السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خاص جدًّا إلى محمود الليثي!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هو من أبناء جيله من المطربين الشعبيين مميز بصوته العريض متعدد الطبقات، لم يكن وحدى من اعتبره الوريث الشرعى لمدرسة محمد رشدى والعزبى، كثيرون من متنوع الأذواق شاركونى ذات الرأى.
سمعته صدفة منذ سنوات يغنى لرشدى وشعرت حينها بخسارة فادحة فقد أهدر هذا الشاب صوته فيما لا يغنى ولا يثمن من جوع للفن والطرب، استهلك حنجرته تلك الجوهرة حسب ظنى في إيقاعات وصراخ قصر عمره وهبط فنه.
ومع ذلك لهذا الشاب أغانٍ بها بعض من رائحة الفن والموسيقى لكن يبقى صوته ذهبيًا قادرًا على تغيير المزاج العام فقط إذا وجد من يوجه إلى الكلمات ذات المعانى والمقاصد الاجتماعية الرصينة والموسيقى التى ترقص معها الأرواح.
واقعة الطفل المعتدى على أمين الشرطة وصاحب الفيديوهات المسيئة للمجتمع نجل القاضى السبب المباشر لهذه السطور التى تخاطب وريث حناجر الغناء الشعبى الأصيل.
لا بد أن القاضى قد أهمل في تربية وتنشئة صغيرة على الخلق الحميد، لكن دائمًا كان هناك آباء مهملون في تربية أبنائهم حتى في تلك العقود السحيقة التى لا تفصلنا عنها سوى بضعة عقود نسميها اليوم "الزمن الجميل".
لم يكن الانفلات الأخلاقى والانفجار بكل هذا الانحطاط في وجه المجتمع يصل إلى هذا الدرك الأسفل.
نعم هناك أسباب عدة بعضها سياسى وبعضها اجتماعي وثقافى واقتصادى، لكن تأمل معى عزيزى القارئ هذه الزاوية فقط للأمر فلربما يكون في إصلاحها أو على الأقل تهذيبها وترشيدها بارقة أمل محدودة جدًا إلى أننا بأمس الحاجة لها.
في عصر الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات لم تعد الأسرة العامل الحاكم في تربية أبنائها، ثمة عوامل خارجية أكثر تأثيرًا، هذه السطور تتأمل فقط في تأثير هذا النوع من الأغانى والموسيقى الذى سيطر خلال العقدين الماضيين.
صخب وضجيج إيقاعات سريعة تحفز على العنف، كلمات تقود أصحابها إلى غياهب السجون بتهمة خدش الحياء العام، الفعل الفاضح، بل ويمكن القول بالتحرش الجنسى بالمجتمع بأسره.
مهرجانات تعج بالعشوائيات بكل تفاصيلها ومفرداتها، لا يمكن الاستماع إليها إلا بعد رفع مستوى الصوت لأقصى درجة مع تناول حبوب الترامادول أو ما شابه من أردأ أنواع المخدرات، التوكتوك أو السيارة المسرعة المكان الأنسب لتشغيلها.
مهما تعرض الطفل أو المراهق أو الشاب الصغير لخطابات وعظية من أبويه أو رجال الدين أو معلميه في المدرسة، لن تفلح تلك الدروس في اختراق وعيه وتهذيب سلوكه، فتلك الحالة من الصخب والضجيج التى يستمع إليها أبناء كل الفئات والطبقات باختلاف مستوياتها التعليمية والثقافية والاقتصادية قد نجحت في حصار ذلك الشباب الصغير داخل سياج جعلت من التمرد الطبيعى الذى يمر به أى إنسان في تلك المرحلة العمرية حالة من الهياج المتواصل والرغبة في تدمير كل شيء وتجاوز كل الخطوط الحمراء دونما أى وازع.
لا مجال للحديث عن الإعلام فسرادق عزائه قد نصب منذ زمن لكن يبقى الفن - وهو أحد أشكال الإعلام- ما يمكن المراهنة عليه على الأقل في هذه اللحظة.
محمود الليثى يستطيع بموهبته وما يتمتع به من حب وشعبية تغيير المشهد ولو جزئيًا، ربما يكون القاطرة التى تتبعها باقى العربات على المسار الصحيح، فقط إذا وجد كلمات تحمل في مضمونها تلك المعانى المصرية الأصيلة التى تغنى بها العزبى ورشدى والمطرب الشعبى ذائع الصيت بين المصريين البسطاء عبده الإسكندرانى أو حتى المطرب الشعبى الجميل عبدالباسط حمودة.
خطر لى أن محمود الليثى قد يكون سببًا في أن يذهب أبناء جيله إلى تقليده خاصة أنه يتمتع بجماهيرية قد تساعده على تحسين ذوق الجمهور العام.
لست إلا واحد من المعجبين بحنجرة هذا الشاب حتى لا يظن أحدهم في هذا المقال شبهة مجاملة، لكنه التفكير في تلك المعضلة، كيف لأبوين ضمان نجاح تجربتهما في تربية أبنائهما بينما البيئة المحيطة على ذلك النحو المعقد.
في السنوات الأخيرة انتبهت الدولة لدور الدراما، فكان أمير كرارة وأعماله وإن عابها سيطرة الطابع التسجيلى والخطابى - لكن لابأس- فكل تجربة تمر بعدة مراحل حتى تصل ذروة نضوجها؛ لماذا لا تتكرر مع المطربين الشعبيين الأكثر انتشارًا وتأثيرًا داخل كل أحيائنا الراقية والشعبية على حد سواء على أن تترك المساحة كاملة للإبداع الفنى ومصر لن يعوذها المبدعون والشعراء وكتاب الأغانى والملحنون الحقيقيون فقط نفتش عنهم جيدًا، وندعمهم دونما محاولة لفرض صياغات موجهة.
هى مجرد تأملات استغرقتنى خلال الأسابيع الماضية على خلفية انشغالنا جميعًا بهذا التساؤل.. هل تستطيع دار رعاية الأحداث إصلاح ما أفسده الأب القاضى؟!