السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مؤسس بيت الحكمة: العلاقات الثقافية بين مصر والصين في عصرها الذهبي.. «حياة محمد» من أنجح الكتب هناك.. «حياة كريمة» تشبه مبادرة «رغد العيش» الصينية

مدير بيت الحكمة: المشاريع الصينية فى مصر ضخمة للغاية فعلينا استغلال ذلك من خلال إثبات أننا شعب يحترم القوانين ومؤهل لسوق العمل

أحمد السعيد
أحمد السعيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

تمثل تجربة التنين الصينى، نموذجا ملهما لدول العالم، فى النهضة والتحدى والإصرار على النجاح، ولا شك أن أفضل من يكشف لنا أسرار هذه التجربة وخباياها هو المترجم الكبير الدكتور أحمد سعيد مؤسس بيت الحكمة الذى فاز مؤخرا بجائزة حمد للترجمة، ونجح خلال الأعوام الماضية فى أن يتصدر قائمة أشهر المترجمين الصينيين إلى العربية، وإلى نص الحوار..
■ كيف رأيت المجتمع الصينى من الداخل وما السبب فيما وصلوا إليه الآن؟
القانون هو أساس المجتمع الصينى، فكلما كان القانون صارمًا وحازما فى تنفيذه كلما زاد التزام الناس و كان رادعًا لكل المخالفين. فالمجتمع الصينى يقدس الوقت بشكل كبير على سبيل المثال فى ٨ صباحًا يذهب الجميع للعمل، وتفرغ الشوارع تمامًا من الناس، من ١٢ الى ١ و نصف يذهب الجميع لتناول الطعام فى وقت الراحة، تعتبر الـ ٦ مساءً هى ذروة الزحام لعودة الناس لمنازلهم. الإتقان فيما يطلب منهم، ينفذونه دون تفكير أو مراجعة، على عكس الكثير من العمال فى بلدان أخرى ينشغلون بما حولهم أكثر من انشغالهم بتنفيذ أعمالهم، «كأنها مكينة تروس كبيرة وكل شخص ترس صغير يشكلها»، كما أن الشكل الهرمى فى المجتمع الصينى منظم بشكل كبير، فمن فى القمة هو أكثر من يفكر، وفى الدرجة الأقل يقل التفكير ويزيد التنفيذ، أما فى قاعدة الهرم يكون التنفيذ فقط ولا يوجد تفكير، فالترتيب الوظيفى واضح للغاية. كما أن الاهتمام بالتعليم أمر مهم للغاية فالطفل الصينى يمكث فى المدرسة لأكثر من ١٠ ساعات يوميًا، كما أن أهم لقب فى الصين هو «الأستاذ» و ليس غير ذلك. فما يجعل الصين متقدمة التزام الشعب الصينى بالقوانين ووجود من لديه رؤية واستراتيجية فى وضع القوانين هو ما يجعل الصين تتقدم أكثر فأكثر.


■ كيف ترى التجربة الصينية وكيف يمكن لمصر الاستفادة منها؟
- التفوق الصينى ليس وليد اللحظة، هى خطة وضعتها الصين منذ عام ١٩٤٩، كما أنه يوجد عقد غير مكتوب بين الحكومة والشعب بتبادل الثقة، تضع الحكومة قوانين ولوائح وخطط والشعب يلتزم بتنفيذها والشعب لا يتدخل فى سياسة الدولة لأنهم على ثقة كاملة أن ما تقوله الحكومة هو لصالح الشعب، فالمعجزة الحقيقية التى شهدتها الصين هو تحولها من دولة زراعية مستهلكة إلى دولة صناعية منتجة «مصنع العالم»، وذلك لم يحدث إلا عن طريق إجبار الناس على القراءة والكتابة، ثم تعلموا بعد ذلك كيفية قراءة «كتالوج الماكينات»، ثم تعلموا من الأجانب كيفية صناعة الماكينات، بعد ذلك بدأوا فى صناعته بتقنيات أكبر و سعر أقل. الحياة فى الصين باهظة ولايوجد دعم، حتى التعليم ليس بالمجان عدا التعليم الابتدائى فقط على الرغم من كونها دولة اشتراكية شيوعية. فالدولة المصرية يقع على عاتقها عبء كبير فى ظل الدعم التى تقدمه لمواطنيها وفى نفس الوقت إنتاج ضعيف، فمصر ليست دولة منتجة زراعية أو صناعية بشكل كبير. إذا أرادت مصر أن تصل لما وصلت إليه الصين سيكون عن طريق استغلال المميزات التى تتمتع بها مصر، كاستغلال منطقة خليج السويس، تشغيل الشباب فى مشروعات استصلاح الأراضى ثم إنتاج المحاصيل الزراعية، وتعمل على صناعة الجيل الأول ثم الجيل الثانى والجيل الثالث وهى الصناعات الزراعية والصناعات القائمة على الماكينات ثم صناعة العقول التى بدأت الصين فى استخدامها، فالصين الآن تولى اهتمامًا كبيرًا بالابتكار. 
فإذا كانت مصر ترغب فى الوصول إلى ما وصلت إليه الصين لن يكون إلى عن طريق تقوية الدور الحكومى عن طريق ما يسمى «الحوكمة»، وهو أن الحكومة تضع القوانين والخطط سواء كانت طويلة الأمد أم قصيرة، وألا تقتصر المساعدات للقرى والمدن الفقيرة على الطعام والشراب فقط، بل يتحول من مستهلك لا ينتج إلى منتج فقط، عن طريق توفير مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، تعليمهم الحرف المتنوعة. وهذا ما يتجسد فى مبادرة «حياة كريمة» التى تشبه «مجتمع رغد العيش» وهو المشروع القومى للصين.


■ كيف يمكن كسب ثقة الشعب الصيني؟
- المصداقية فى التعامل، الالتزام بالوقت، والالتزام بما يتم الاتفاق عليه، فصل المشاعر عن العمل لأن الصينيين يرون أن شعوب المنطقة العربية شعوب عاطفية عن طريق التعامل مع المشروعات بحرارة بالغة فى البداية ثم يصل الأمر فى النهاية إلى حد البرود، وهذا ما يفسر احترامهم الشديد للشعوب الأوروبية فهى شعوب ملتزمة و منتجة. 
وفيما يتعلق بمصر فهم يرون أن أزمة الشعب المصرى هو الإفراط فى استخدام المعتقدات الدينية والروحانيات فى حياتهم على عكس الصينيين فهم شعوب لا دينية.
وهذا يختلف شكلًا وموضوعًا على المستوى السياسى، فالرئيس عبد الفتاح السيسى زار الصين ٦ مرات، والرئيس الصينى شى جين بينغ زار مصر فى عام ٢٠١٦ وألقى خطابا فى غاية الأهمية داخل جامعة الدول العربية.
على المستوى الاقتصادى، المشاريع الصينية فى مصر ضخمة للغاية فعلينا استغلال ذلك من خلال إثبات أننا شعب يحترم القوانين ومؤهل لسوق العمل، وهذا من شأنه تغيير النظرة الصينية للمصريين بأنهم لا يلتزمون بمواعيد العمل وغير مؤهلين. وفى الوقت ذاته، لا نسمح للصينيين بإجراء أعمال خارجة عن القانون، فإذا ألقينا نظرة على المجتمع الصينى فى مصر سنجد الكثير من المخالفات القانونية، فيجب تفعيل القانون على الصينيين قبل المصريين، حتى نجبرهم على احترام القوانين وهذا الدور يقع على عاتق الأجهزة التنفيذية.
على المستوى الثقافى، فنحن الآن فى العصر الذهبى للعلاقات الثقافية بين البلدين، فالصين تعتبر مصر أهم مركز ثقافى فى أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك عن طريق بيت الحكمة والمركز الثقافى الصينى و٣ معاهد كونفوشيوس، ذلك دليل على أن مصر هى من أهم الدول التى تتعامل معها الصين ثقافيا ليس فقط فى إفريقيا بل فى العالم أجمع. نحن فى حاجة إلى نقل الثقافة المصرية إلى الصين، عن طريق ترجمة الكتب والأعمال السينمائية، وإقامة عروض مسرحية وموسيقية فى الصين، وإنشاء معاهد أدبية مشتركة، فالصين فى الوقت الحالى لديها تجربة عظيمة فى حماية الأرشيف السينمائى والفنى فيمكننا الاستفادة من تلك التجربة، والطلاب المصريون فى الصين عليهم دور كبير فى نقل الثقافة المصرية بشكل أكبر، الطلبة الصينيون فى مصر يجب أن نقدم لهم محاضرات وندوات عن الثقافة المصرية، والأهم من ذلك هو الاهتمام بتدريس اللغة العربية فى الصين كما نحن مهتمون بتدريس اللغة الصينية فى مصر، الاهتمام بوصول إعلام » الميديا» إلى الصين ليس بالطرق التقليدية المطبوعة ولكن بالطرق الحديثة. 


■ ما الكتب التى يمكن ترجمتها من العربية إلى الصينية لتساعد على نشر الثقافة المصرية فى الصين؟
- يجب الاهتمام بترجمة الكتب الفلسفية التى تتناول المجتمع المصرى المعاصر وليس الكتب التى تميل إلى الدين أو السياسة، الكتب الدينية هى كتب ممنوعة فى الصين فأى فكر دينى ممنوع دخوله من الخارج، فإذا أردنا أن نترجم فيفضل الكتب والروايات التى تتحدث عن الأسرة المصرية البسيطة والمجتمع المصرى، على سبيل المثال أعمال نجيب محفوظ المترجمة إلى الصينية وما لاقته من رواج فى الصين، ورواية «واحة الغروب» لبهاء طاهر وهى من الأعمال الناجحة للغاية فى الصين، فعلينا التركيز على الكتاب الذين ينقلون جزءًا من الروح و الثقافة المصرية وليس الجانب الدينى، وإذا أردنا ترجمة كتب دينية فيكون عن طريق الاهتمام بالشكل الفلسفى للجانب الدينى، فواحد من أنجح الكتب فى الصين هو «حياة محمد» فهو يتحدث عن الرسول كشخصية تاريخية دينية من المنظور الفلسفى، وهو ما يمكن غير المسلم من التعرف على الدين الإسلامى بشكل فلسفى يتوافق مع ثقافته، كما أيضًا علينا الاهتمام بترجمة كتب الأطفال التى نبرع فيها، بالإضافة إلى كتب عن علم الإجتماع و كتب تاريخية عن التاريخ المصرى.