الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

مصطفى الزائدى يكتب: مشاريع التوطين فى ليبيا.. الغرب استخدم الأراضى الليبية على مر التاريخ كقاعدة لتأمين جنوب أوروبا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تشكل ليبيا مساحة شاسعة على الشاطى الجنوبى للبحر الأبيض المتوسط، بساحل طوله ٢٠٠٠ كم وبعمق يصل إلى ٢٠٠٠ كم فى وسط الصحراء الكبرى لتتماس مع أكبر ثلاث دول جنوب الصحراء مساحة، وتربط وسط بغرب وشرق أفريقيا، تشاد والنيجر والسودان، الجزء الأكبر من أراضيها صحراء قاحلة زراعيا لكنها مليئة بثروات طبيعية، نفط غاز ومعادن ثمينة، يسكنها عدد قليل من السكان، وكانت إلى بداية سبعينيات القرن الماضى واحدة من أفقر دول العالم.
الغرب بقيادة الولايات المتحدة لا يهتم بليبيا بسبب نفطها كما يتصور البعض، فما تنتجه وتصدره كمية قليلة لا تؤثر كثيرا فى سوق النفط الدولى، ولذلك لم تتردد الولايات المتحدة وتابعتها بريطانيا فى ثمانينيات القرن الماضى فى استهداف قطاع النفط الليبى بفرض عقوبات صارمة على إنتاجه وتصديره ومنعت الشركات الأوروبية الغربية من التعامل مع قطاع النفط الليبى، واستمر الحال إلى نهاية التسعينيات، ولما سمحت فى العقد الماضى لقاطع طريق المليشياوى إبراهيم الجضران الذى سيطر بعد نكبة ٢٠١١ على منطقة الهلال النفطى من وقف الإنتاج والتصدير لمدة سنتين، شملت أيضا إنتاج وتصدير الغاز دون أن تحرك الدول الغربية ساكنا بل على العكس لقى دعما كبيرا بأن كان يزوره السفراء ومبعوث الأمم المتحدة وفسح له المجال ليتحدث فى قناة سى إن إن لمدة ساعة، ربما النفط الليبى مهم لبعض الدول الأوروبية المغضوب عليها أمريكيا مثل ألمانيا وإيطاليا لكنه غير مهم لبقية الدول الأوروبية.
ما يهم الغرب فى ليبيا هو مساحتها الشاسعة جنوب المتوسط وقلة سكانها، لذلك استخدمت على مر التاريخ كقاعدة لتأمين جنوب أوروبا، ولهذا السبب احتلها الرومان رغم كونها أرض صعبة وبلا موارد وغير مناسبة للحياة وجاء والإغريق قبلهم والوندال بعدهم، وللسيطرة عليها نشب الصراع الفينيقى والرومانى فكانت مكانا للكر والفر، وتركت آثارها على المدن الليبية التاريخية التى جمعت أساليب تلك الدول فى الفن والعمارة وبقى بعضها شاهدا إلى اليوم فى لبدة وشحات وصبراتة.
ثم غزاها الإسبان لتأمين دولة الفرنجة فى جنوب غرب أوروبا، واستوطن بها فرسان القديس يوحنا «فرسان الهيكل» بعد هزيمتهم فى فلسطين، ولقد اتخذ القراصنة العثمانيين وإحاتها المنتشرة على شواطئها ملاذا لهم من القراصنة الأوربيين ثم احتلوها وضموها إلى أملاك الدولة العثمانية.
بعد مؤتمر برلين عام ١٨٨٤-١٨٨٥، حول تقسيم أفريقيا بين الدول الاستعمارية كانت ليبيا من نصيب المملكة الإيطالية، فأرسل الملك عمانويل قوة غاشمة للاستيلاء على ليبيا، بعد أن باعتها تركيا وفقا للاتفاقية التى عقدت فى اوتشى اوشى (من ضواحى لوزان) بسويسرا فى ٣ أكتوبر ١٩١٢، وبموجبها انسحبت الدولة العثمانية من ليبيا، وتركت أهلها وحدهم وجها لوجه أمام الإيطاليين، بعد أن حصلت على بضع ملايين ليرات طليانية.
 


فى المنتصف الأول من القرن الماضى كانت ليبيا ساحة مهمة فى الحربين الأوروبيين الأولى والثانية حيث تداولت السيطرة عليها قوات الحلفاء والمحور.
ليبيا فى معظمها عبارة عن صحراء تلاطم رمالها أمواج البحر المتوسط، فلماذا كل ذلك التدافع والصراع الدولى حولها وفى أراضيها، ولماذا سقط ملايين الضحايا من الأوروبيين الذين قضوا فى رمالها؟
لا سبب منطقى سوى أهمية موقعها لتأمين الشاطئ الجنوبى للمتوسط وبالتالى بناء خط دفاعى حصين لأوروبا قاعدة الغرب الحضارية!
ربما يفسر هذا الوضع، أن أول حرب تخوضها الولايات المتحدة خارج حدودها هى معاركها فى درنة الليبية وطرابلس الغرب ١٨٠١-١٨١٥، ورغم الهزيمة التى ألحقتها بهم البحرية الطرابلسية وأسر البارجة فيلادلفيا واعتقال من بقى حيا من جنودها وضباطها، واضطرارهم عام ١٨٠٥ لتوقيع تصالح مع يوسف باشا والى طرابلس ودفع جزية مقابل الإفراج على الجنود الأمريكيين ومقابل دخول السفن الأمريكية إلى المتوسط، فإن المارينز الأمريكيين لا يزالون إلى يومنا هذا يرددون كل صباح وفى كل الأساطيل الأمريكية المنتشرة عبر المحيطات والبحار وفى كل قواعدهم، لا يزالون يرددون «هيا بنا نذهب إلى شواطئ طرابلس»!
فى كل الفترات التاريخية كان الأوروبيون يعتمدون فى تأمين جنوب المتوسط على التواجد الدائم لقواتهم، ولذلك بعد أن أرغم الغرب نتيجة الضغط السوفييتى على منح استقلال ليبيا، تواجد فى شكل قواعد عسكرية كانت الأضخم خارج أوروبا!
اليوم اختلفت الظروف السياسية والأمنية فاحتلال ليبيا مباشرة قد يكون صعب المنال ليس نتيجة لتغيير فى أخلاق الغرب بل بسبب معطيات الصراع الدولى، فاضطر الغرب بدل ذلك إلى مشروع الفوضى الخلاقة فى المنطقة التى مكنته من تدمير السلطات الوطنية واستبدالها بأشكال صورية تمكنه من التواجد والتصرف المطلق فى البلدان التى وقعت تحت مخالبه!
 


لكن وضع كهذا لا يضمن الغرب استمراره ولا يمكنه الاعتماد عليه فى بناء استراتيجية تأمين طويلة المدى لجنوب أوروبا، لذلك يتجه إلى تنفيذ خطة من جزئين:
الأول- تقسيم ليبيا، وتحويلها إلى دويلات قزمية هشة ليمكن السيطرة عليها بسهولة والتدخل فى شئونها دون معاناة، والثانى - تكوين دويلة جديدة يسكنها أناس غير ليبيين تتشكل من مستوطنين أجانب نواتهم من من يسمون المهاجرين غير الشرعيين!
قد يتهمنا البعض من لم يعلموا كثيرا عن التاريخ الليبى بأننا من أتباع نظرية المؤامرة، وإن ما نقوله من وحى الخيال! وأنه لا يمكن أن يحدث توطين فى ظل التطور السياسى على المستوى الدولى!
بالرغم من أننا فى الواقع وفى كل المنطقة نعيش المعاناة الناتجة عن المؤامرة التى لم تعد خطة فى دوائر الغرب الاستخباراتية!
التاريخ القريب وليس البعيد ينبئنا بعملية توطين كبرى وقعت فى ليبيا لم يمضى على بدئها مائة عام، فلقد قام المستعمر الإيطالى خاصة فى العهد الفاشستى بأضخم عملية إبادة وتهجير قسرى للسكان الليبيين من كل الساحل، وفى عملية قذرة زج بسكان الجبل الأخضر وعموم برقة فى معتقلات إبادة حقيقية فى الصحراء فى العقيلة وسلوق والمقرون، وهجر البقية الباقية منهم إلى مصر، وجلب المستعمر أكثر من مائتى ألف مستوطن إيطالى ملكهم كل الأراضى الصالحة للزراعة وسلمهم كل أدوات الإنتاج، فتحول الساحل الليبى ومدنه إلى وطن للإيطاليين، وتكونت حكومة منهم حكمت كل ليبيا ترأسها الجنرال بالبو، وكل أعضائها إيطاليين، وكان القضاء إيطالى بالكامل بما فيها وظيفة محررى العقود، واقتصر التعليم كليا على مدارس إيطالية وبلغة إيطالية ومنع فتح المدارس العربية، حيث أرغم من بقى من الليبيين على الدراسة فى الكتاتيب أو الزاويا الصوفية الخاضعة أيضا للتضييق، وقلة قلية من الذين هاجروا إلى مصر أو تونس تمكنوا من التعليم. ويبين تقرير لجنة تقصى أرسلتها الأمم المتحدة فى نهاية الأربعينيات لتقرير وضع ليبيا أن عدد المتعلمين فى ليبيا يحصى بالعشرات، وفرض التعامل بعملة إيطالية، وبقى من بقى من الليبيين مجرد مقيمين غير شرعيين!، وبقى المستوطنون فى ليبيا إلى أن طردوا منها بقرار ثورى عام ١٩٧٠.
فماذا يمنع الغرب اليوم من من توطين مهاجرين أفارقة وآسيويين فى ليبيا خاصة جنوبها الذى يفرغ بوتيرة متسارعة من السكان، نتيجة سطوة الميليشيات المرتبطة بالخارج فى السنوات الماضية، وصعب ظروف الحياة وجعلها غير ممكنة فى مدن وقرى الجنوب، بالتعسيير على السكان وإجبارهم للهجرة شمالا، من خلال انعدام وسائل الحياة، انقطاع الكهرباء لأسابيع وليس لساعات، ندرة الوقود وغلاء سعره الفاحش، انهيار مبرمج لخدمات الصحة والتعليم، توقف النقل الجوى.
نظرة اليوم إلى حجم المهاجرين من الليبيين من مدن وقرى الجنوب إلى الشمال يعطى صورة حقيقية لسوداوية المشهد، وتبين لمن على أعينهم غشاوة إن التوطين بقصد تغيير الخارطة السكانية فى ليبيا صار واقعا ولم يعد مجرد مخاوف!
التوطين خطر داهم على وجود ليبيا كدولة عربية مسلمة وعلى وجود الشعب الليبى ذاته، لكنه ليس حصرا عليها فأثاره سترتد على مصر وتونس والجزائر حتما.
معلومات عن الكاتب: 
د. مصطفى محمد الزائدى.. سياسى ليبى، تولى سابقا منصب وزير الصحة، وكان نائب وزير الخارجية 2011، أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية، يستعرض فى هذا المقال، مشاريع الاستعمار للتوطين فى الدولة الليبية.