رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جوليان أوبير يكتب: فرنسا وأفريقيا سياسة باريس الخاطئة في القارة السمراء!

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المؤتمر الصحفى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية أظهر للعالم أن فرنسا فى ظل الرئاسة الحالية ضعيفة ومتعالية

منذ ليلة ماضية، رأيت حلما غريبًا خلال جولة فى أوروبا عندما توقف الرئيس جو بايدن فى الدنمارك. وخلال المؤتمر المشترك بين رئيسى الحكومتين، فقد سمح رئيس الوزراء الدنماركى لنفسه  بتوبيخ جو بايدن للصحافة، بسبب تصريحاته لها مطالبا إياه بإنهاء أبوية الناتو فى أوروبا، بينما اختتم حديثه بإشارة غادرة إلى الفساد الانتخابى الأمريكى الأخير واتهامات التزوير.
هذا استفزاز قد يخاطر به عدد قليل من المستشارين، وهو ما لن يحدث.  لأن جو بايدن قادر وببراعة على إيذاء رئيس الوزراء الدنماركى وإزعاجه. وفى الواقع، حتى لو تهور بايدن، فإن الدنماركيين كانوا سيفكرون ألف مرة قبل أن يردوا، لأنهم بحاجة إلى مظلة أمريكية أكثر من اللازم. فمن ذا الذى يغضب زعيم أقوى دولة فى العالم؟
ومع ذلك، هذا ما حدث عندما جاء إيمانويل ماكرون لزيارة جمهورية الكونغو الديمقراطية، التى يعتبر وزنها الاقتصادى النسبى مقارنة بفرنسا أكثر أو أقل من ذلك الذى يربط الدنمارك بالولايات المتحدة. سمح فيليكس تشيسكيدى لنفسه بأن يطلب من  ماكرون أن يراجع نفسه بخصوص ما ذكره فى كلمته التى أدلى بها فى المؤتمر وأن يطلب منه وقف الأبوة الفرنسية فى إفريقيا.
لقد تغير الزمن بالطبع. ولكن كيف لا نرى فى هذا التحذير العلنى شكلًا من أشكال الازدراء لبلد فى طريقه إلى أن يختفى من المنطقة جغرافيًا وسياسيًا؟ خلال عشرين عامًا، انخفضت حصتنا فى السوق من ١٠.٦ إلى ٤٪ بينما ارتفعت حصة الصين من التجارة الأفريقية من ٣.٨٪ إلى ١٨.٨٪. منذ عام ٢٠٢٢، تم طرد الجيش الفرنسى من مالى وبوركينا فاسو من قبل المجلس العسكرى الحاكم فى هذين البلدين.
نتذكر أنه فى نفس هذا البلد أهان إيمانويل ماكرون رئيس بوركينا فاسو روش مارك كريستيان كابورى من خلال الرد على أحد الطلاب بأن مهمة نظيره هى ضمان عمل الكهرباء فى البلاد. والأدهى من ذلك أنه عندما رآه خارجًا من المكان تهكم ساخرًا "لقد ذهب كى يصلح التكييف!"
يجب أن نؤكد أن إيمانويل ماكرون  كعادته أراد التحدث فى جمهورية الكونغو الديمقراطية حول التاريخ الجماعى لصراعات البحيرات الكبرى، وهو الصراع الذى بدأ مع الإبادة الجماعية فى رواندا ثم استمر من خلال الصراع المدنى الكونغولى مع التشابك المعقد فى العلاقات القبلية والدينية والعرقية بالاضافة إلى الداعمين الأقوياء خارج الإقليم.
عندما أعلن خلال مؤتمره الصحفى أنه مستعد لتحمل المسؤولية وأن فشل الدولة فى جمهورية الكونغو الديمقراطية لم يكن خطأنا، لم يكن يفعل شيئًا إلا سرد حقائق معينة فقط. وفى الدبلوماسية لايصح سرد الحقيقة وإثارة الماضى المعقد فهذا عمل المؤرخ وليس السياسى.
لا شك أن اللهجة المتعالية إن لم تكن المتغطرسة التى تحدث يها ماكرون هى التى جعلت نظيره الكونغولى يخرج عن شعوره.
ومع ذلك، فى ٢٧ فبراير، أوضح ماكرون أنه يريد وضع العلاقة مع إفريقيا تحت شعار التواضع.  مسجلا بذلك ركلة جزاء ضد فريقه، إلا إذا كان هدفه ليس التواضع بل "الإذلال"؟ فى هذه الحالة، إنها طريقة غريبة لبدء شراكة.
وهكذا أنتهى المؤتمر الصحفى بشكل فوضوى للرئيس الفرنسى، الذى جاء للحديث عن البيئة والتاريخ والزراعة والأعمال والسياسة والديمقراطية وحقوق الإنسان.. وكل ذلك فى ٧٢ ساعة فقط، وهو فى حد ذاته خطأ. وكلنا نتذكر كيف أن ديجول قد كرس ٩ أيام فى عام ١٩٥٨ لجولته  التى قام بها لإقناع القارة بأن تبدأ معه علاقة جديدة. وقد كان فى ذلك الوقت، يستهدف مستعمراتنا السابقة فقط، بينما ماكرون اليوم  يستهدف إفريقيا بأكملها عبر مراحل أكثر تنوعًا: مستعمرة بلجيكية سابقة ومستعمرة برتغالية ومستعمرتين فرنسيتين.
فى الجابون أثناء قمة الغابات الاستوائية، كان من الممكن أن يكون هذا اللقاء فرصة ممتازة لإثبات رغبة فرنسا لتحسين أدائها. للأسف، لم يحدث شيء من ذلك. ربما لأنه من الصعب بالنسبة لفرنسا أن تكون ذات مصداقية كاملة فى هذا الملف البيئى بينما تتجاوز شركاتها فى إفريقيا الخط الأحمر. تقوم توتال، على سبيل المثال، بتنفيذ مشروع استغلال النفط فى أكبر منطقة محمية فى أوغندا، منتزه مورتشينسون فولز الوطنى، وتحتفظ بحقوق التنقيب فى المستنقعات فى جمهورية الكونغو، حيث يبلغ عمر مناطق المستنقعات عدة آلاف من السنين ويمكنها تخزين أكثر من ألف طن من ثانى أكسيد الكربون. لذلك اختار الرئيس ماكرون الجابون للإصرار على "نهاية الفرانكفريقية"، التى وعد بها فى ذلك الوقت فرانسوا ميتران وبيير كوت فى عام ١٩٨١. كان يمكن أن تكون الجابون، بلد عمر بونجو، خيارًا مثاليًا، لو كان ابنه على لم ينظم انتخابات هذا العام بعد إعادة انتخابه فى ظل ظروف ملتبسة فى ٢٠١٦. كيف لا نعتقد أن افتتاح البرنامج فى إفريقيا لم يأتِ لإعطاء دفعة للرئيس الحالي؟
خاصة أنه بعد ذهابه إلى أنجولا - التى لا علاقة لها على الإطلاق بفرانكافريقية- عاد الرئيس إلى منطقة نفوذنا السابقة من خلال توقف قصير فى برازافيل، حيث يقود دينيس ساسو نغيسو الكونغو بيد من حديد منذ ٤٠ عامًا تقريبًا.. الرحلة كانت لمدة قصيرة بما يكفى لإغضاب الرئيس الكونغولى وطويلة بما يكفى لإثارة مشاعر المدافعين عن الحقوق السياسية.
فى النهاية، ستكون زيارة الرئيس الفرنسى قد شوهت صورة فرنسا أكثر من تجميلها. من بين أربع دول، من المحتمل أن يكون رئيسا دولتى الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية غير سعداء، وهذا فى حد ذاته إنجاز.
وأخيرًا، فإن المؤتمر الصحفى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية سيقنع العالم للأسف أن فرنسا إيمانويل ماكرون ضعيفة ومتغطرسة.

معلومات عن الكاتب: 
جوليان أوبير.. سياسى فرنسي، انتخب نائبًا عن عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017، ولم يوفق فى انتخابات 2022، يتناول جولة الرئيس الفرنسى فى أربع دول أفريقية.