الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

محمود صبرة يكتب: شعب واحد.. حكايتى مع مينا

محمود صبرة
محمود صبرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنا ولا زلنا وسنبقى أبد الدهر شعبا واحدا مسلمين ومسيحيين، هذا ما تؤكده حقائق التاريخ وحركة البشر اليومية بطول مصر وعرضها.
عبارة تضرب ذاكرتى كلما هاتفنى «مينا» من وراء البحار حيث يقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية بعد أن استقر به الحال في الولايات المتحدة مع أسرته الصغيرة.
عشرون عاما مضت على تخرجنا في قسم الفلسفة بآداب طنطا ولم ينس مينا يوما الاتصال بى في العيدين الفطر والأضحي، ولم أترك أنا طوال هذه السنوات الاتصال به لتهنئته بعيد الميلاد وعيد القيامة.
وفِى كل اتصال بيننا لا يفوته أن يطلب منى قراءة الفاتحة له في مقام السيد البدوي، حيث بداية عبور العلاقة بيننا من الزمالة إلى الصداقة.
كنا في امتحانات السنة الجامعية الأولي، وكان موعد بدء اللجنة في الواحدة ظهرا فاخترنا كـ «شلة» أن نلتقى في مسجد السيد البدوى كأقرب مكان لكلية الآداب «القديمة» يمكن أن نلتقى فيه ونراجع مادة الامتحان بعيدا عن حر يونيو الذى يحيل الشوارع إلى أفران مفتوحة، ومن السهل أن نلحق بعد ذلك بلجنة الامتحان في الواحدة بعد الظهر عبر شارع عثمان محمد الذى يتقاطع رأسيا مع المسجد الأحمدي، في أقل من خمس دقائق.
خيم الوجوم على «مينا» ولاحظت شروده.

- مالك يا ابني؟

- مفيش

- لاء مالك فيه إيه؟

- ما انتو بتقولوا هتروحوا المسجد علشان تراجعوا وتصلوا الضهر قبل بداية الامتحان.

- طيب وإيه يعني.

- وإيه يعنى إزاي.. واقف أنا أنتظركم في الشارع؟

- لاء طبعا هتيجى معانا المسجد.

- طيب ولما تقفوا تصلوا أعمل أنا إيه؟

- لو حابب تصلى الضهر معانا مفيش مشكلة.. ولو مش حابب قبل ما يقيم الصلاه مباشرة تروح الحمام وبعد عشر دقايق هترجع تلاقينا خلصنا.

ابتسم مينا ولم يعلق رغم بعض التوتر الذى بدا عليه، وسرنا جماعة إلى الجامع، وخلع حذاءه ودخل إلى جانبنا وهو يتلفت يمينا ويسارا خشية أن يراه العامل الجالس على أريكة خشبية على الباب.

جلسنا جميعا نراجع المادة حتى أذان الظهر، والتزم مينا وفق الخطة الموضوعة بالذهاب إلى الحمام قبل إقامة الصلاة وعاد بعد أن انتهينا، لنخرج جميعا إلى لجنة الامتحان.

بعد أداء مادة اليوم الأول اتفقنا على أن نلتقى في اليوم الثانى داخل المسجد مباشرة، وانتظرنى مينا في الخارج لندخل سويا، وفِى اليوم التالى وقفت طويلا أمام المسجد أبحث عن مينا فلم أجده، فقررت بعد طول انتظار أن أدخل ففوجئت بمينا يشير إليّ من داخل المسجد فقد مل الوقوف وحيدا بالخارج وقرر أن يعبر باب المسجد وحده دون انتظارى لينضم إلى «الشلة»، حيث يأتى معظمهم مبكرا بسبب ارتباطهم بمواعيد قطارات محددة تجبرهم على التواجد قبلنا بساعة على الأقل.

- الله الله رجلك خدت على المسجد يا مينا وبقيت تدخل لوحدك

يضحك مينا وهو يؤكد أنه أيضا قرأ الفاتحة للسيد البدوى قبل أن يجلس في المكان الذى خصصناه أسفل إحدى المراوح منذ اليوم الأول في الامتحانات.

أصبحنا نتفاءل بالمكان، ومرت السنوات الأربع ولم يتخلف مينا عن اللحاق بِنَا أو انتظارنا للحاق به داخل المسجد هروبا من الحر وطلبا لمدد السيد البدوى في كل مادة «عويصة».

فرقتنا السنون في مشارق الأرض ومغاربها وابتعد الجميع عن العيون وظل مينا في القلب، يطلب عن بعد قراءة الفاتحة له في السيد البدوى مع كل اتصال.