السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

أوهام الخليفة المزعوم!.. أنقرة تتخذ من ليبيا بوابة للسيطرة على غرب أفريقيا.. وتستخدم الأزمات لتأمين مصدر دائم للطاقة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ترى أنقرة في السيطرة على ليبيا بوابة مهمة لتعزيز النفوذ في الساحل وغرب أفريقيا، وتنفيذ أجندتها التوسعية في العالم العربى من خلالِ بوابة المغرب العربى، ولا تحتاج أدوات التدخل التركى في ليبيا إلى عبقرية لتلمس ملامحها.

فقد جاء دخول تركيا إلى ليبيا بغطاء من المجلس الرئاسى لـحكومة «الوفاق» وتحت عباءة قوى وتيارات إسلامية متشدِدة. حيث وافق البرلمان التركى في ٢ يناير ٢٠٢٠، على مذكرة الرئيس رجب طيب أردوغان التى تتيح إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا دعما لحكومة «الوفاق» في طرابلس التى تعانى قواتها من صعوبات في مواجهة قوات الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر؛ وفى ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٠ وقعت مذكرتا تفاهم بين فايز السراج رئيسِ حكومة الوفاق والرئيس رجب طيب أردوغان، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحيةِ البحرية في البحر المتوسط، وهذا يعنى أن أردوغان حصل على تفويض لنشر قوات في ليبيا، ووفقا لنص التشريع فإن ذلك يأتى بحجة أن التطورات في طرابلس تهدد مصالح تركيا.

أولًا: محفزات التدخل التركى في ليبيا اقتصاديًا وتجاريًا
تسعى تركيا جاهدة عبر مسارات مختلفة، وبالاستفادة من أجواء الحرب الليبية، للخروج بحزمة مكاسب تمكنها من تأمين مصدر دائم للطاقة، إذ ظلت على مدى العشرين عاما الماضية تستورد ٩٥٪ من احتياجاتها النفطية من ليبيا، بل ستسعى لأن تلعب دور موزع النفط الليبى إلى أوروبا بدلا عن المؤسسة الوطنية الليبية للنفط؛ وعمليا بدأت شركة البترول التركية TPAO التى تزيد استثماراتها على ١٨٠ مليون دولار في ليبيا، بالتنقيب عن النفط في ليبيا في أوائل عام ٢٠٠٠، لكنها أوقفت عملياتها عام ٢٠١٤. ثم عاودت العمل مرة أخرى بعد توقيع الاتفاقية الجديدة التى سيتركز التنقيب عن النفط وفقًا لها في المنطقة الاقتصادية الخاصة الموقعة بين تركيا وليبيا، من خلال تطوير مشاريع مشتركة للطاقة في المنطقة التى تسمى بالهلال النفطى. وهناك حضور قوى لعدد من شركات النفط العالمية في ليبيا مثل «توتال» الفرنسية و«إينى» الإيطالية و«كونوكو فيليبس» و«هيس» الأمريكيتين و«فينترسهال» الألمانية.
وفيما يتعلق بقطاع البناء وإعادة الإعمار، تعد ليبيا شريكًا تجاريًا كبيرًا لتركيا في مجال تقديم خدمات المقاولات منذ عام ١٩٧٤م، وبعد أحداث «الربيع العربي» تراجعت صادرات تركيا إلى ليبيا، وتعثرت مشاريعها الاقتصادية التى بلغت قيمتها نحو ١٩ مليار دولار، وتأثرت بذلك العمالة التركية، كما تأثر قطاع السياحة بتقلص أعداد السياح الليبيين في تركيا، وفى محاولتها إعادة أصولها ونشاطها الاقتصادى، والحصول على مزيد من الفرص الاستثمارية خاصة في قطاع البناء والإعمار؛ تحاول تركيا الاستحواذ على جزء كبير من الاستثمارات المتوقعة في ليبيا بمجال إعادة الإعمار والبنية التحتية، بقيمة تصل إلى ١٢٠ مليار دولار.

ثانيًا: الدوافع السياسية والأيديولوجية
ترى تركيا أن حضورها في ليبيا هو مفتاح اللعبة الذى سيعطيها مزيدًا من القوة والتأثير، وتريد أن تثبت مكانتها وتعمق نفوذها هناك لتحقيق عدة أهداف منها: السعى لإحداث نظام إقليمى جديد في المنطقة يجعلها تصعد من لاعب إقليمى إلى لاعب متميز حتى تتمكن من تثبيت ركائز «الإخوان المسلمين» بمنطقة المغرب العربى ومصر.
وعلى المستوى الداخلى التركى ينظر أردوغان إلى كسب نقاط إضافية من جراء العوائد التى سيحصل عليها من تدخله في ليبيا بما سيدعمه في الانتخابات القادمة، إذ يسعى لجلب أصوات القوميين والإسلاميين بإشعال حرب تؤجج المشاعر القومية والدينية، وخلق أزمةٍ على المستوى الدولى من شأنها أن تثير دويًّا في الرأى العالمى. كما يسعى إلى تصدير أيديولوجيته إلى الدول العربية، ويطمح مخططو السياسات الأتراك إلى إنشاء وتعزيز هوية تركية وهمية لدى بعض السكان الليبيين في أجزاء من غرب ليبيا على أساس رواية زائفة للتاريخ مرتبطة بالعصر العثماني؛ ومن أجل تحقيق هذا الهدف يتم الحشد القومى عن طريق أذرع تتفرع من الوكالة التركية (MIT) تقوم بترويج تراث العصر العثمانى واللغة التركية.

ثالثًا: الدعم العسكرى التركى لـحكومة الوفاق
قبل توقيع الاتفاقية بين تركيا وحكومة «الوفاق» كانت تعمل في ليبيا هيئة استشارية تركية برفقة بعض القوات العسكرية، وتوسع الحضور العسكرى التركى بعد أن طلبت حكومة «الوفاق» تدخلًا تركيا واسع النطاق استطاع تغيير مسار الحرب لصالح حكومة السراج. فمذكرة التعاون الأمني والعسكرى المبرمة بين ليبيا وتركيا ومذكرة التفويض التى صادق عليها البرلمان التركى تُتيحان لأنقرة إمكانية تقديم كل أنواع الدعم العسكرى والأمني لحكومة «الوفاق» بما فيه بناء قواعد عسكرية فوق الأراضى الليبية.
ويتم الدعم العسكرى التركى بالسلاح، عبر ثلاثة محاور؛ الأول: يتضمن ما تنتجه تركيا من طائراتٍ مسيرة وحاملات جنود مدرعة مع تسليحها، ومضادات للدروع والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، والثانى: يشمل الأسلحة القديمة في مخازن الجيش التركى من طائرات ومدرعات ودبابات ومدفعية، أما المحور الثالث: يتم عبر شراء أسلحة أوروبية شرقية أو أمريكية، لصالح الجيش التركي، ومن ثم إرسالها إلى الميليشيات في ليبيا، مع الحصول على مكاسب مادية من إعادة البيع.
من ناحية أخرى، يتمتع أردوغان وحكومته بعلاقات قوية مع ميليشيات مسلحة ليبية، وتستهدف تركيا في علاقتها مع هذه الكتائب والميليشيات توظيفها في حرب بالوكالة، لكون الرأى العام التركى قد يعترض على تعرض الوحدات التركية النظامية لخسائر بشرية مباشرة.
كما نشطت تركيا، عبر الفصائل العسكرية السورية الموالية لها في تجنيد آلاف المقاتلين السوريين للقتال في ليبيا. وتشير معظم التقديرات إلى أن عدد المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم أنقرة إلى ليبيا تجاوز عشرة آلاف مقاتل. وصلت طلائع هؤلاء المقاتلين أواخر عام ٢٠١٩ إلى تركيا، ثم نُقلوا إلى ليبيا مقابل وعود بمرتبات شهرية وخدمات الإعاشة والسَكن التى ستقدمها لهم حكومة «الوفاق» في طرابلس، وتحرص تركيا على استخدام المرتزقة على الرغم من أن القانون الدولى يمنع تجنيدهم واستخدامهم في القيام بأعمال مسلحة أو إرهابية لتحقيق هدفين؛ الأول: يتمثل في حل مشكلة تدفق هذه العناصر المسلحة لتركيا، إذا ما نجح الجيش السورى في إكمال سيطرته على أراضى الشمال، مما يخلق عبئا على الداخل التركى؛ والثانى: هو دعم حكومة السراج وتحقيق نفوذٍ تركيٍ أكبر في ليبيا.
هذا وتسعى تركيا إلى المحافظة على تواجُد المشروع الإخوانى في شمال أفريقيا خصوصًا بعد تراجُعه في تونس والجزائر ومصر، وفى حال نجحت في ذلك فيُمكن أن تصبحَ ليبيا مرتكزًا لتنظيم «الإخوان» في الإقليم ونقطةً لإعادة الانطلاق بعد خسارة نفوذهم السياسي؛ وتُعدُّ ليبيا هى الموقع المثالى الآن لهذا التواجد، لعدَّة عوامل بعضها يتعلق بإمكاناتِ ليبيا وموقعِها الجغرافى بين مصر وباقى دول المغرب، ومواردها وثرواتها الغنية.