الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حرب الطاقة.. اللعب على أوتار عنصر الوقت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

راهنت واشنطن وحلفاؤها فى الاتحاد الأوروبى على إطالة الصراع فى أوكرانيا بهدف إنهاك روسيا، فإذا بأصداء العقوبات الاقتصادية تصل إلى مصابيح قصر الرئاسة الألمانى وأوراق التواليت فى حمامات ألمانيا.
اعتقدت الولايات المتحدة وأوروبا أن إمداد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة سيعمل على مد فترة الحرب الدائرة ربما لعدة سنوات؛ بما يؤدى فى النهاية إلى استنزاف قدرات الجيش الروسى، وإضعاف الاقتصاد لتخرج موسكو من هذه الحرب وقد فقدت عناصر قوتها الأساسية؛ حتى لو استطاعت ضم إقليم الدونباسك إلى حدودها الجغرافية، لكنها ستفقد الكثير من الأوراق السياسية ناهيك عن القوتين الاقتصادية والعسكرية.
على ما يبدو أخطأ الغرب فى تقديراته بالنسبة لتأثير عامل الزمن الذى بات سيفًا مسلطًا على شعوب القارة الأوروبية والشعب الأمريكى فى آن واحد.
يقف التحليل السياسي عاجزًا عن تفسير السلوك الأوروبى إذ كيف يظن الساسة الأوروبيون أن انسايقهم وراء الولايات المتحدة لفرض أكثر من 10 آلاف عقوبة اقتصادية وفتح مخازن السلاح المتطور للجيش الأوكرانى سيجعل روسيا تستمر فى مدهم بالغاز الذى تستخدمه مصانع السلاح الذى يرسلونه لاستهداف الجيش الروسى؟!
ربما ظنت أوروبا أن روسيا فى حاجة إلى عائدات الغاز لتغطية نفقات الحرب وهذا ما قالت به فعلًا بعض مراكز البحوث والدراسات السياسية الغربية التى استبعدت إحجام روسيا عن مد الأوروبيين بالغاز أو حتى تقليل كمياته؛ إلا أن الأخذ بهذا الاعتبار من ناحية التحليل السياسى البسيط غير مقنع خاصة وأن حجم العائدات الذى تضاعف بسبب ارتفاع الأسعار كان يؤشر منذ البداية إلى أن تقليل الكميات المصدرة من الغاز سيعوضه ارتفاعات جديدة؛ كما أن الاتفاق الروسى الصينى بشأن شراء الأخيرة للوقود الروسى الأزرق كان معلنًا حتى قبل العملية العسكرية ثم لحقه الاتفاق الروسى الهندى.
التفسير الأقرب للمنطق هو أن الساسة الأوروبيين ربما كانو يدركون الحقيقة منذ البداية غير أنهم لا يملكون بدائل عاجلة مما جعلهم يستسلمون لما سيتخذه الكرملين من قرارات مع آمال بأن تؤتى العشرة آلاف عقوبة اقتصادية ثمارها من خلال إضعاف الاقتصاد الروسى إلى جانب ما قد يحققه الجيش الأوكرانى من نتائج مأمولة بفضل الأسلحة الغربية.
شركة غاز بروم الروسية خفضت إمدادات الغاز الطبيعى إلى القارة العجوز إلى أقل من 20% من الطاقة الإجمالية لأنبوب خط السيل الشمالى (1)، وصحيح أن الشركة بررت ذلك بعطل طارئ بإحدى التوربينات إلا أنها قالت أيضًا أن عملية صيانة وإصلاح توربينات الخط ما تزال غامضة بسبب العقوبات الاقتصادية وكأن لسان حالها يقول لتعلن أوروبا وكندا الجهة المسئولة عن أعمال الصيانة الإلغاء الكامل للعقوبات الاقتصادية بهذا الشأن حتى يمكننا إعادة تشغيل الخط بكامل طاقته.
لكن متحدثًا صحفيًا باسم وزارة الخارجية الروسية كان أكثر وضوحًا وقال ما مفاده أن هذا الغاز الذى نرسله إلى أوروبا يتم استخدامه فى مصانع الأسلحة التى يرسلونها إلى أوكرانيا لضرب المدن والمناطق الروسية واستهداف المدنيين الروس.
مصابيح قصر الرئاسة الألمانى وأوراق التواليت الذى يستخدمها الألمان فى الحمامات تعبر عن حجم الأزمة حيث أعلن مسئول فى القصر الرئاسي إطفاء المصابيح توفيرًا للطاقة، بينما أكد رئيس جمعية صناعة الورق فى ألمانيا أن الصناعة تأثرت كثيرًا وأن بعض المصنع قد تغلق أو تخفض من إنتاجها لاعتمادها بشكل كامل على الغاز الروسى فى عملية التصنيع وهو ما سيؤثر على احتياجات الألمان من أوراق التواليت وعبوات الدواء وورق الصحف وغيرها من المنتجات.
قبل أيام قليلة أعلنت كل من ألمانيا وبولندا إرسال معدات وأسلحة عسكرية ومنظومات صاروخية إلى الجيش الأوكرانى ويبدو أن الخطوة الروسية جاءت لإفهام الأوروبيين أن إصرارهم على هذا النهج، علاوة على عدم جدواه فى حسم المعركة ميدانيًا، فإنه سيتسبب بالإضرار باقتصاد القارة العجوز وربما إنهياره تمامًا وكأن موسكو تخاطب جاراتها من العواصم الأوروبية قائلة: عليكم أن تدفعوا ثمن هذا السلاح الذى أرسلتموه لأعدائنا للخزينة الروسية عبر المزيد من الارتفاعات الجنونية التى بلغت 12% خلال يوم واحد فور اتخاذ قرار تخفيض الكمية المقدرة.
بالوصول إلى هذا المستوى المتدنى من ضخ الغاز الروسى لن تتمتع الحكومات الاوربية حتى برفاهية المفاضلة بين توفير الغاز للمصانع العملاقة، وتوفيره للمنازل لحماية مواطنيها من برد شتاء 2023 ما يعنى غلق العديد من المصانع وخفض الإنتاج لبعضها ومزيد من الغضب الشعبى وهو ما قد يؤدى إلى سقوط سريع لعدد من الحكومات على غرار ما حدث فى بريطانيا وإيطاليا وبلغاريا كتوابع أولية لطوفان العقوبات الاقتصادية على روسيا.
عنصر الوقت الذى راهنت عليه واشنطن وحلفائها فى الاتحاد الاوروبى لهزيمة روسيا جعل من الطاقة سلاحًا فرض نفسه على الروس لتندلع حرب الطاقة التى جعلت منه سيفًا مسلطًا على أوروبا ووقودًا يشعل غضب مواطنيها.. فهل ترضخ أوروبا وتلغى بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وهل تذهب برلين إلى إعادة إحياء خط السيل الشمالى (2) الجاهز لتصدير الغاز والذى أجبرت الولايات المتحدة ألمانيا على إيقافه؟!