الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

دير دخول السيدة الأشرفية.. مؤسسة الحياة الرهبانيّة في أبرشيّة بيروت

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن للمرء أن يقرأ تاريخ دير دخول السيدة الى الهيكل في منطقة الأشرفية بيروت الممتد من عام 1888 الى يومنا هذا من دون أن يقف متأملاً ومنذهلاً في الأحداث والمصاعب التي واجهت المتوحدات منذ اليوم الأول من بدء حياتهن النسكية، ومنذهلاً أمام عزمهن الذي لا يقهر وقدرتهن على الأحتمال وأيمانهن الذي نقل الجبال. 
هضبة الأشرفية التي تشرف على البحر ويلامس سفحها مجرى نهر بيروت هي المكان الذي أختارته الحاجة كاترين لبناء الدير أذ تكمن أهميته في أنه يقع على الحدود بين منطقة السيوفي الغنية، ومنطقة كرم الزيتون التي يقطنها، بعامة، أحفاد المسيحيين الذين نزحوا من حوران، في العام 1925. وهكذا أصبحت كنيسة السيدة مكان ألتقاء المؤمنين من خلفيات أجتماعية متباينة. 
تاريخه
الحاجة كاترين كركبي هي مؤسسة الحياة الرهبانيّة في أبرشيّة بيروت، وهي ابنة نعمه جهشان وأمّها تدعى مريم. ولدت عام 1848 وتربّت تربية مسيحيّة صالحة وعندما بلغت اثنتي عشرة سنة أرغمها والدها على الزواج من شاب مسيحي شريف يعمل في تجارة الجواهر يدعى جرجي كركبي. فقدت كاترين زوجها وهي ما زالت في ريعان الشباب بعدما عاشت معه بضع سنين بهناء وسعادة دون أن يُرزقا بأولاد، . بموت زوجها تحرّرت كاترين من القيود الزوجيّة فوزّعت أموالها على الفقراء والمساكين وحملت الصّليب على عاتقها وتوحدّت على طريقة النسّاك سنة 1888.
بدأت حياتها الرّهبانيّة في بيتها في محلّة الخندق الغميق. بدأت لوحدها ثم قصدتها بعض الفتيات الرّاغبات بمشاركتها الحياة الرهبانيّة. المثلّث الرّحمات المتروبوليت غفرائيل شاتيلا هو الذي صيّر الأخت راهبة قانونيّة وذلك في سنة 1898 والمثلث الرحمات المتروبوليت جراسيموس مسرّة وشّحها بالإسكيم الملائكي ثانيّة عام 1902 بعد أن كانت قد حصلت عليه سنة 1900 من قدس الأب فيليبس رئيس دير مار سابا . وفي يوم الأربعاء من أسبوع الفصح في العشرين من نيسان سنة 1905 أثناء زيارتها للأماكن المقدسة قلّدها البطريرك الأوراشليمي ذاميانوس الأول صليب إنكار الذات. 
ظهر في عالم الحاجة كاترين عام 1889 زوجان هما ديمتري غلام وسعدى ابو الروس غلام شغفا بتعاليم الحاجة كاترين وبروحها العذبة، أصيبت يد ديمتري غلام بشلل فلم يعد يقوى على العمل وعجز الأطباء عن شفائه، فلجأ مع زوجته الى الحاجة كاترين التي صلّت على يده ودهنتها بزيت مقدس وسألت ديمتري أن يأتي كلّ يوم ليدهن يده حتى تشفى. في طريق العودة طلبت سعدى من زوجها أن ينذر أنه إذا شفيت يده يهتمّ ببناء دير للمتوحدة كاترين وللعذارى اللواتي معها. وهكذا كان، فقد شفيت يد ديمتري وشرع مع زوجته يعملان على إيفاء النذر، فذهبا بصحبة الأم الرئيسة والمبتدئات اللواتي بدأنَ يفدنَ إليها منذ عام 1912 ومنهنّ الحاجة أفدوكيا مجدلاني أول تلميذة لهذه الرهبنة والحاجة ماري قربان، واختاروا بستاناً في سفح الجبل يبعد عن الضوضاء والحركة، وبعد ثلاثة أيام شرع ديمتري غلام بحفر الأساسات بيده لبناء الدّير والكنيسة وزوجته سعدى كانت تعمل أيضاً في البناء وتقصد ذوي الغيرة وأهل البرّ وتجمع ما يجودون به وتقدّمه من أجل بناء الدير. وما لبث أن شاع خبر هذا العمل فاندفع ذوو الغيرة والتقوى وساعدوا في البناء والمال. أما الأم الرئيسة والمبتدئات فكنّ يعشنَ في محلّة الخندق الغميق في بيت الحاجة كاترين التي أطلقت عليه اسم " كوخ العذارى الساهرات " وفي سنة 1908 أنشأت الأم الرئيسة قانوناً رهبانيّاً أسمته "قانون العذارى الساهرات".
في 21 أكتوبر – الموافق لعيد دخول السيدة الى الهيكل – عام 1909 ، وفي احتفال ديني كبير برئاسة المتروبوليت جراسيموس تمّ تدشين وتكريس الدّير الجديد والكنيسة وأطلق عليهما اسم دير دخول السيدة، ويجدر بنا أن نذكر أنه لم يكن للدير أية قطعة أرض ملاصقة له ولم يكن له أملاك على الإطلاق . لكن البناء الذي أقيم في حينه لا يشكلّ سوى جزء بسيط من الدير الحالي إذ كان يتألف من كنيسة صغيرة وثلاث غرف لجهة الجنوب وغرفة طعام ومطبخ .
في غضون الحرب العالميّة الأولى فقدت الأم كاترين فانتقلت الى الأخدار السماويّة غلس نهار الثلاثاء في 10 مايو 1915، وترأس الصلاة سيادة المتروبوليت جراسيموس مسرّة، ودفنت في قبر جديد ملاصق لدير بنته خلال زمن ترؤسها له. 


الراهبات الذين تعاقبوا على رئاسة الدير
- الحاجة كاترين كركبي ( 1909 - 1915) - مؤسسة الدير - 
- الحاجة ماري قربان ( 1915 - 1929 )
- الأخت أفدوكيا مجدلاني ( 1929 - 1954)
بعد وفات الأم أفدوكيا عينت نائبتها الحاجة نسطاس أيوب رئيسة بالوكالة لمدة وجيزة، ثم أستلمت الحاجة تقلا عازار بالوكالة أيضاً رئاسة الدير لمدة سنة ونصف السنة. بعد ذلك صدر مرسوم عين بموجبه المتروبوليت أيليا الصليبي عدداً من الراهبات، لأدارة شؤون الدير، فعاشت الراهبات من دون أم رئيسة وكن يهتممن بتدبير شؤون الدير سوية. وكان يخدم الدير في أثناء هذه المدة الخوري أيليا برباري الذي خلف الخوري أسبيردون مسرة ( خليفة الأرشمندريت ثيوفانس هلال) بعد وفاته عام 1974، فحل محله الخوري يوحنا عبد الكريم الذي خدم الدير حتى سنة 1987، ومن ثم تسلم خدمة الدير والكنيسة الى اليوم الخوري الياس فرح.
يجدر بالذكر أنه في 4 ابريل عام 1964، عين المتروبوليت أيليا الصليبي الأخت ماريغو تبشراني رئيسة للدير وسارت على خطى الأم كاترين المؤسسة والأم أفدوكيا، واليوم الدير بعهدة كاهن الرعية، بطلب من سيادة مطران بيروت. 
أما عن أيقونة والدة المسيح العجائبية
أنها أيقونة قديمة جداً للسيدة العذراء، تعود الى العام 1915، يبلغ أرتفاعها حوالي المترين، وهي ضمن أطار خشبي ضخم، تصور هذه الأيقونة والدة الأله تحمل طفلها يسوع وهما متوجين بأكليلين من الفضة، ومتلحفين بثوبين منقوشين فضيين، وتحمل مريم منديلاً أحمر قائماً، ويرتدي يسوع رداء أزرق. أستقدمت الأيقونة في مطلع القرن التاسع عشر الى الكنيسة بواسطة مؤسسة الدير الأم كاترينا، وهي أيقونة عجائبية اذ بكت في العام 1975 في بداية الحرب اللبنانية وهي لاتزال تحمل الى اليوم أثر مجموع الدموع. وفي منتصف الثمانينات رشحت زيتاً، وتكررت هذه الظاهرة في شهر مارس من العام 2007. ومن تحف الدير أيقونة للقديس جاورجيوس من الرخام المزيين بالعربسات ، وأيقونسطاس خشبي متقن صنع في سنة 1909. 
الجدير بالذكر انه ما تزال الراهبات في دير السيدة يتبعن النظام الأورشليمي القديم، الذي يعتبر الدير ملجأ للمضطهدين والمحزونين والبؤساء، أضافة الى كونه مكان تأمل وحج، كما وترتدي راهبات الدير اللباس التقليدي أي الثوب الأسود الذي يغطي كل أجزاء الجسد ما عدا اليدين والوجه، وهو أشبه بالباس التقليدي لنساء منطقة حوران. وقد دونت الأم كاترين كركبي، في العام 1915 القواعد الخاصة بالمبتدئات على أحد جدران الدير. فالفتات التي ترغب بالأنضمام الى الرهبنة، عليها أرتداء اللون الرمادي والتردد على الدير لسنة ونصف السنة. وأذا ثابرت على التزامها فتخضع لأمتحان، وترتدي اللباس الرمادي لثمانية أشهر أضافية. ثم عليها أن ترتدي اللباس الكحلي اللون لمدة سبعة أعوام. وخلال هذه الفترة التجربية تستطيع المبتدئة أن تترك الدير من دون خجل أو الشعور بالعيب.