الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"بدون كافيين" وأنا بحب نفسي جدًا..

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 على غير عادتها، تبتسم ابتسامة صامتة. لا تحرك الدوائر المغناطيسية حولها. حقل الكهرباء في وجودها معطل. رغم أنها تتكلم. لكنه كلام يشبه تحرك الأجسام بفعل القصور الذاتي. حركة تثبت أنك مازلت حيًا وتدافع عن بقائك بالبعد عن الاصطدام بشيء بقوة قد يهشمك. لكنك في الواقع لا تختار حركتك. أنت فقط تحافظ على الحياة في مستوى القصور الذاتي. مستوى لا تريد فيه أي شيء لكنك تتحرك مع ذلك. حاولت أن أجد سببًا لهذه الحالة الغريبة التي كانت فيها. لكنني لم أجد أبدًا. 

في أعرافي الشخصية لا يتخلى الإنسان عن حياته حتى يتخلى عن كل رغباته. حتى أنني خفت من عادة تتفق مع هذا المعنى، لاحقتني بعد وفاة ثلاثة ممن أحب. بدأت رغمًا عني ألاحظ أن من ماتوا وصلوا في نهاية حياتهم لحالة تشبه اللارغبة في كل شيء. حالة فقدان رغبة يمكن ملاحظتها وتحليلها ببساطة شديدة. تظهر حتى في عدم رغبتهم في الطعام رغم أنهم يجوعون ويأكلون دون أن يمنعهم مرض من ذلك. خفت من تلك العادة، وارغمت نفسي على عدم التفكير في ذلك حين بدأت أراها في بعض الأحياء حولي. أصابني الهلع من فقدانهم قبل أن يصل بي الحال لاختبار نهاية تحليلاتي. 

لم أستطع أن أحتمل الانتظار هذه المرة. سمية فتاة تشبه اسمها "سماء صغيرة" صافية ورحبة حتى في مطرها خير وصواعقها ضياء يقتل الظلام. شقية كرقصة نجوم الصيف في واحة، وهادئة كنهار ذات السماء وسط الصحراء. سألتها مباشرة. طلبت مني الإجابة على سؤال صدمني: "نعيش لوحدنا أو نموت في صحبة؟" قلت دون تردد وبقناعة شديدة: "نعيش لوحدنا.. هو حد طايل ثانية حياة؟!". لمحت بريق الحياة فجأة في عينيها البنيتين كفنجاني قهوة شتاء تحاولان التزام الجمر. قالت أعطني دقيقة. خرجت للشرفة. كان عليها أن تجري اتصالها الهاتفي في البرد لأن تغطية الشبكة لم تكن تجد دفئها إلا في برد الشرفة. لاحظت أنها منفعلة، كما بدى لي وأنا أراقبها خلف الزجاج. تحرك ذراعيها في عصبية. تقطب جبينها للحظات ثم تضحك ملء ما بين أذنيها. تجلس ثم تهب اقفة فجأة. تفرقع أصابعها استنادًا على الحائط. الهواء يعبث بثوبها الأخضر الجميل. لون ثيابها كان الشيء الوحيد الحي حولها. 

عادت سمية تضج بالحياة. نظرت إليها. أحببت كيف ابتسمت. أحببت أكثر كيف عانقتني دون سبب لمدة طويلة. شعرت أن بقلبها ثورة وليدة أو فجر كوكب يبلغ طول يومه شهران. استطاع فجأة أن يسرع وتيرة دوران كوكبه حتى صار يومه ساعتان. كانت دقات قلبها تتسارع أن يأتي الفجر. اتطمئننتُ حين رايت الرغبة في الحياة تملؤها. قلت لها: "أحب أشوفك كده على طول.. أتطمن يا سمية؟" قالت وهي تشرب كأسًا ممتلئًا حتى آخره بالعصير: "وأنا بحب نفسي جدَا.." هكذا تكون الحياة.. لا تتوقفوا عن حب أنفسكم. أتظنون أن الحياة شيء آخر غير أنفسكم؟!.

*أستاذة بقسم الصحافة كلية الآداب جامعة القليوبية