الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نحو استراتيجية لتأمين الجامعات المصرية (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تابعتُ- كأستاذٍ جامعي – بمزيدٍ من الأسى ما حدث من حربِ الإخوانِ على الجامعاتِ في موقعةِ الأحد الماضي، وهى الموقعةُ التي أشعرُ بالخزي والعار لانتصارِ الإخوانِ فيها على الدولةِ المصرية بكلِ أجهزتها، رغم أن الثابتَ أن طلابَ الإخوانِ مجردَ أقليةٍ وسطَ طوفانٍ من الطلابِ الذين يرغبون في انتظامِ الدراسة، ويمقتون محاولاتِ طلابِ الإخوانِ لتعطيلها وتدميرِ مستقبلهم. ولعل اختراق الإخوانِ للمنظومة الأمنية للجامعات تَكمُنُ أسبابُه في نقاطٍ مهمةٍ عديدة تُبرِزُ التناقضَ في أسلوبِ الدولة في التعاملٍ مع الإخوانٍ وأسلوبِ الإخوانِ في
التعاملِ مع الدولة.
فالدولةُ لازالَ يحدُوهَا الأملُ في أن يَثُوبَ الإخوانُ إلى رشدِهم وينخرطوا فيها كمواطنين شرفاء لهم مالها وعليهم ماعليها، في حين أن الإخوانَ ينظرون للدولةِ المصرية وجيشِها وشُرْطَتِها بمنظورِ العدوِ الذي يخوضون ضدَه حرباً مقدسة لا هوادةَ فيها. من هنا، نجد أن قبضةَ الدولةِ متراخية مع الإخوان باعتبارهم فصيلاً من الشعب المصري، في حين أن الإخوانَ لو أُتيحت لهم الفرصة لنسفوا هذه الدولة وحولوها إلى أشلاء. إن اختلافَ الرؤى بين الدولة والإخوان في نظرِ كلٍ منهما للآخر هو ما أوصلنا إلى ما نحنُ فيه.
إن الإخوانَ بعد انكسارِهم في الشارعِ المصري لعدم تعاطفِ الشعبِ معهم بعد أن عَلِمَ أنهم ضدَه ، وبعد أن راهنَ عليهم وخذلوه، أخذوا يَعُدُون العدةَ منذ شهورِ لافتتاحِ العامِ الجامعي الجديد ليضربوا الدولةَ في مقتل، واختاروا الأحدَ الماضي الذي تواكب مع انعقادِ مؤتمرٍ دولي لدعمِ غزةَ في القاهرة وحضورِ عديدٍ من ممثلي دولِ العالم، وكأن الإخوانَ يرسلون رسالةً للعالم بأنهم لا زالوا موجودين، ويقولون لجون كيري وزير الخارجية الأمريكي إننا لازلنا لاعبين رئيسيين على الساحةِ المصرية. ومن الواضح أن الإخوانَ فقدوا الأملَ – أو كادوا - في الشعبِ المصري ويراهنون على الخارج في دعمِ مظلوميتِهم الجديدة. ورغم ذلك، فإن ما أكسبَ مظاهراتِ الإخوان الأحدَ الماضي في الجامعات زخماً هو انضمام طلاب حركة 6 أبريل لها بل ودعوة الحركة على شبكات التواصل الاجتماعي للحشد لهذه المظاهرات الإخوانية التي تلتئم لأول مرة مع حركة منظمة أخرى استجابت بالأمس فقط للانضواء تحت ائتلاف أيمن نور الذي يسعى إلى توحيد كل أعداء الدولة المصرية بحجة استعادة الثورة المفقودة..!.
إن المنظومةَ الأمنية التي تبنتها وزارةُ التعليمِ العالي لتأمينِ الجامعات كانت غايةً في السذاجة، بالضبط كما كانت بعضُ التصريحاتِ الجوفاء غايةً في العنترية التي لا تصلح في التعاملِ مع فصيلٍ مدرب وارد معسكرات كرداسة وصحاري المنيا. إن الأمنَ الإداري الذي لم يتم تدريبه على التعاملِ مع عنفِ وشغبِ طلابٍ مدربين على الاشتباك، وتلك الشركةَ التي تم التعاقدُ معها لتأمينِ البوابات قبلَ بدءِ الدراسة بأيامٍ معدودات لا يصلحان وحدهما لمواجهةِ طلابِ الإخوان، وأيُ قارئٍ متعمقٍ لفكرِ جماعاتِ الإسلامِ السياسي يعلمُ ذلك تماماً، إلا أنه
رغم ذلك تُركت هذه الصدورٌ العارية التي تفتقد التدريبَ والقدرةَ على المواجهة والاشتباك ليكونوا لقمةً سائغةً لطلابِ الإخوانِ الذين تدربوا لشهورٍ على القتال والاشتباك والمواجهة، ولولا تدخلُ الشرطةِ المصرية المهنية والمحترفة في التعاملِ مع هكذا اشتباكات لحدَثَ ما لا تُحْمَدُ عُقْبَاه.
وعلاوةً على المنظومةِ الأمنية المهترئة التي تبنتها وزارةُ التعليمِ العالي لتأمينِ الجامعات، فهناك أيضاً طلابُ الإخوان وأعضاءُ هيئةِ التدريس الإخوان والمتعاطفون معهم، ومن بينهم من يتولون مناصب قيادية، الذين يمثلون خلايا نشطة داخلَ كلياتِهم في الدعوةِ والحشدِ لمثلِ هذه النوعية من التظاهراتِ ليزيدوها زخماً وتأثيراً، وهؤلاء تُركوا يمارسون عملَهم ضد الدولةِ المصرية التي لا تعنيهم في شيئ وانتماؤهم وولاؤهم الوحيد للجماعة. ولعلَ نظرةٌ واحدة متعمقة لاقتحامِ الإخوانِ لجامعةِ القاهرة يُنبؤنا من أين اقتُحمت الجامعة ويفسرُ
لنا ذلك؛ فالجامعةُ اقتُحمت من البابِ الذي يجاورُ كليةَ دارِ العُلومِ مِعقلِ الأصولية في جامعةِ القاهرة وكليةِ الإعلامِ التي تعرضت لأعتى موجاتِ الأخونة طوالَ السنواتِ الثلاثِ الماضية، يكفي أنها كانت منصةً إعلامية دائمة لوزيرِ الإعلامِ الإخواني صلاح عبد المقصود، ويكفي أنها أصدرت تحتَ رعايةِ إحدى قيادات الكلية نشرةً ثقافيةً طلابيةٌ يحررُها أحدُ (الإخوة) الأساتذة وبها قصيدةٌ شعريةٌ تنعي (شهداءَ) رابعة، وتمثلُ أحد الأناشيد الإخوانية بامتياز، ويكفي أن أحد قيادات الكلية صلى صلاةَ الجِنَازة على شهيدةِ الصحافةِ المصرية ميادة
أشرف وراءَ أستاذٍ إخواني.. رغم أن الإخوانَ أياديهم ملوثةٌ بدماءِ إبنةِ كليةِ الإعلام التي راحت ضحيةَ (سِلْمِيَةِ) الإخوانِ (المُبْدِعَة) بعين شمس..!، ويكفي أنه جلس على مائدةٍ واحدةٍ بمدينة الإنتاج الإعلامي مع وزيرِ الإعلام الإخواني وحازم صلاح أبو اسماعيل (الذي طالما حاصرَ مدينةَ الإنتاجِ بالرعاعِ والسوقةِ والدهماء) وصلاح سلطان (إبنِ كليةِ دارِ العُلوم) ليبحثَ مستقبلَ الإعلامِ في عصرِ الإخوان، وكافأه الإخوانُ برئاسةِ الجلسةِ الثانية من ذلك المؤتمرِ المشؤوم..!، ومنحوه عضويةَ المجلسِ الأعلى للصحافة ووكالةَ المجلسِ رغمَ أنه في
الأساس متخصصٌ في الإذاعةِ والتليفزيون ولا علاقةَ له بالصحافةِ تخصصاً وممارسةً، كما كان يُعِدُ نفسَه لتولي رئاسةِ المجلسِ الوطني للإعلام ، ولازال يسعى لذلك في عصرِ ما بعدَ الإخوان ، تشهدُ على ذلك مقالاتُه في التنظيرِ لآلياتِ عملِ المجلس، وتَصَنُعُهُ المُبَاَلغُ فيه أنه كان ضدَ الإخوان ..!.
وبالنظرِ أيضاً للمنظومةِ الإعلاميةِ التي قامت بتغطيةِ مظاهراتِ الأحدِ الأسود، نجد أن عدداً لا بأسَ به من الصحف تبنى روايةَ وكالةِ الأناضول التركية الموالية للإخوان، وتم تصويرُ الأمرِ على أنه سقوطُ شركةِ الأمنِ الخاصة باحتفاءٍ غريب، وكأن هذه الشركة تنتمي إلى دولةِ إسرائيل، وكأن سقوطَها يمثل سقوطاً للجدارِ العازلِ الذي شيدته إسرائيل لحصارِ قطاعِ غزة، وهنا أَشْتَمُ مالاً سياسياً تم ضخُه في الإعلامِ المصري ويجب تتبعُه والكشفُ عَمَن يتلقوْنَه. كما ظهرت دعاوى غريبةُ وشاذة من بعضِ كتَابِ المقالات كُلُها تُؤَسِسُ لانتصارِ
الإخوانِ على الدولةِ المصرية؛ فمنها من يدعو إلى إلغاءِ العامِ الجامعي الحالي، ومنها من يدعو إلى إلغاءِ كلياتٍ بعينِها من جامعةِ الأزهر، ومنها من يدعو إلى الحوارِ مع طلابِ الإخوانِ الذين هم مبرمجون على السمعِ والطاعةِ لقادتِهم، ومنها من يدعو إلى تركِ طلابِ الإخوانِ المتظاهرين والمتحمسين ليعبروا عن رأيهم بحريةٍ حتى لو كَسَروا وأتلفوا بحجةِ أن بعضَ رجال الدولة ياما أتلفوا، وفي النهاية التظاهرات هتنتهي لوحدها. وللأسف كلُ هذه الآراءِ غيرُ البناءة لن تُجدي نفعاً مع الإخوان.
إذن فما الذي يُجدي في التعاملِ مع تظاهراتِ طلابِ الإخوانِ في الجامعات؟ ، هذا هو موضوع المقال القادم.