الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أسباب تدهور الصحافة المطبوعة ومقترحات للنهوض بها (7)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أوضحت دراسة د. فتحي إبراهيم اسماعيل مدرس الصحافة بكلية الآداب جامعة بنها أن حوالى 19% من إجمالى عينة الدراسة ترى أن من مقترحات تطبيق الاتجاهات الغربية للنهوض بالصحافة الورقية تطبيــق نمــوذج بورتــر للشــراكة التكامليــة ويعنى دراسة القوى التى تؤثر على الصناعة ونعنى هنا بها صناعة الصحافة الورقية.
وتوجد ثمة عوامل تؤثر في صناعة الصحف وهى عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، بالنسبة للعوامل الاقتصادية تعد من العوامل المهمة فى صناعة الصحافة لأن الصحيفة مثلها مثل أية سلعة لها كُلفتها الاقتصادية، وأهم ما يؤثر في كُلفة صناعة الصحافة هو سعر صرف الدولار ذلك لأن مستلزمات صناعة الصحافة أغلبها مستوردة من الخارج مثل أجهزة الحاسبات الآلية ومستلزمات الطباعة وتشمل استيراد المطابع والورق والأحبار، كذلك دور الإعلانات فى تقوية وتدعيم صناعة الصحافة لأن الإعلان كما هو متعارف علية يمثل نسبة كبيرة تكاد تصل إلى أكثر من 70% فى تدعيم صناعة الصحافة والانفاق عليها.
أما العوامل السياسية فتعنى النظام السياسى السائد وطبيعة علاقتة بالإعلام والصحافة وسقف الحرية المتاح لتناول كل الموضوعات وطرحها للمناقشة وتبادل الآراء حولها، أما العوامل الاجتماعية والثقافية فتعنى طبيعة المجتمع وتركيبته وشرائحه المختلفة ونسبة المتعلمين فى المجتمع مقارنة بنسبة الأميين، وكذلك المستوى الثقافى لأفراد المجتمع والتى كلما زادت أثرت ذلك بالإيجاب على رواج الصحيفة وزيادة مبيعاتها، وأيضا دور الدولة فى تدعيم صناعة الصحف والمتمثل فى توجيه الإعلانات الحكومية لكل المؤسسات الصحفية بمختلف ملكيتها ودور نقابة الصحفيين فى مساندة الصحف والصحفيين وتقديم الدعم المالى واللوجستى لتلك الصناعة، كذلك قيام نقابة الصحفيين بالدفاع عن حقوق الصحفيين فى مواجهة ملاك الصحف بمختلف توجهاتهم، وقيامها أيضا بعقد الدورات التدريبية المنتظمة والمستمرة للصحفيين بشكل مجانى وشبة مجانى، من العوامل التى تؤثر على صناعة الصحف عامل التوزيع.
فالتوزيع يعد حلقة الوصل الوحيدة بين الصحيفة والقارئ فبدونها تبور الصحيفة وتفسد، لذلك على الصحف إذا ارادت التنهض عليها التفكير فى إعادة النظر فى إدارة التوزيع وفى نقاط التوزيع بناءً على الكثافة السكانية وعلاقة المضمون التحريرى بمناطق التوزيع، فيجب أن يكون هناك علاقة تواصل بين إدارة التحرير ومسئول التوزيع يتم بمقتضاها توجيه مسئول التوزيع بزيادة النسخ لمنطقة ما أو محافظة أو قطاع بناءً على وجود مضمون تحريرى داخل الصحيفة يتناول تلك المنطقة أو المحافظة، ومن العوامل التى تؤثر على صناعة الصحف كليات وأقسام الإعلام بما تقدمه من مناهج ليس لها صلة بالواقع الصحفى، أيضا مدى التكامل بين ما يدرسه طالب الإعلام والواقع الصحفى وما يتطلبه هذا الواقع من مناهج تتماشى مع متطلبات سوق العمل وما يتلقاه الطلاب من جرعة تدريبية كافية ووافية تساعده على أن يشق طريقة ويمارس مهنته بشكل أكثر مهارة وتطور.
فللأسف الواقع يخبرنا بأن هناك فجوة بين ما يتعلمه الخريج من مناهج وما يتلقاه من تدريب وبين الواقع الصحفى والممارسة على أرض الواقع وهذا راجع إلى ابتعاد معظم أساتذة الإعلام عن واقع الممارسة الصحفية وعدم امتهانهم لتلك المهنة وعدم ممارستهم للمجال الصحفى، فالفجوة كبيرة بين الأكاديميين والممارسين، وهذه الفجوة تتمثل أيضا فى ابتعاد الممارسين والقيادات الصحفية عن الخبراء الأكاديميين وعدم الاستعانة بهم فى الدراسات الصحفية وفى دراسات الجمهور لذلك من الأهمية وجود منظومة متكاملة للتدريب والتطوير الصحفى تشارك فيها الهيئة الوطنية للصحافة ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الاعلام وكليات وأقسام الإعلام بالجامعات المصرية.
ويرى حوالى 25% من إجمالى عينة الدراسة أن من مقترحات إعادة الهيكلة المستقبلية للصحف القومية للنهوض بها إعادة النظر فى أساليب اختيار القيادات الصحفية والإدارية بحيث تأتى من خلال الانتخابات الحرة بين الصحفيين والعاملين، أو من خلال لجان ومجالس مستقلة عن سلطة الدولة وتدخلها. 
إن معايير اختيار معظم القيادات الصحفية فى الصحف القومية غير سليمة وغير مهنية لأنها قائمة على الاعتبارات الشخصية فى الاختيار وليس الاعتبارات المهنية لذا وجب على القائم بالاختيار أن يراعى الشروط والاعتبارات المهنية عند الاختيار، وأن تكون قيادات مهنية لها القدرة على الإدارة والإبداع وأن يكون اختيار القيادات ممن يتميزون بتأييد من جموع الصحفيين فيكون بالانتخاب مثلا كما يحدث فى انتخابات مجلس نقابة الصحفيين ونقيبها، كذلك هيكلة المؤسسات القومية وإلغاء الإصدارات الفاشلة والخاسرة وإعادة دمج بعضها وتحويل البعض الآخر إلى إصدار إلكترونى.
وذهب 38% من إجمالى عينة الدراسة إلى أن من مقترحات إعادة الهيكلة المستقبلية للصحف للنهوض بها إشراك العاملين فى المؤسسة الصحفية فى ملكيتها مع مُلاكها لضمان تطوير الصحيفة، والحفاظ عليها من كافة أشكال الفساد والإهدار؛ فالمشاركة فى الملكية من جانب العاملين فيها يؤدى إلى سعيهم للحفاظ عليها والاجتهاد فى العمل على تطويرها ومحاربة كافة أوجه الفساد قبل أن تستفحل وتستشرى فى المؤسسة، إضافة لذلك هذا الإجراء يحمى العاملين فى تلك الصحف من بطش الملاك والتنكيل بهم وكذلك يحميهم من قيام ملاك الصحف بتصفية بعض العاملين فى هذه المؤسسات وفصلهم وتسريحهم. 
وتؤكد د. فاطمة سيد أحمد الكاتبة الكبيرة بمجلة "روز اليوسف" وعضو الهيئة الوطنية للصحافة فى سلسلة من المقالات التى نشرتها فى مجلة "روز اليوسف" تتناول كيفية إنقاذ الصحافة الورقية "أن وضع روشتة علاج للصحافة الورقية تمثل ضرورة حتمية لإحياء المهنة ورقيًا وإلكترونيًا لتؤدى الصحافة ككل دورها ،والقومية منها بشكل خاص، لأنهما دعائم أساسية من حسابات القوى الشاملة تندرج تحت القوى الناعمة التى لا يمكن الاستغناء عنها، ولذلك فإن «المطبعة» التى تمثل الكلمة المطبوعة التى لا تُمحى فهى سجل شهادة للتاريخ والأحداث تقف بالتوازى مع «المدفع» الذى هو شعار الجيوش العسكرية، فإذا أراد العدو النيل من أى دولة ذات سيادة وحضارة فإنه يسعى لإضعاف وتفكيك «الجيش بكل فروعه والإعلام بكل وسائله بادئ بأعرق ما فيهما»، ولذا فإن البداية تكون الفرد العسكرى الذى سبق المعدة والصحافة الورقية أول وسيلة إعلامية، هذا يتطلب منا حماية ودعم الروح المعنوية ولا نخفض من أذرعها بل نستزيدها لأنها قوة أصيلة لا غنى عنها".
فالصحافة الورقية هى المغذى الأساسى للفيس بوك وتويتر وكل ما هو إلكترونى والأكثر أنها المغذى للإعلام المرئى الذى يرى البعض أنه الأهم، فإذا سقط الورقى أو اندثر لفظ كل ما سبق أنفاسه، ولنسأل أنفسنا لماذا لم تذكر مقولة القضاء على الورقى إلا فى مصر فقط؟ ولنسأل أيضا لماذا عندما أراد الرئيس السيسى أن يخاطب شعب اليونان وفرنسا أدلى بأحاديث فى الصحف الورقية؟، ولنسأل لماذا هبطت شعبية الرئيس الأمريكى السابق ترامب الذى اعتمد على الفيس والتويتات؟، ولماذا نجح منافسه الذى ساندته بقوة الصحافة الورقية؟.
ولنسأل أيضًا من المسئول عن تراجع الشعب المصرى عن القراءة حتى أنه فقد التمييز لجماعة كتبنا عنها وما تنويه للوطن كثيرا قبل 2011، من الذى أوحى للشعب بأن المرئى أسهل له من القراءة ففقد كثيرًا من وعيه ومازلنا نبث له تدارك الوعى حتى يفوق من سبات الإشاعات والأكاذيب؟ ونسأل من المسئول عن النيْل من الصحف القومية خاصة والورقية عامة؟ ونسأل أين ستكون شهادة التاريخ على الأحداث فى الورقى الذى لا يُمحى؟، هل بالإلكترونى الذى يغزوه الهاكر ويغيِّر مضمونه؟ .. إن الصحافة المطبوعة قضية وطن. 
وإلى اللقاء الأسبوع القادم لاستعراض أهم توصيات هذه الدراسة للنهوض بالصحافة المطبوعة.