الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

ملوك مصر| "بيبي الأول".. محبوب الرعية

الملك بيبي الأول
الملك بيبي الأول
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الجزء الأول من موسوعته القيّمة "مصر القديمة"، يشير الأثري الكبير الراحل سليم حسن في "عصر ما قبل التاريخ إلى نهاية العصر الإهناسي"، إلى عدم وضوح أصل قيام الأسرة السادسة تاريخيا؛ مرجحا أن ملوكها قد تولوا حكم البلاد من غير نشوب ثورات أو قيام خلاف كبير، وقد ظل حكامها على عرش الملك ما يقرب من قرنين من الزمان، ويظن أن مؤسسها هو الملك «سحتب تاوي تيتي»، والذي لا نعرف عن حكمه إلا الشيء القليل.


تلي الملك «سحتب تاوي تيتي» غموض على عرش البلاد، ثم ظهر ملك فتى يدعى «بيبي»، ظلَّ قابضًا على زمام الأمور في البلاد بقوة وعزم نحو نصف قرن من الزمان، وهو يعد بحق من أكبر الفراعنة الذين قبضوا على ناصية الحال في مصر في كل عصور تاريخها بحزم ونشاط. 


لم يترك بيبي الأول وثائق تدل على أعماله مثل «رعمسيس الثاني» أو «أحمس الأول»، ولكن العلماء استعاضوا عن ذلك بالآثار التي تركها، ونقوش المحاجر والتحف التي خلفها، وعظماء الرجال الذين عاشوا في عصره، مما يلقي بعض الضوء على عهده، وما حدث فيه من جليل الأعمال.


وتلفت موسوعة مصر القديمة إلى أنه من الظاهر أن الملك كان محببًا إلى أفراد رعيته؛ إذ تسمى الكثير منهم باسمه "وربما كان يشبه في ذلك «تحتمس الثالث»، وإن كان وجه الشبه هنا ضئيلًا لبعد ما بينهما من الزمن، ولكن رغم كل هذا فإن دلائل الأمور تنبئ بأن بيبي كان محببًا في أعين شعبه، وأنه كان الفرعون النابه بين ملوك أسرته".


ويظن بعض المؤرخين أن «بيبي» هو ابن الملك «إتي» وبخاصة إذا علمنا أن الملكة «أبوت» أم بيبي لم تكن زوج «تيتي»، ولكن كل ذلك من ضروب التخمين المقبول شكلًا، ويمكننا أن نستدل بعض الشيء على نشاط هذا الفرعون خلال حكمه من المباني التي أقامها أو التي أصلحها في طول البلاد وعرضها".


أيضا، مباني «بيبي» الأصلية قد اختفت بسبب إعادة بنائها في العصور التي تلت، ولكن على الرغم من ذلك بعض بقايا من آثاره لا تزال موجودة، إذ عثر له في تانيس وتل بسطة و«العرابة» ودندرة وقفط على آثار منقوش عليها اسمه، هذا إلى أنه خلف نقوشًا على الصخور حتى إقليم بلاد النوبة السفلية.


وقد بنى «بيبي» لنفسه هرمًا في سقارة، وأطلق عليه اسم «الحسن التأسيس» وهو أكبر من هرم «وناس» ومن هرم «تيتي»، وقد نقشت على جدران حجرة الدفن الداخلية متون مماثلة لما في هرمي «وناس» و«تيتي» وكتابته أقل حجمًا من كتابة هرم «تيتي»، ويمتاز هذا الهرم بالتفنن في إخفاء حجرة الدفن والعناية بوضع العقبات في طريق الوصول إليها.

 

ولكن وفق الموسوعة، رغم كل التحفظات التي بذلت في هذا السبيل، فإن اللصوص نفذوا إلى مكان التابوت المصنوع من حجر البازلت وهشموه ومزقوا جثة الملك، هذا فضلًا عن أنهم أزالوا كل خرطوش ملكي في الممر المؤدي إلى حجرة الدفن.
 

يقول سليم حسن: من المحتمل أن هذا التخريب البالغ قد حدث في نهاية هذه الأسرة في الفترة التي كانت الثورة متأججة في البلاد بدرجة أن ذكرى «بيبي» وعظمته لم تقللا من حدتها عند الثوار، غير أن عمل الثوار هذا قد كشف لنا عن طريقة إقامة هذا الهرم؛ إذ نجد جدران جسم الهرم من قشور الحجر الأبيض محشوة بقطع صغيرة من شظايا الجير، بدلًا من الكتل الحجرية التي بنيت بها أهرام الجيزة العظيمة كلها، ومن ذلك نعلم أن القصد من بناء الهرم بهذه الكيفية أن يكون ظاهره جميلًا، ولا يهم حشوه بعد ذلك من الداخل، وتلك لعمري إحدى علامات الضعف التي أخذت تدب في نواحي المرافق العامة في البلاد رغم قوتها الظاهرة وعظمتها.