الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الواعظ من القصر الرسولي يفسر تأملات الصوم

ارشيف
ارشيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ألقى  الكاردينال رانييرو كانتالاميسا واعظ القصر الرَّسوليّ، صباح الجمعة، تأمّله الأوّل لزمن الصوم في قاعة بولس السادس بالفاتيكان، تحت عنوان "أنا خبز الحياة".

استهل الكاردينال كانتالاميسا تأمّله بالقول في بداية تأملات الصوم هذه، ننطلق مجدّدًا من الحوار الذي دار بين يسوع والرسل في قيصرية فيليبس: "ولَمَّا وصَلَ يسوعُ إِلى نواحي قَيصَرِيَّةِ فيلِبُّس سأَلَ تَلاميذَه: "مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النَّاس؟"، فقالوا: "بَعْضُهم يقول: هو يوحَنَّا المَعمَدان، وبَعضُهمُ الآخَرُ يقول: هو إِيليَّا، وغيرُهم يقول: هو إِرْمِيا أَو أَحَدُ الأَنبِياء". فقالَ لَهم: "ومَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟". فأَجابَ سِمعانُ بُطرس: "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ". 

من هذا الحوار كله، يهمّنا، في هذه اللحظة، فقط وحصريًا سؤال يسوع الثاني: "ومَن أَنا في قَولِكم أَنتُم؟"، كسؤال موجّه هنا والآن إلى الذين يصغون إليه بشكل فردي، وشخصيّ. ولكي نقوم بهذا الفحص، سوف نطلب مساعدة الإنجيلي يوحنا. نجد في إنجيله سلسلة كاملة من تصريحات يسوع التي يكشف من خلالها عن رأيه في نفسه، وما يقوله عن نفسه: "أنا خبز الحياة"، "أنا هو نور العالم"... وغيرها. سنراجع معًا خمسة من هذه التصريحات وسنسأل أنفسنا في كل مرة عما إذا كان يمثل لنا حقًا ما يقول إنه هو وكيف يمكننا أن نجعله كذلك أكثر فأكثر.

تابع الكاردينال كانتالاميسا يقول لنبدأ بأول تصريح ليسوع، والذي نجده في الإنجيل الرابع، في الفصل السادس: "أنا خبز الحياة"، وسنتوقف أولًا عند سياق هذا التصريح. كان يسوع قد كثَّر أرغفة الشعير الخمسة والسمكتين لكي يُطعم خمسة آلاف رجل. ثم توارى عن الأنظار لكي يهرب من حماسة الشعب الذي كان يريد أن يجعله ملكًا. لكن الجموع بحثت عنه ووجدته عند الجانب الآخر من البحيرة. عند هذه النقطة يبدأ الخطاب الطويل الذي يحاول به يسوع أن يشرح "علامة الخبز". هو يريد أن يوضح أن هناك خبزًا آخر يجب أن نبحث عنه، والخبز المادي، في الواقع، هو مجرّد "علامة" له. إنه الأسلوب نفسه الذي اتّبعه مع المرأة السامرية في الفصل الرابع من الإنجيل. هناك أراد يسوع أن يقود المرأة إلى اكتشاف ماء آخر، أبعد من الماء المادي الذي يروي العطش لفترة قصيرة فقط؛ وهنا يريد أن يقود الجمع لكي يبحث عن خبز آخر، مختلف عن الخبز المادي الذي يشبع ليوم واحد فقط. وللمرأة السامرية التي طلبت أن تحصل على ذلك الماء السرّي وتنتظر مجيء المسيح لتحصل عليه، يجيب يسوع: "أَنا هو، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ". ويجيب الجمع الذي يسأل الآن نفس السؤال عن الخبز: "أنا خبز الحياة!"

أضاف واعظ القصر الرَّسوليّ يقول لنسأل أنفسنا: كيف وأين نأكل خبز الحياة هذا؟ وكان جواب آباء الكنيسة: في "مكانين" أو بطريقتين: في السر وفي الكلمة، أي في الإفخارستيا وفي الكتاب المقدس. لا شك أن خبز الحياة يأتي إلينا من خلال كلمة الله، ولاسيما في كلمات يسوع في الإنجيل. ويذكرنا بذلك أيضًا رده على المجرب: "ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيْا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله". ولكن كيف لا نرى في خطاب يسوع في كفرناحوم أيضًا إشارة إلى الإفخارستيا؟ ويذكّر السياق بوليمة: إذ يتمُّ التحدّث عن الطعام والشراب، الأكل والشرب، الجسد والدم. والكلمات: "من لا يأكل جسدي ولا يشرب دمي..." تذكرنا بكلمات التأسيس ("خذوا كلوا هذا هو جسدي" و"خذوا اشربوا: هذا هو دمي"). وبالتالي إذا كنا نشهد في التفسير واللاهوت استقطابًا وأحيانًا تباينًا بين خبز الكلمة والخبز الإفخارستي، فإن خلاصتهما في الليتورجيا تُعاش دائمًا بسلام. منذ القدم، على سبيل المثال في القديس يوستينوس الشهيد، كان القداس يتضمّن وقفتين: ليتورجية الكلمة مع قراءات مأخوذة من العهد القديم و"مذكرات الرسل"، والليتورجية الإفخارستيّة مع التكريس والمناولة. أما اليوم فيمكننا أن نعود، كما كنت أقول، إلى الخلاصة الأصليّة بين الكلمة والسر. وفي هذا السياق علينا أن نقوم بخطوة إلى الأمام. وهذا الأمر لا يقوم على أن نحصر أكل جسد المسيح وشرب دمه في الكلمة وسر الإفخارستيا فقط، وإنما في تحقيقه في كل لحظة وجانب من حياة النعمة التي نعيشها.