الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأبنودي.. 7 سنوات من الغياب يا "رُمّان"

في الذكرى السابعة لرحيله.. "البوابة نيوز" تحتفي بالشاعر الكبير

الشاعر الكبير الراحل
الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الذكرى السابعة لرحيله، تحتفي "البوابة نيوز" بالشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودي أو "رُمّان"، كما كانت قريته كلها تُناديه به وهو طفل، وهو الاسم نفسه الذي ذكره في قصيدته "يامنه". والذي ترك لنا إرثًا لا ينضب من الشعر والخبرة في الحياة.

ولد عبد الرحمن الأبنودي عام 1938، بقرية أبنود بمحافظة قنا، كان والده شيخًا أزهريًا يعمل بالمأذونية، وكأي طفل يحيا في قريته، عمل عبد الرحمن في رعي الأغنام، وفي مهن مرتبطة بالزراعة، واكتفي في تعليمه بالمرحلة الثانوية، وعمل بوظيفة حكومية في محكمة قنا.

لم يُمانع الشيخ الأزهري في البداية محاولات ابنه الشعرية، التي حاول فيها مُحاكاة الشعراء العرب، فكتب محاولات كلاسيكية بالفصحى، ولكن تحوله إلى الكتابة بالعامية أثارت خلافا كبيرا بينهما، ما دفع الشيخ إلى تمزيق أوراق ابنه، فاتخذ عبد الرحمن القرار بالانتقال إلى القاهرة.

ساعد عملية انتقال الأبنودي وقراره بتغيير حياته، التقديم الذي جاء على يد صلاح جاهين في بابه الشهير في مجلة صباح الخير، والذي كان يحمل اسم "شاعر جديد يعجبنى"، فبدأ رحلته في القاهرة مع رفيقيه الراحلين يحيى الطاهر عبد الله، وأمل دنقل، فاستقروا سويًا في العاصمة، ليبدأ الأبنودي في انتزاع مساحة لامعة من التواجد في الوسط الثقافي والمشهد الشعري، ليبرز سريعًا وسط الكبيرين فؤاد حداد وصلاح جاهين، فيؤسس الأبنودي، بالاشتراك مع صلاح جاهين، وسيد حجاب، وسيد خميس، دار نشر "ابن عروس"، والتي أصدرت ديوان الأبنودي "الأرض والعيال"، وديوان سيد حجاب "صياد وجنيه"، إضافة إلى رباعيات صلاح جاهين.

أتمّ الأبنودي دراسته بعد فترة من الإقامة في القاهرة، ليحصل على ليسانس الآداب من جامعة القاهرة في بداية السبعينيات، وخاض تجربة زواجه الأولى من الكاتبة ومخرجة الأفلام التسجيلية "عطيات الأبنودي"، وهو الزواج الذي استمر لسنوات، قبل أن ينفصلا، ويرتبط الأبنودي في مرحلة لاحقة بمذيعة التليفزيون المصرى "نهال كمال"، وينجبا ابنتيه آية ونور.

كذلك قام الأبنودي بجهد كبير في الحفاظ على التُراث الفلكلوري، فعمل ما يقرب من ربع القرن على جمع وتدوين "السيرة الهلالية" من رواتها في صعيد مصر، تونس، ومدن المغرب العربي، حتى صدرت كاملة في خمسة أجزاء تتناول سيرة قبيلة بني هلال ورحلتها من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى الأراضى التونسية شمال القارة الأفريقية. كما أصدر سيرته الذاتية في عدّة مجلّدات حملت عنوان "أيامي الحلوة"، والتي نُشرت متفرقة في الأهرام، قبل أن تصدر في كتاب، ويتمّ تسجيلها في حلقات للتليفزيون.

كانت السيرة والنغمات المُصاحبة للقول والحكي لها تأثير كبير في دفع الأبنودي إلى عالم الأغنية، فسمع الناس كلمات الأبنودي للمرة الأولى بصوت المطرب الشعبى محمد رشدى. هذا النجاح دفع نجوم الطرب والساحة الغنائية إلى السعى للعمل معه، فكان اللقاء بين الأبنودي والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.

كرسي الأبنودي المُفضّل في بيته بالإسماعيلية

الأرض.. عاشت بين ضلوعه

مثّلت "الأرض" قيمة كبيرة من حياة الأبنودي وجزء لا يتجزأ من تكوينه احتفظ به بين ضلوعه في رحلته الطويلة. حتى أنه وجد راحة السنوات الأخيرة بين ما زرعه بيده ورعاه كل يوم منذ كان بذورًا وحتى صار شجرًا يُطلق عليه أسماء أحبابه، فى أرضه ومنزله بمدينة الإسماعيلية.

يحكى «الخال» عن حياته فى تلك الأرض فى أوائل الخمسينيات -وكان لا يزال واحدًا من أطفالها- مؤرخًا فى كتابه النثرى الأشهر "أيامي الحلوة"، الكثير من المواقف. يقول: يقول: «لم أفكر يوما فى كتابة سيرتى الذاتية، فلست نابليون أو هتلر أو بابلو نيرودا، فأنا لا أتعدى أن أكون مواطنًا بسيطًا عاش فقيرًا فى قرية اسمها أبنود، ثم انتقلت إلى مدينة قنا لأعيش فى كنف والدي، بعد طول فراق، لتختلف الحياة قليلًا عما كانت، وما عدا ذلك هو رحلتى الخاصة». 

ولأنى خرجت من القرية وكأنى عصارتها، فقد حملت تاريخها وباطنها ووجهها فى الضمير - دون قصد- وسرت فى الحياة؛ فإننى فى هذه المشاهد التى يحويها هذا الكتاب والتى سأحاول استكمالها فى جزء آخر، إنما أحاول القبض على جوهر الروح ولب الفكرة التى تحكم حياة الإنسان المصرى الأصلى الذى لم يفقد الصفات القديمة للإنسان النيلى بعد». فى «أيامى الحلوة» بدا عشق «الخال» للأرض منذ نشأته طفلًا فى قريته الواقعة فى قلب الصعيد، ظل وفيًا لها فأعطته من خيرها الكثير، صال وجال فى ساحة الشعر والأغنية بينما يده ظلت قابضة على ما يربطه بها، كانت المدينة بالنسبة إليه مرحلة حتى لو طالت، وجد راحة السنوات الأخيرة بين ما زرعه بيده ورعاه كل يوم.

حكى الأبنودي الكثير من المواقف، منها أن أهل القرية فى تلك الفترة لم يكونوا قد رأوا طبيبًا رأى العين «وإنما كان طبيبنا هو ميراثنا الفولكلورى، مما خلفه الأجداد للأحفاد من وصفات وخبرات ومواد مصنعة من بيئتنا، إلى جانب أوراق الأشجار وحجارة الأرض المعطاءة، قبل أن تبنى لنا حكومة الثورة «الوحدة المجمعة» وتعين لنا طبيبًا خاصًا بأهالى قريتنا أبنود بمحافظة قنا جنوب مصر فى صعيدها الأعلى».

من طرائف طفولة «الخال» فى قريته، أنه كان يتغنّى بالقُلل الفخار القناوية التى غنّى لها العظيم الراحل الشيخ سيد درويش، وهى التى كانت تنقذ أهل قنا من الحر المميت، ونالت القلل القناوى شهرتها فى مصر كلها؛ ولكن الأطفال لم تكفهم هذه القلل «ولكنهم كوّنوا فريقًا لمكافحة العطش فى هذه البلاد الحارة، وكان الهدف هو إذا فاجأ الإفطار أحدًا فى الشارع، فيجب أن يجد قُلة باردة فى انتظاره، والثواب عند الله كبير»، لم يجد الأبنودى غضاضة فى أن هؤلاء الأطفال -وهو منهم- كانوا يذهبون لسرقة هذه الأوانى الفخارية، تحت شعار أنها إنقاذ الصائمين «والله سوف يتغاضى عن هذه السرقات البريئة المبررة من أجل الهدف الإسلامى العظيم»، لأنهم فقراء وغير قادرين على توفير هذه الأوانى بأموالهم القليلة.

هكذا مثلت الأرض مكونًا رئيسيًا وتيمة حاضرة فى أعمال الأبنودى الشعرية والنثرية منذ البدايات وحتى وارى الثرى فى أحضانها، لم يكن مجرد ريفي، جاء من الصعيد، إلى العاصمة المزدحمة المليئة بأصناف البشر وهو يحمل الحنين للأصول، وإنما جعلها ساحة لا تنتهى تتجول فيها كلماته.

طقوس الكتابة

الزائر لـ«الكتب خانة» فى بيت الأبنودى، سيجد إلى أقصى يمين الباب عند الدخول مكتبًا صغيرًا عتيق الطراز، والكرسى الموضوع أمامه بدوره يبعث راحة غريبة، ما أن تنظر إليه حتى يدفعك لا شعوريًا لمحاولة تجربته والجلوس عليه، لكنك لا تفعل، فهذا المكتب الصغير هو الموضع الذى شهد ميلاد أغلب أشعاره وأغانيه.

كان «الخال» يستخدم ذلك المكتب، الذى كان يقول إنه سرقه من إحدى الكنائس وعمره يتخطى 50 عامًا، فى الوقت نفسه كان يردد دائمًا مقولة: «أنا بلاقى الشعر تحت المخدة»، وكان يؤكد أن الشعر يأتى له ويكتب نفسه أيضًا «فكان يكتب الشعر فى المطبخ، ويستغرق فى كتابة القصيدة، فلو مر أحد من أمامه لا يراه، لذلك لا يحب أحد يرى أو يقرأ القصيدة وهو مستغرق فى كتابتها».

عندما كان يبدأ فى الكتابة كان يمتنع عن الحديث مع أحد. وحتى مرضه، كان يحب السهر والعمل طوال الليل وبعد أن اشتد عليه المرض التزم بالاستيقاظ مبكرًا، وكان يحرص على إحضار الفسيخ كطقس ثابت فى شم النسيم، وكان يجهز الموائد لضيوفه حبًّا فيهم . فى الوقت ذاته، كان أكثر ما يغضب الخال هو إزعاجه وقت الكتابة. وكان يحرص على قراءة عدد من الصحف المتنوعة، وخصص داخل منزله مجلسين، أحدهما صيفى والآخر شتوى، يجلس فى أيهما حسب طبيعة الطقس.

الأبنودي ونجيب محفوظ

مع الكبار

على جدران «الكتب خانة» فى صومعة «الأبنودي» بمنزله بالإسماعيلية، عشرات الصور التى تجمعه بالكثير من رموز الأدب فى مصر والعالم العربي، تجد على الجدار الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش فى عدة صور تجمعهما معًا، وكانت رغبة «درويش» الأولى فى مصر أن يراها بعيون الأبنودي، حيث اعتاد أن يطبخ له «الخال» بنفسه، وبالتأكيد الأديب العالمى نجيب محفوظ، والذى كان الخال حريصًا على مشاركته جلسة الثلاثاء، فيما كان عبقرى الرواية يحرص بدوره على أن يستمع إليه.

أما صلاح جاهين، الذى كان أول من قدّم الأبنودى للعالم عبر بابه الأشهر فى مجلة «صباح الخير» فى الستينيات، فقد ربطتهما لفترة طويلة صداقة حقيقية؛ وكان من صدفة القدر أن كليهما -جاهين والخال- قد تشاركا فى تاريخ يوم الرحيل وهو 21 أبريل، كما تشاركا جلسات السمر والحديث والشعر والموهبة وعشق مصر.

 حكى فى واحد من لقاءاته التليفزيونية عن علاقته بالشاعر الفلسطينى محمود درويش فقال: «إن من مصدر سعادتى أن أوضع أنا ودرويش فى جملة واحدة، فالناظر لجدران بيتى يجد عليها صور محمود درويش برفقتى أنا وزوجتى وآية ونور، فدرويش يمثل جزءًا من علاقتنا، وجزءًا من صميم حياتنا».

أما علاقة الخال بالأديب العالمى نجيب محفوظ فكانت تجربة مهمة جدًا فى حياة الأبنودي، وكانت زوجته الإعلامية نهال كمال السبب فيها. كان الصديق المشترك بينهما هو الأديب الكبير جمال الغيطاني، الذى اصطحب الخال معه فى جلسة الثلاثاء التى كان يتواجد فيها مع محفوظ والقعيد وزكى سالم ومجموعة كبيرة أخرى من الكتاب. هكذا صار «الخال» من حرافيش الكاتب الكبير، كان يحضر لقاء الثلاثاء مع صحبته، حيث كان يتردد على لقاء الثلاثاء مجموعات مختلفة من الحرافيش لمحفوظ؛ فى الوقت نفسه أحب محفوظ أن يسمع حكاوى «الأبنودي» وأن يسمع منه قراءته لفصول مذكراته التى كتبها بعنوان: «أيامنا الحلوة»، والتى كانت تنشر لفترة طويلة على شكل حلقات فى ملحق جريدة الأهرام، وكان محفوظ يحب أن يقرأ له الخال تلك الحلقات. وكان يغضب فى المرة التى ينسى فيها ملحق الأهرام فلا يتمكن من قراءة ومتابعة سيرة الخال الحافلة بحكايات شعبية رائعة إلى جانب عادات وتقاليد الصعيد، وانبهر محفوظ بكتابة الأبنودي، والتى وصفها أنها كتابة نثرية تشبه الشعر فكأنها قصيدة نثرية.

 أما صلاح جاهين، فكانت بينهما صداقة امتدت لأعوام طويلة، كانت بدايتها عندما نشر له الشاعر الكبير فى 16 نوفمبر 1961،أول قصائده فى مجلة «صباح الخير» فى باب «شاعر جديد أعجبني»، وتناولت تلك القصيدة مشكلة القطن آنذاك، وأعجب بها جاهين، وقرر نشرها مع رسم لأكبر رسامى المجلة.

كتب جاهين فى تقديمه للأبنودى: «أترقب رسائله.. تصلنى أحيانا على ورق أبيض، مقطع سلائخ طويلة كأعمدة الصحف، مكتوبة بإتقان شديد على الآلة الكاتبة.. وأحيانا بالحبر على ورق مسطر، مطبوع على رأسه اسم تاجر خضار وفواكه وقومسيونجى، بمدينة قنا.. وأحيان على «فولسكاب» كبيرة ذات هوامش واسعة».

مع الرؤساء

لكل رئيس من رؤساء مصر السابقين حكاية مع الخال صاحب الكلمات المؤثرة التى أغضبت بعضهم، ودفعت به إلى ظلمات المعتقل، ليقضى أيامًا وصفها بالأفضل فى حياته، لأنه حسب قوله سُجن مع أصحابه فلم يكن بحاجة إلى أى شيء خارج جدران الزنزانة، فـ«الأبنودي» يرى أن ثروته التى يعتز بها هى أصدقائه الذين يلتفون حوله. ووصف الخال تجربة المعتقل بأنها اختبار لحجم الصدق والإيمان والثبات والخوف، وكان يرى نزلاء طره أحرارا وهم بين جنباته، وأن المعتقلين الحقيقيين هم حراسهم.

أحب الخال جمال عبدالناصر وكره من حوله، كان ناصرى الهوى، لكنه لم يُقابله طيلة حياته. دخل معتقلاته، ولكنه أرخ لأهم مشروع بنى فى عهده، وهو السد العالي، مستخدمًا من جوابات الأسطى «حراجي» العامل فى السد العالي، وسيلة لرصد حياة المواطن المصرى الفلاح البسيط.

لم تكن جوابات الأسطى «حراجي» مغازلة للسلطة كما قال البعض، ولكنها كانت بسبب إيمان الأبنودى بمشروع السد العالي، وما له من قيمة كبيرة وعائد على الدولة المصرية، ويقول الخال: «فى عهد عبد الناصر ارتفع صوتى إلى مستويات لم أكن أتوقعها، لاسيما بعد هزيمة عام ١٩٦٧ مباشرة، لقد صرخت كأى عربى أو مثقف بأنه إذا كانت السلطة السياسية قد انهزمت عسكريا فإن الشعب لم يهزم، لأن الشعب وهو الأغلبية الصامتة لم يستشر ولم يشارك مشاركة فعلية فى الحرب، فالحرب ومن أسف تكون دائما للعسكريين، ومن هذه الإشكالية والتناقضات جاءت الفرصة لإعلاء الصوت والصراخ بصوت عالٍ، ولكن هذا لم يمنع من أن نتغنى بكل إيجابيات وإنجازات مرحلة عبدالناصر، المرحلة المضيئة فى تاريخ القومية العربية، كما لم يمنع هذا السلطة من اعتقالي». ورغم ظلمة المعتقل وذل الأسر كتب بعد أكثر من أربعين عامًا قصيدته الخالدة فى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

وكان استقبال الأبنودى لعصر الرئيس أنور السادات هادئًا، وكانت العلاقة بينهما طبيعية، وهى السنوات الأولى التى كتب فيها الخال أغانيه الشهيرة «صباح الخير يا سينا» و«ابنك يقول لك يا بطل»، التى غناها المطرب الراحل عبدالحليم عقب انتصار الجيش فى حرب أكتوبر، وقبلها كان الرئيس متأثرًا كثيرًا بقصيدة الأبنودى «وجوه على الشط»، التى رصد فيها تجربة الحياة والموت تحت نيران الحرب، مُجسّدًا تجربة الفلاحين المصريين على شاطئ القناة خلال حرب الاستنزاف.

وصارت علاقة الأبنودى بالسادات فيما بعد سيئة جدًا، فكان الرئيس السادات بحاجة لشاعر «ملاكي»، مثلما كان صلاح جاهين، شاعر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ولكن الأبنودى رفض هذه العروض التى قُدمت من خلال وسطاء، ولسان حاله يقول: «أنا مش ترزى بفصل على مقاس الرئيس، أنا بقول اللى بحس بيه، سواء يتفق مع الرئيس أو يختلف معاه، المهم إنى بكتب اللى أنا مؤمن بيه».

زادت حدة التوتر بين الأبنودى والسادات، وخاصة بعد اتفاقية كامب ديفيد، ويصف الخال فترة حكم السادات بأنها كانت مختلفة عن فترة حكم عبدالناصر، حيث أصبح صوته شديد الغضب، مدافعا عن كرامة الشعوب العربية، وتحديدا بعد معاهدة «كامب ديفيد»، حيث أغلقت أجهزة الإعلام فى وجهه، فلجأ إلى التجمعات والأحزاب والنقابات، صارخا بأعلى صوته، متحملا فى سبيل ذلك كل أنواع العسف والتوقيف.

استعاد الأبنودى علاقته القوية برأس السلطة، مع تولى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فخرجت الكثير من الأوبريتات الغنائية فى حفلات الرئيس من تأليف الأبنودى، ما ساهم فى تدعيم صورة «شاعر الرئيس» أو «شاعر السلطة» التى لا حقته، وقويت هذه الصورة عندما منحه مبارك جائزة الدولة التقديرية عام 2001، واستمرت ما بين شد وجذب، حتى انتهت بسقوط مبارك فى 25 يناير 2011.

احتك الأبنودي بآل مبارك فى ثلاثة مواقف، أولها كان بعد أن أعجب الرئيس بأغنية «مصر يا أول نور فى الدنيا»، وطلب مقابلته، واتصل مكتب الرئيس بالأبنودى، وأخبره بأن ميعاد اللقاء فى التاسعة صباحًا، وهو الموعد الذى حاول الأبنودى تأجيله لأنه يستيقظ فى الحادية عشرة، ليمتد حواره مع الرئيس لساعات طلب منه فيها فتح المجال للديمقراطية، ورد عليه مبارك: «أنا لو ادّيت الديمقراطية بالشكل اللى أنت بتقوله، مش هعرف أحكم، وآديك شايف حال البلد».

بعد الأحداث والانتخابات التى أدت إلى تولى جماعة الإخوان الحكم فى مصر، كان الأبنودى صريحًا فى الإعلان عن نظرته السلبية تجاه حكم «الجماعة»، وكما أيّد ثورة يناير، وطوال العام الذى تولى فيه مرسى حكم مصر، كان الخال من أشد المؤيدين للخروج عليه فى 30 يونيو 2013، وكتب فى ثورة يونيو قصيدة بعنوان «مكانشى بيبات فيها جعان».

وحتى رحيله عن عالمنا، احتفظ الخال بعلاقة طيبة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكان الوحيد من المثقفين الذى زاره الرئيس قبل إعلان نيته للترشح، وكان يدعمه بقوة، وكتب للسيسى فى حسابه على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» قائلًا : «تحيا مصر.. حَضّن عليها بجناحك، وِاحلم لها بأعزّ صباح، ونام إيديك حاضنة سلاحك، للفتح يا عبدالفتّاح»؛ وفى أيامه الأخيرة كشف عن حديث تليفونى بينه وبين الرئيس للاطمئنان على صحته، حيث أمر بعلاجه بـ«القوة» - حسب تعبير الخال- على نفقة الدولة فى مستشفيات القوات المسلحة».