الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

الجماعة الإرهابية غاضبة بعد إعادة تدوير سيد قطب.. عصام تليمة يصدر نسخة خالية من التفسير الحركي لكتاب "في ظلال القرآن".. وصراع داخلي حول أفكار مؤسس الجماعة الإرهابية

ستاندر - تقارير
ستاندر - تقارير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أجج الإخوانى الهارب عصام تليمة صراعا جديدا داخليا بين عناصر تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، بعد إصداره نسخة منقحة من كتاب «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، منظر الجماعات المتطرفة والإرهابية، جاءت خالية من الإضافات والزيادات التى وضعها "قطب" فى تفسيره للقرآن ووصفها بأنها «تفسير حركى» وأنها أثارت الجدل حول أفكار مؤلف الكتاب.
ويعتقد سيد قطب أن الإسلام لا يمكن أن يؤدى دوره دون وجود ما سماها بـ «الأمة المسلمة»، وأنه عن طريق الفعل التنظيمى لجماعته يستطيع إعادة وجود هذه الأمة، كى يسهل على الإسلام قيادة البشرية وأستاذية العالم وفق ما يزعم فى كتابه «معالم فى الطريق» الذى استخلص مادة أربعة فصول فيه، من كتابه «الظلال»، بهدف توجيهه لمجموعة سماها «الطليعة المرتقبة» تنتشل العالم من جاهليته التى يعيش فيها، بحسب وصمه التكفيرى للمجتمع والعالم بأسره.

رأى تليمة أن العودة إلى النص الأول والنسخة الأولى من كتاب «الظلال» خطوة جيدة لمعرفة التغيرات التى طرأت على قطب قبل مرحلة السجن وبعدها، لكن هذه الخطوة أثارت جدلا كبيرا بين عناصر الجماعة والتى خرج بعضها وكتب على صفحات الفيسبوك رافضا لسلوك تليمة تجاه كتاب أستاذ التطرف الأكبر، واصفين تليمة بأنه بلاء، اعتدى على تراث قطب، وحاول تضليل الناس عن أفكاره الحقيقية، وطالبت أصوات بعدم تداول الكتاب ومقاطعته، كما رأى البعض أن من حق تليمة أن يرفض أفكار قطب المغلفة بأيديولوجية سياسية، لكنه لا يحق له أن يصادر إضافات أقرها المؤلف ذاته.
فى ذات الإطار، تساءل بعض المراقبين عن حقيقة مراد وهدف مجموعة لندن التى ينتمى إليها عصام تليمة، وهل هى خطوة تكتيكية لإعادة تدوير سيد قطب، وتخفيف الجدل حول أفكاره التكفيرية، وأيضا السيطرة على الكتب المؤسسة للجماعات وإخراجها بما يتناسب مع التوجهات الجديدة لجبهة لندن. 

نسخة الظلال الجديدة

صراع داخلى حول أفكار سيد قطب
من جانبه، قال الكاتب سامح فايز، الباحث فى شئون الجماعات المتطرفة، إن ذهاب البعض لتنقية أو إعادة قراءة سيد قطب ليس جديدا على جماعة الإخوان الإرهابية، وأنه منذ فترة قريبة، ظهرت كتابات تلعب على هذه النقطة، واللافت للانتباه إن طبعة «الظلال» الجديدة خرجت مدعومة ببعض أصوات من داخل الجماعة، والسؤال هل هذه القراءة تعبر عن الجماعة ككل، أم أنها تعبر عن مجموعة داخل الجماعة المتشظية حاليا؟ ونحن حاليا نتحدث عن مجموعات داخل الجماعة، لكن بالنظر إلى أصوات أخرى نكتشف أن هناك صراعا بينهم حول التعامل مع أفكار سيد قطب.
وأضاف «فايز» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز»، أنه منذ الستينيات كانت هناك مجموعة من الإخوان داخل السجون، ومجموعة خرجت من مصر وسافرت إلى دول أوروبية، وهناك عملوا على تقديم رؤية جديدة من منهجهم تتوافق مع المجتمعات التى فروا إليها، أى أن الحياة الجديدة فى أوروبا اضطرتهم لكتابة فكر جديد يناسب الدول التى استقروا فيها، مثلا قديما كنا نسمع منهم مصطلحات «دار الإسلام» و«دار الكفر»، فكيف يتجاوزون مثل هذه المسألة وهم فى بلاد «دار الكفر» كما يعتقدون، فبدأوا يتحدثون عن مصطلح «دار الدعوة»، وذلك فى كتابات يوسف القرضاوى، ومن أبرز نماذج هذا الاتجاه التونسى راشد الغنوشى الذى استقر فى فرنسا لمدة من حياته، ومن أبرز نتائجها النموذج التركى.
ويرى «فايز»، أن الهدف وراء طبعة «الظلال» تكتيكى، ربما محاولة لرسم صورة مغايرة عن جبهة لندن، أى أنها تصدر للآخر أنها علمانية أو ليبرالية أو ذات فكر متسامح ومرن، لكنها تبطن ذات الأفكار المتشددة لحين التمكن من السلطة. ويمكن من مثل هذه الملاحظات أن نفسر الصراع الدائر بين جبهات الجماعة حاليا فمجموعة محمود حسين ومحمد كمال ترى أن الجماعة هى كما هى بأفكارها المتشددة، ولا تحتاج إلى إعادة تلميع، أو إنتاج أفكار جديدة مناسبة للظروف والزمن، وبين مجموعة لندن التى تسمع منها خطابا يتسامح مع قضايا مثل المثلية بدعوى الحريات وعمل المرأة وولايتها وغير ذلك، ومثل هذه المجموعة الأخيرة التى تفضل التحلل من بعض أفكار الجماعة، وبعضها يفضل التحلل من الانتماء التنظيمى لها بهدف التخفف من أعباء الجماعة، لكنهم يحملون نفس الفكر، وظهرت ملامح هذا التيار مع إخوان الغرب فى المنظمات والمراكز الإسلامية التى لا تحمل اسم جماعة الإخوان، بل نلاحظ مسميات مثل اتحاد مسلمى فرنسا، أو رابطة مسلمى لندن، فالمجموعة لا تريد التخلى عن الكتب المؤسسة للجماعة، وفى نفس الوقت لا تريد تقديمها بنفس أفكارها، لذا فهى تعيد تلميعها وهذا كذب وتلفيق.
وحول الفكرة القائلة بأن السجون والتعذيب وراء توجهات سيد قطب الحادة والعنيفة فى أفكاره، يقول «فايز» إن أفكار قطب التى قال بها منذ سجنه هى نفس أفكاره فى الأربعينيات أى قبل دخوله السجن، ومن المدهش أن نرى البعض يريد أن يبرر أفكاره الإرهابية بفكرة التعذيب فى السجن، والحقيقة أن قطب لم يتم تعذيبه فى السجن بل كان يحظى بالاهتمام، وتم إيداعه فى المستشفى بدلا من السجن.
ويتساءل «فايز»، إذا كان تليمة يريد نشر كتاب قطب بدون الأفكار الحركية التى أضافها، فهل هذا نوع من الاعتراف بأن أفكار قطب تكفيرية؟ خاصة أن القرضاوى اعترف قبل ذلك بأن قطب كفر المجتمع، فلماذا يهاجمون من يرى مثل هذه الرؤية فى كتابات سيد قطب، هذه أفكار تربى عليها أجيال من الإخوان، وكان تفسير الظلال هو التفسير الوحيد المعتمد من قبل الجماعة فى جلسات الأسر ولجان التربية، فكيف تأتى الآن وتحذفها من الكتاب!
ولفت «فايز» إلى أنه كتب عدة مقالات حول أفكار سيد قطب المتطرفة، موضحا أنه «طالنى الهجوم العنيف من قبل أنصاره والمتعصبين له، بل والذين ينشرون أفكاره، بل ودخلت المحاكم، وسألنى البعض وما المشكلة أن يستعين مؤلف بأفكار سيد قطب فى كتاباته؟ وأسألهم أليست هذه هى أفكار قطب التى تحاول الجماعة الهروب منها حاليا؟ وأستطيع أن أقول إنها خطوة تكتيكية فى إطار الصراع الدائر بين جبهات الجماعة، لأنه من يريد أن يتحكم فى الجماعة لابد أولا أن يدير مثل هذه الكتب المؤسسة والشخصيات التاريخية للجماعة، فيحدد دورها وموقفه منها. وأعتقد أن إعادة نشر كتاب قطب على يد تليمة ليس خروجا من مأزق، أو من الدائرة، أنت هنا أمام تكفيرى ينظر فى كتاب تكفيرى آخر، ما العمل إذن؟

تنويه تليمة لطبعته الجديدة

دراسة التحولات 
شرح الإخوانى عصام تليمة، فى عدة تدوينات وحلقات مرئية على صفحته فيسبوك، أسباب إقدامه على هذه الخطوة، أنه يرغب فى أن يكون الكتاب مساهمة فى الوقوف على المسار الفكرى لقطب، ولإعطاء القارئ فرصة للتمييز بين أفكار قطب المثيرة للجدل وبين أفكاره التى كتبها بهدوء بعيدا عن السجن، وأيضا العودة لهدف مؤلف الكتاب، فـ"قد أراد سيد قطب من الظلال أن تكون تأملات أديب ومفكر مؤمن مع كتاب الله، ولم يستهدف منه تناول القضايا الفقهية والعقدية، أو القضايا الشائكة التى تحتاج لمؤهلات خاصة».
وشن الكثير من عناصر الجماعة هجوما على تليمة، وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان المنتمين لجبهة لندن، ما جعله يدخل فى سجال معهم ويرد على كل القضايا التى أثاروها ويذكر رغبته القديمة فى إعادة طباعة أعمال قطب، لكن محمد قطب أخو سيد رفض رغبته وعارضه بل ومنعه من ذلك.
محاولة تبرئة
قال إسلام الكتاتنى، الباحث فى شئون الجماعات المتطرفة، إن عصام تليمة يحاول أن يسلك طريق باحث الجماعة، وهو دارس جيد لتاريخها، وله انتقادات عليها، لكنى مندهش من تناوله لكتاب سيد قطب، بطريقة غير منصفة، ينحاز لفكرة أن قطب خال من الأفكار التكفيرية، وأن طبعة الكتاب مرت بمراحل، فعند حذف هذه المراحل تثبت تبرئة المؤلف، وهذا احتيال وكذب.
وأضاف «الكتاتنى» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن القرضاوى نفسه انتقد أفكار قطب، وقال إن الأفكار التكفيرية ليست فى كتاب «معالم فى الطريق» فقط، ولكنها فى «الظلال» أيضا، وأى باحث منصف يقرأ قطب يكتشف أفكاره التكفيرية بسهولة، بل بالعكس، التكفير هو صلب فكرته، وليست فكرة فى الهوامش، فمنذ التحاقه بالجماعة وهو يؤسس لأفكار مثل جاهلية المجتمع والحاكمية التى استقاهما من أبو الأعلى المودودى ثم طورهما، ووضع العزلة الشعورية والطليعة المؤمنة والاستعلاء بالإيمان، وهذه هى الأفكار الرئيسية التى تُلخص اتجاه قطب بعد التحاقه بالإخوان، وكلها تشترك فى التكفير، فمن الغريب أن تأتى بعد كل هذا وتزعم أنه «لا يكفر».
وأوضح، أن قطب لم ينتج فكرا تكفيرا فقط، بل كان زعيما لتنظيم ٦٥ الذى خطط لقلب نظام الحكم واغتيال الرئيس عبدالناصر ونسف منشآت حيوية، وذلك باعتراف محمد فريد عبدالخالق فى حلقات برنامج «شاهد على العصر»، وكان «فريد» مرشحا لمنصب المرشد بعد عمر التلمسانى، وقام بشرح الرواية قائلا إن تنظيم٦٥ أعد لاغتيال الرئيس وإحداث فوضى وانقلاب، وهذه اعترافات ثابتة.
وأشار الباحث إلى أن هذه الحادثة تشبه حادث المنشية التى تكابر الجماعة ولا تعترف بها، وتنكر الحقائق الثابتة رغم اعتراف المشاركين فى الحادث واعترافهم بتفاصيل الجريمة، ومنهم خليفة عطوة المتهم الثالث فى قضية حادث المنشية، الذى اعترف بتفاصيل التحركات، ودور هنداوى دوير والمنفذ محمود عبداللطيف الذى أطلق الرصاص على الرئيس عبدالناصر. وعادة الإخوان هو تزييف الحقيقة والحديث دائما عن التعذيب فى السجون لكسب التعاطف.
مختتما أن الحسنة الوحيدة لعصام تليمة هو انتقاداته لجماعة الإخوان، لكنه فى نفس الوقت مؤمن بأفكار حسن البنا وسيد قطب، وأتمنى أن يعلن انفصاله عن فكرة الجماعة، ومن الغريب أن يتحدث عن أخطاء الجماعة ثم يحاول تبرئة قطب والحديث عنه كأنه شهيد، وربط أفكاره المتطرفة بمرحلة السجن.