الثلاثاء 11 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردى يكتب: جان بول بلموندو.. بطل فرنسا التى بدأت فى الاختفاء.. أفضل سفير فى نهاية الثلاثينيات المجيدة لهوية البلاد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رحل جان بول بلموندو عن عالمنا فى 6 سبتمبر 2021، ولم يتمكن من الاحتفال بعيد ميلاده التسعين فى 9 أبريل..  هذا التاريخ فرصة لتكريمه مرة أخرىK وقبل كل شيء لتذكر هذا النجم الكبير المقدس لكل الفرنسيين وفرنسا وما مثله فى المسرح والسينما.. تلك الشخصية التى جسدت "البطل الفرنسى" وألهمت السينما الأمريكية حيث كان تجسيدًا حيويًا لفرنسا وتلك الحقبة لم تعد موجودة للأسف.

ولد فى عام 1933 ومن عائلة فنية "والده بول نحات شهير".. الممثل المسرحى الشاب لم يحقق نجاحًا كبيرًا فى بداية مسيرته فى عالم الكوميديا الفرنسية بسبب جسده البدين واكتفى بأدوار ثانوية، وبعد ذلك تألق بشكل كبير وتوهجت نجوميته عام 1960 فى فيلم "منقطع الأنفس "A bout de souffle   وأصبح بلموندو رمزًا لامعًا للموجة الجديدة فى عالم التمثيل ثم بطلًا للسينما الشعبية، لفترة طويلة، مع لويس دو فنيس، صاحب الرقم القياسى فى شباك التذاكر ودخول المسارح فى فرنسا. إضافة إلى كل ذلك، تعرض فى منتصف ونهاية حياته المهنية، لانتقادات من بعض المثقفين الباريسيين والنخبويين الذين لديهم حساسية من النجاح حيث لاموه على هذا النجاح واصفينه بـ"الشعبى". 

على أية حال.. يؤكد بلموندو نفسه على أنه النجم الفرنسى بامتياز وباعتباره بطلًا وطنيًا حقيقيًا. حركاته المثيرة، ملامح وجهه كملاكم دائمًا ما تتقاطع مع ابتسامته الأسطورية التى لا تضاهى، وجاذبيته غير العادية وسحره، بالإضافة إلى مزاحه، وعاطفته العجيبة وعدم مبالاته بأى شيء مقلق وأيضًا بساطته وتعاطفه الطبيعى.. كل تلك المشاعر أدخلها إلى منازل وقلوب الملايين من المشاهدين وألهم العديد من الأطفال الفرنسيين المعجبين به وبشخصيته.

باعتباره معبود الفتيات وبطل الشباب، يمكن أن يلعب بلموندو كل شىء: من الكاهن إلى مدير الأعمال فى أزمة منتصف العمر، مرورًا بمحبى العبور أو المهرج أو حتى المتشرد. لكنه جسَّد بشكل رائع قبل كل شيء هرمون الذكورة "التستوستيرون"؛ فمن الصعب تصديق أن مثل هذه الشخصية يمكن أن تكون موجودة فى عصرنا بينما يتم السخرية من الرجولة، خاصةً أن الرجولة تشع منه بشكل واضح ولا يمكن السخرية من ذلك أبدًا.

لا عجب أن القوات الخاصة الفرنسية – التى قامت بتصوير مشاهد معه فى فيلم الخوف على المدينة - قدموا له تكريمًا خاصًا عندما علموا بوفاته فى عام 2021. ليس هذا فقط بل إن جميع المراهقين فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى كان حلمهم الأساسى هو أن يكونوا مثل جان بول بلموندو. هناك عدد لا يحصى من الأشخاص الذين دخلوا فى الملاكمة بفضله وهناك أيضًا عدد كبير من ضباط الشرطة أو الجنود الذين استلهموا منه البراعة والدقة من الشخصيات التى كان يؤديها فى أفلامه (الخوف من المدينة، وأدوار الشرطى أو السفاح) أو القائد بومون أو الرقيب أوجانيور (لو بروفسيونال؛ ليه مورفالوس).

قوة فرنسية ناعمة حقيقة

استوحى ستيفن سبيلبرج إلهامه من رجل من ريو لإنديانا جونز. قال كوينتين تارانتينو: "كنا نتمنى جميعًا أن نصبح يومًا ما جان بول بلموندو". بالإضافة إلى كونه نموذجًا للممثلين الفرنسيين العظماء مثل لانفين وجيرودو كما أنه يعد نموذجًا للعديد من النجوم الأمريكيين. إردوارد نورتون يعد أحد المعجبين الكبار به. هل كان آل باتشينو ودى نيرو، اللذان يعتبران من اشد المعجبين به، سيحظيان الشهرة التى حققها بقيامه بدور ميشيل بويكارد؟.. دعونا نتذكر أيضًا، فى هذه الحقبة، الغمزات والحركات التى كان هؤلاء النجوم يؤدونها فى أفلامهم الخاصة مثل شبيه بلموندو فى أمريكا النجم الأمريكى ستيف ماكوين.

بالفعل كان بلموندو نجمًا كبيرًا فى جميع أنحاء أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط وروسيا. وعلينا أن نتابع كيف تفاعلت الصحافة فى جميع أنحاء العالم مع وفاته.. كما هو الحال فى اليابان، حيث استوحى الممثل بويشى تيرازوا شخصيته الشهيرة فى المانجا، كوبرا من النجم الفرنسى بلموندو.
 

لذلك تركت أعماله وعظمته، كما رأينا، بصمة دولية لا مثيل لها بعد ذلك؛ فهو يعتبر مرجعًا ثقافيًا، ولكن أيضًا أفضل سفير، فى نهاية الثلاثينيات المجيدة، لهوية فرنسا التى بدأت فى التراجع بعد ذلك.

فى مقدمتى لكتاب إعادة التفكير فى فرنسا القادمة (2021، عن دار بولد)، ذكرت أن فرنسا أمة من الأبطال اللامعين. وهذه هى فرنسا التى يعجب بها العالم ويتوقعها اليوم ونجد فيها أشهر الفرنسيين فى جميع أنحاء العالم، نجد هذه "الروح الفرنسية"، المتمردة! سواء فى السياسة أو العلوم وخاصةً فى الثقافة والأدب الفرنسيين، فإن هذه الروح المشبعة بالرومانسية والعصيان والشجاعة هى التى تظهر دائمًا بانتظام كبير بمرور الوقت بين المغامرين والأبطال الفرنسيين المشهورين عالميًا.

وهكذا، يؤكد بلموندو، الذى يتمتع بالحرية الشديدة والشرقية والفرنسية، أنه الخليفة اللائق لدارتاجنان وجان فالجيان وغيرهما من النجوم. وفى الفيلم الشهير L’AS des As (الذى أخرجه جيرارد أورى فى عام 1982)، ربما كان الدور الذى لعبه وكان "بيبل الوطنى" هو الأكثر رمزية للرجل الفرنسى الغاضب، المؤذى، الشجاع والمنتظر للأخطاء حيث كان يظهر فى ذلك الفيلم جو كافاليير، مدرب الملاكمة فى رحلة إلى برلين لحضور دورة الألعاب الأولمبية لعام 1936  وخلال رحلته أخذ تحت جناحه صبيًا يهوديًا صغيرًا كانت تلاحقه الجستابو "البوليس النازى الألمانى". وفى الحقيقة، هذه الشخصية مستوحاة إلى حد كبير من الفيلم الفرنسى التاريخى  "رجل الأوركيد" ومثل بلموندو فيه شخصية جورج كاربنتير الذى كان رقيبًا طيارًا خلال الحرب العالمية ثم ملاكمًا فرنسيًا أسطوريًا، لأنه أول من أصبح بطل العالم فى الملاكمة. كل ذلك يعد حقيقة المجد الوطنى الحقيقى و"النجم" العالمى قبل وقته فى العشرينيات من القرن الماضى، كان "جورج العظيم" يشع بالشجاعة الفرنسية والحنكة الفرنسية فى كافة أركان الكرة الأرضية.

كما قال ليونيل لاكور، "فرنسا، عندما كانت فرنسا تنظر إلى نفسها فإنها كانت ترى نفسها فى شخصية بيبيل "اللقب الذى كان لبلموندو"  وأيضا ألان ديلون.. وحاليًا فقد ديلون قرينه المماثل بعد وفاته".

وفى الحقيقة مع رحيل بلموندو، ذهب جزء من تلك الروح الفرنسية ومع ذلك، فإن الأساطير لا تموت كما يقولون. قد تكون الأجيال الجديدة بعد ذلك قادرة على إعادة اكتشاف واستلهام أحدث تجسيد حديث للبطل الفرنسى الأصلى الذى كان جان بول بلموندو العظيم، خاصةً فى هذه الأوقات الكئيبة التى لا تتوقف فيها صورة فرنسا دوليًا عن التشويه كل يوم من خلال الممثلين المثيرين للشفقة وأيضا ساساتها المثيرين للشفقة.

معلومات عن الكاتب: 
رولان لومباردى.. رئيس تحرير موقع "لو ديالوج"، حاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق األوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يخصص، مقاله لهذا العدد، لإحياء ذكرى النجم الفرنسى اللامع جان بول بلموندو.