمها السلطة في البلاد، وانقضت الجماعة وأشياعها من جماعات الإرهاب المتستر خلف الدين، على السلطة، وراحت تمارس كل أساليب الإقصاء والاستحواذ وتقسيم المجتمع والدولة، فيما عُرف بسياسات “,”الأخونة“,” و“,”التمكين“,”.

وقد عادت جماعة الشر وأشياعها، بعد الموجة الثورية الجديدة التي اقتلعتها وأطاحت بحكم الإرهاب الديني، إلى ممارسة سياسة الابتزاز، مستقوية بالسيد الأمريكي والغربي، في محاولة بائسة ويائسة لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، ومن أجل الضغط لإعادة مرسي إلى كرسي الحكم، أو في أسوأ الحالات للخروج الآمن لمجرمي الجماعة من قادتها وأعضاء مكتب الإرشاد، وعلى رأسهم “,”المرشد“,” و“,”البلتاجى“,” و“,”العريان“,” و“,”الشاطر“,” وغيرهم، بعد أن استنزفت الجماعة المجتمع والثورة في مفاوضات لا تنتهى، ومبادرات لا تتوقف، شارك فيها “,”كل من هبَّ ودبَّ“,”، وبعضها كان مهينًا، ومسيئًا للسيادة والكرامة الوطنية، دون جدوى أو فائدة .

وكـ“,”جماعة مارقة “,” ، “,”Rouge organization“,” ، ينطبق عليها ما استنتجه العلماء الأمريكيون بالنسبة لـ “,”الدول المارقة“,”: إن الخضوع لابتزاز وعناد هذه الجماعات، يزيدها تشبسا بجرائمها، ويمنحها قبلة الحياة لإعادة تهديد الدولة والسلم الاجتماعي واستقرار النظام، ويجعلها أكثر تشجّعا على تخريب النظام العام، وتعطيل مصالح المواطنين، والاستقواء بالخارج ضد إرادة الشعب والوطن .

وهذا معناه أن الأمر الوحيد الذى يُخَلِّصُ المجتمع من سرطان هذه “,”الجماعة المارقة“,” هو الحسم في إطار القانون، والحزم فيما لا يتجاوز قواعد التعامل مع جماعات الإرهاب الشبيهة في العالم أجمع، المعترف بها في كل النظم (الديمقراطية)، وفى مقدمتها الولايات المتحدة ذاتها، وفى تركيا التي تحكمها واحدة من جماعات الأهل والعشيرة .

يقول “,”فرونزه“,” القائد الإستراتيجى السوفيتى البارز: “,”ينتصر في الحرب كل من تتجلي في نفسه حسمية الهجوم، أما الجانب الذى يدافع، فلابد أن يتسربل بعار الهزيمة“,”.

فهل تحسم السلطة أمرها قبل فوات الأوان ؟ !.