الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

فضاء التشكيل وشعرية الرؤى في "تعرت فانشطر الليل"

غلاف المجموعة الشعرية
غلاف المجموعة الشعرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"تعرت فانشطر الليل" مجموعة شعرية جديدة للشاعر عبد المنعم الأمير، الصادرة عن دار أفريقية للنشر في تونس، فيقول الناقد العراقي جبو بهنام بابا: لقد خطت أنامله قصائد أنثوية ملونة، غازلت استيحاء الشعر الوصفي والعنوان يترجم لنا مدى تعلق الشاعر بتفاصيل الحب الأنثوي المرسوم في إشراقات فياضة ونجوم ملتهبة، وانفعالات دقيقة، ووضوح في الصورة حيث يتحسس القارئ شعرا يحيله إلى عالم الحروف الذهبية التي أضاءت في معانيها التعاطف الفكري والحسرة في ذوبانه واحتراق القلب المنفي إلى لغة الإختيار:
"لنورس مل الافق فانطلقا /وراح ينسج من احداقه افقا/وعلم اللغة السمراء لثغته/وصاغ احلامه كي يطعم الورقا/ لنورس منح النعناع نكهته/ووشوش الورد حتى ايقظ العبقا". ص7

وتابع: أن الحداثة هي الإصلاح والتنوير وتحرير الذات، وأن التصورات الأخلاقية للأزمنة الحديثة تقوم على الإعتراف بالحرية الذاتية للفرد. كذلك الفن الحديث الذي يكشف عن ماهيته الرومانسية فالفن الرومانسي سواءً شكلاًأو مضموناً يتعين بالجوانية المطلقة كما يؤكدها برماس أي أن الحداثة والحياة الدينية والدولة والمجتمع والعلم والاخلاق والفن والأدب تجسد مبدأ الذاتية، وهي تدرك أن الفلسفة الذاتية مجرورة في عبارة " أنا أفكر إذن أنا موجودة" عند ديكارت.

للشاعر تجربته الشعر يلبس الروح المتأججة بشغف لاكتشاف الكثير من الروح وهويبحث عن السعادة في عالم مجهول متمسكا بذلك بقسمة طباع عاشها الشاعر في دوامة ملتهبة:
"فيهمس قلبي/ يا كف حني / اخاف جموع اشتهائي عليك/ورغبة نفس تفرط مني/ويغبط حتى سناء لهيبي /يلوذ بدفئك/يا انت حضني /فابكي لتنسلب كحلا بدمعي /يقبل ثغري وخدي وعيني /احبك/ادري بأنك وهم/يغازل في الليل اوهام ظني /ولكن احبك". ص29

ويتعذب الشاعر ويستغرق في منولوجة الداخلي مثقل بسيرة العذابات يتحرك في فتحات وملذات شافية لتنسيه عناء الوحدة وعذاب العاطفة الوجداني يسترحل الشاعرفي مشاعر الحب والتأمل الغريب للملاك الذي يرتشف منه عذاباته وحزنه. أنها دجلة الأم دون تأفف أو ضجر وهذا الثبات هو البنية الاشعاعية التي يقف معها الإنسان خلال معاناته:
"لي الصوت هذا الندى/يجري مواويلا /ولي خطاه /تحوك الورد منديلا/ولي العذابات /لي عمر بكامله/ابعث الصمت في عينيك تأويلا /(ان العيون التي في طرفها حور)للان يكتبنني جرحا وتعديلا/للان يملأن البوح اسئلة /ويرتشفن حباب القلب تدليلا". ص42
الشاعر عاش تمزقاً حاداً بين الحلم والواقع صدعا نفسياً أثر عليه في طفولته في القرية التي عاش فيها يحن اليه إلى أصدقائه من خلال احاسيسه الجوانية وتجاربه وتأملاته و(ندي يتعلق) قصائد متدفقة في ينابيع الصخر يحمل تلك المواقف بصورة لا شعورية في تصرف واضح ورمزية التحليل النفسي باعتباره يعود إلى أيام صباه عابرا زمن البدء في سدود يقطف زهره المشهّى ليهديها بخجل وحب لعلهم يستنشقوا عطرها الأزلي:
"رحلوا على عينيك مروا/تركوا خطاهم /واستمروا/لا دمعة نسجت دجى/لا اطلع الاقمار زر/يا كيف يكتبك الحنين مواسما /والعمر قفر/رحلوا /رماد شفاهم /ليلا على عينيك ذروا/ومنحت قلبك مرفأ للعابرين". ص58
إن الصورة البلاغية نتاج التخيل وهي الرياح أو عدول عن الكلام العادي وخرق لقانون اللغة يقول جان كوهين يغدو الشعر نقيضا للنثر يحطم اللغة من أجل إعادة بنائها وهكذا تصبح اللغة الشعرية تبريراً غير عادي عن عالم عادي وتصبح القصيدة كيمياء الفعل التي تحدث عنها رامبو تلك الكيمياء التي تجمع داخل الجملة. الصورة كلمات لا تجتمع من وجهة نظر المقاييس الإستعمالية العادية للغة:
"يا صاحبي لم تعد في الروح سنبلة وأدمع الليل تجري فوق أجفاني" إنما هي أوصاف غير مطابقة لموصوفاتها وبالتالي فإن فيها أنزياحاً عن معانيها الأصلية وهذا الإنزياح هو خرق لقواعد اللغة وبالتالي فهو الشعر.
"لأنك البوح / وجهي فيك أغراني/ فرحت أرمي على عينيك الحاني/ ورحت ارسم وجه الليل في ولهي / حتى فتنت / فمن إلآك أغواني؟/ وكيف جاءت بهذا الجوع اوردتي؟ / ليحتويني  (إذا ما الليل أضواني) / يا صاحبي/ لم تعد في الروح سنبلة" . ص80
وإذا كانت الصورة الشعرية تتنوع بين الصورة الحديثة والصورة الذهبية والصورة الرمزية فإن شعر عبد المنعم الأمير كوّن صورة مفردة ومشرقه ومجالا ماثلا للتصويرعن طريق النشيد والوصف المباشر يرسم لوحة مزيجة من الحب والصبروحمل الالام والمعاناة في صور دلالاتها ممتزجة في البيئة الدلالية للقصيدة:
"في دروب الذاكرة/ كان وجهي ضائعا/ يبحث عني/ كان صوتي لاهثا/ يهرب مني /خلف اوتار العبارة/ وشفاء الخاطرة /وابتسام/ تجهل الدرب الذي يأتي الي/ كيف جاءت /كيف ضاءت في شحوب الذاكرة/ وأنا/ قد نسيت النظرة الأولى/ ونسيت اللثغة الأولى/ واخضلال الياسمين/وتعمدت بحزني/ ودموع المتعبين/ كيف جاءت /وابتسام/ تجهل الدرب الذي يأتي إلي/ كيف شظتني- أنا بين يدي/ ومضت تسحل قلبي /في الدروب الماطرة". ص99
إن قصائد الشاعر قصائد ذات تكوين إيقاعي إتجهت ببلاغتها بقوة تقوم على قدرة وصفية وتصويرية ذات دلال إيقاعي ذهني ذو تقنية وفنية، فالصورة الشعرية تنوعت بين الصورة الذهنية والصورة الحديثة التي عبّرت عن المعاني والأبعاد النفسية للتجربة الشعرية.