رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الدينى ( 36 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ويمضى أحمد أمين مبررًا لنفسه ولغيره ما أعتبره البعض شطحات ، واعتبره رشيد رضا وآخرون من أتباعه كفراً بواحاً فيقول وكأنه لا حيلة له "الفيلسوف عبد للدليل وغير خاضع لسلطان غير سلطان العقل ، معدلاً لآرائه كلما تبين له الخطأ وقدمت له الحجة وهو ميال للشك بعيداً عن الآراء الجاهزة ، ولست أعرف أى ضرب من ضروب الفلسفة يستنكره الدين ولا يرضاه" ، ثم يصك شعاراً موحياً ولست أعرف لماذا تناساه الناس فيقول "بالدين يحيا القلب وبالفلسفة يحيا العقل" [أحمد أمين – مبادئ الفلسفة – صـ133] فالتجديد عند أحمد أمين ضرورة حياة "فالارتداد السلفى كالتاجر الذى أفلس فأصبح يفتش فى دفاتره القديمة ، فالعصر الذهبى عصر النبوة كان ذهبياً من حيث أنه منبع الدين واتباع تعاليمه ، لكنه ليس عصراً ذهبياً بالنسبة للعلوم والمعارف الأخرى" [فيض الخاطر – الجزء الثامن – صـ215] .
والإصلاح الدينى عند أحمد أمين يأتى عبر أبواب الاجتهاد الذى هو "باب من أبواب الرحمة ، وهو إجتهاد مطلق ، غير مقيد بمذهب من المذاهب ويبقى على حرية الفكر فى معالجة قضايا الواقع والحياة وهو يشتمل على أعمال الرأى فى كل شئ ولو أدى الأمر إلى تقييد النص ووقف العمل به إذا اقتضت الضرورة" . وهناك فوق ذلك كله موسوعته الهائلة "فجر ، وضحى ، وظهر الإسلام" والذى علق عليها طه حسين قائلاً : "أصبح الذين يقصدون الى تاريخ الأدب قادرين منذ اليوم على أن يحققوا ويستيقنوا فى بحثهم على بصيرة وهدى .. لقد استكشف أحمد أمين فى هذا الكتاب الحياة العقلية الإسلامية استكشافاً لم يسبق له مثيل ثم عرضه عرضاً هو أبعد شئ على جفاء العلم وجفوته وأدنى الى جمال الفن وعذوبته" [ضحى الإسلام – صـ18] .. ولا بد بهذه المناسبة أن نشير إلى حقيقة هامة وهى أن الثلاثى أحمد أمين – طه حسين – عبد الحميد العبادى كان يعقد وباستمرار جلسات لمتابعة إعداد هذه الموسوعة وتصويبها وتحديد إطارها . ويقول أحمد أمين فى "ضحى الإسلام" اختلف الفقهاء وتساهل البعض وتشدد البعض فابو حنيفة أباح شرب النبيذ لأن الفرس لم يكونوا يطيقون الامتناع عن شربه وفسر الأمر تفسيراً لغوياً فالخمر هو نبيذ العنب إما نبيذ التمر والزبيب إذا طبخ أيسر طبخ وشرب منه قدر لا يسكر فليس حراماً" . ومع إختلاف الفقهاء وقعت الرخصة فأباح أهل الحرمين الغناء وحرموا النبيذ ، وأباح أهل العراق النبيذ وحرموا الغناء فشرب الناس الخمر على مذهب أهل العراق وأباحوا الغناء على مذهب أهل الحرمين .. لكن الخلافات السياسية اصطبغت بصبغه دينية وأصبح الخلاف ليس بين صحيح وخاطئ وإنما بين كفر وإيمان" [المرجع السابق – صـ4] . لكن الحملة ضد أحمد أمين وضد كل التنويريين تتصاعد والاتهامات بالكفر والإلحاد تدوى ويقود رشيد رضا جوقة من العناصر الرجعية والظلامية تفزع أصحاب الرأى الحر وتدفع إلى البحث عن حل وسط يسمح لهم بالمروق بأفكارهم رغم ركام الاتهامات وتكون مجلة الرسالة التى أصدرها محمد حسن الزيات ربما لهذا السبب ، فقد أكد انه أصدرها لتكون "جامعة بين روح الشرق وحضارة الغرب" وفى العدد الأول من "الرسالة" كتب أحمد أمين مبشراً بمسيرة جديدة لعديد المثقفين الارستقراطيين أو أشباه الارستقراطيين أو حتى الذين أصبحوا كتاباً مشهورين مثل عباس العقاد فيقول "فى مصر حلقة مفقودة لا تكاد تشعر بوجودها فى البيئات العلمية مع أنها ركن من أقوى الأركان التى ينبغى أن نبنى عليه نهضتنا ، تلك الحلقة هى طائفة من العلماء جمعوا بين الثقافة الدينية الإسلامية العميقة وبين الثقافة الأوربية العلمية . هؤلاء يعوزنا الكثير منهم ولا يتسنى لنا أن ننهض إلا بهم . إن أكثر ما عندنا قوم تثقفوا ثقافة عربية إسلامية بحته وهم جاهلون كل الجهل بما يجرى فى العصر الحديث من آراء ونظريات فى العلم والأدب والفلسفة ، وطائفة أخرى تثقفت ثقافة أجنبية بحته يعرفون آخر ما وصلت إليه نظريات العلم فى الطبيعة والكيمياء والرياضيات ولكنهم يجهلون الثقافة العربية كل الجهل ، الفئة الأولى يمثلها خريجو الأزهر ودار العلوم ومدارس القضاء الشرعى ويمثل الفئة الثانية نوابغ المدارس العصرية والثقافات الأوربية [الرسالة – يناير 1933] ولعل هذه الصيحة كانت مخرجاً وأساساً لعديد من المجددين الليبراليين من أمثال محمد حسين هيكل وطه حسين وإسماعيل مظهر وعباس العقاد ومحمد عبد القادر حمزة وغيرهم .. فتنشأ فى مصر موجه تجديدية ذات مذاق خاص ، أنها ليبرالية خلاسية .. ثقافة دينية مغموسة بالفكر الغربى وهكذا بدأنا نقرأ عبقريات العقاد وكتابات طه حسين على ونبوه وأمثالها وكتابات د. محمد حسين هيكل، وغيره .