الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ميثاق تيار المواجهة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يختلف أحد معنا أن مشروع الإسلام السياسي سقط من حالق، فبعد أن فشلت تجربته في مصر أصبح لا تأثير له على أي مستوى، ولكن سقوط المشروع لا يعني أنه انتهى من الحياة، فطالما أنه لا توجد مشاريع حقيقية بديلة سيظل هذا المشروع الفاشل يملأ الفراغ، لذلك اجتمعت مجموعة تملك الخبرة والإمكانية والقدرة منذ أشهر قليلة، واستمرت في حالة عصف ذهني فريد، ونقاش علمي متعمق، ثم قررت بعد أن دراسات وأبحاث تبدأ في إنشاء مشروع فكري يواجه مشروع الإسلام السياسي، ينطلق من مدرسة الإمام محمد عبده ويستمد إلهاماته من أفكار "ابن رشد" ويحمل استنارة تنتصر لمدرسة العقل، ويواجه بعقلانيته مدرسة النقل الذي طمست على عقول الأمة عبر قرون وعقود وحقب، وكان أن وضعت تلك المدرسة الناشئة ميثاقا للمواجهة جاء كالآتي: "منذ زمن ونحن لا نعيش مع فهمنا نحن للدين، ولكن مع فهم القدماء للدين، لذلك كانت المفارقة التي جعلتنا نعيش في القرن الواحد والعشرين، بعقلية من يعيش في القرون السابع والثامن والتاسع! وكأن الإسلام دين محلي مرتبط بحقبة زمنية محددة ومجتمع بعينه، وهذه أكبر إساءة لعالمية الإسلام وعدم محدوديته، لذلك ومن منطلق أن الله أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (ليكون للعالمين نذيرًا) وكذا ليكون (رحمة للعالمين) لذلك فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تتفاعل عقول الناس "النسبية" على مر العصور وعلى اختلاف الأمكنة والأزمنة مع نصوص الدين المطلقة، وسيترتب على ذلك ـ بلا ريب ـ اختلاف الأفهام من جيل إلى جيل ومن بيئة إلى بيئة، فإذا ربطنا أنفسنا بفهم جيل بعينه نكون قد نزعنا من الإسلام خاصيته العالمية والشمولية، وقد أنتج لنا تجميد الدين عند زمن القدماء جماعات عاشت بعقول أزمنة قديمة فكان أن تعسفت في فهم النصوص واعتبرت أن ما هي عليه هو الحق المطلق! فرفعت سيوفها في وجوه مجتمعاتها وأطلقت دعاوى التكفير ضد الجميع، وأنشبت مخالبها في وجوه من يخالفها في الفهم، فكان القتل وسفك الدماء وتخريب البلاد والسعي للحكم باسم الدين على جثث العباد! ولأن شعارات الدين تخلب العقول وتسلب المشاعر لذلك وقع تحت أسر تلك الجماعات عدد لا يستهان به من شبابنا، وتعاطفت معهم شرائح من الناس، يظنون أن ما عليه تلك الجماعات هو الدين المطلق وأن ما سواه هو الباطل المطلق، وأن صراعهم هو صراع الحق ضد الباطل، وجهادهم هو الجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى!! وكان هذا كله داعيًا لنا أن نسعى إلى تصحيح المفاهيم ومواجهة هذا الشذوذ الذي أساء للإسلام أيما إساءة.
ولذلك فإننا ونحن في طريقنا لتصحيح المفاهيم الشاذة يجب أن ندرك أن هناك فارقًا بين الإسلام وبين تراث المسلمين، الإسلام مقدس بقرآنه وسنته الصحيحة لا شك في ذلك، ولكن التراث هو ذلك الذي وصلت إليه عقول بعض المسلمين الأوائل في فهمها للقرآن والسنة النبوية سواء كانت عملية أو قولية، فإذا فهم القدماء تلك النصوص قطعية الثبوت وفق ثقافاتهم وخبراتهم وزمنهم وواقعهم الذي يعيشون فيه، فليس معنى هذا أن باقي المسلمين على مدار العصور مجبرون على أن ينتظموا في نفس هذا الفهم، وإلا لكان معنى هذا أن الله لم يخلق إلا عقلا واحدا ثم استنسخ منه نسخًا بقدر عدد البشر إلى أن تقوم الساعة! ولذلك فإن التراث قد يلقى تقديرًا من المسلمين ومن غير المسلمين بحسب أنه جهد بشري إبداعي، ولكنه لا ينبغي أبدا أن يلقى تقديسا أو تنزيها، هو مجرد صورة من صور ثقافات الأزمنة التي أنتجت هذا التراث، به نستطيع أن نعرف طريقة تفكير المسلمين القدامى وطرق استدلالاتهم، ومدى تأثير ثقافات الحضارات الأخرى فيهم، وكيف نظروا بثقافاتهم هذه للقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.
هذا تراث ينبغي أن نستخدمه كمفتاح من مفاتيح فهم ما حدث من قبل لا أن يكون منهجًا نسير عليه في حاضرنا ومستقبلنا، ومن ناحية أخرى فإننا لا يمكن أن نُضيف طريقة تفكير المسلمين الأوائل إلى العلم، ولكن نضيفه إلى تاريخ العلم، فلا شك أن ما أبدعوه وقتها كان علمًا، ولكنه الآن بمقاييسنا وبما وصلنا إليه من حداثة وعلوم لا يمكن أن نعتبره علما، فمن قاموا بتفسير القرآن فسروه وفق علوم عصرهم أو الشائع بينهم أو الذي وصل لهم من أصحاب الديانات السابقة.
هذا هو ما فكرت فيه نخبة من أبناء مصر، فقدَّرت أن المؤسسات الرسمية مثخنة بما فيها وإنها تخوض معركة أخرى من أجل الإصلاح نعرف قيمتها وجهدها فيها، لذلك كان تيار المواجهة.