الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحويلات المصريين فى الخارج ودور البنك المركزى فى تنميتها والحفاظ عليها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طبقا لأرقام البنك المركزى المصرى التى تم إعلانها رسميا فى بداية هذا العام، بلغت تحويلات المصريين بالخارج خلال شهرى يناير وفبراير 2020 ما يعادل 5.7 مليار دولار. ومعنى ذلك أنه لو استمرت تلك التحويلات بذات المعدل لبلغت ما مجموعه 34.2 مليار دولار خلال عام 2020، وهو رقم هام وحيوى ومؤثر بكل معنى الكلمة.
هذه التحويلات من أهم مصادر الدخل الصافى للدولة، فقناة السويس على سبيل المثال إيراداتها السنوية فى حدود 6 مليارات دولار، فإنه يتم استهلاك جزء معتبر من تلك الإيرادات السنوية كمصروفات، أما العاملون فى الخارج، فإضافة إلى تحويلاتهم، فهم يوفرون على الدولة مأكلهم ومشربهم وعلاجهم وملبسهم ومسكنهم، وربما تعليم أبنائهم وبناتهم.
فإذا كان هذا هو الرقم الرسمى للتحويلات، فلا بد أن الرقم الحقيقى يزيد على ذلك، نظرا لوجود قنوات غير رسمية «وإن كانت قد تناقصت كثيرا بعد القرار الحكيم بتعويم الجنيه المصرى»، ونضيف إلى ذلك أن هناك بعض المصريين العاملين بالخارج، يحتفظون بجزء من مدخراتهم فى حساباتهم البنكية فى البلاد التى يعملون بها، وهى ثروات ستعود حتما إلى مصر إن عاجلا أو آجلا، بعد انتهاء فترة عمل أصحاب تلك الحسابات فى الخارج.
وفى ظل جائحة كورونا، وفى ضوء مبادرات البنك المركزى العملاقة، بقيادة محافظه العالمى المتميز طارق عامر، والتى شملت قطاعات الصناعة والسياحة والمقاولات والزراعة وغيرها، حيث كانت تلك المبادرات طوق النجاة لضخ الدماء وإعادة الحياة إلى تلك القطاعات، وإلا لتم تدميرها وضاعت استثماراتها وضربتها البطالة، ولتم تعجيز الاقتصاد المصرى لعشرات السنين المقبلة، وهو ما لم يحدث.
وأجد أن قطاع العاملين بالخارج، لا يقل أهمية عن تلك القطاعات التى تمتعت بمزايا مبادرات البنك المركزى، فأجد لزاما على البنك المركزى مد مظلة مبادراته لتشمل قطاع العاملين فى الخارج. حيث إن بضع مئات من الدولارات، قد تكون الفيصل بين صمود العامل أو الموظف المصرى وبقائه فى الخارج حتى تتحسن ظروف صاحب العمل، وبين رحيله وعودته إلى مصر. حيث إن جائحة كورونا لم تضرب مصر فقط، بل ضربت العالم أجمع.
وعلى السادة المسئولين فى مصر أن يعلموا، بأن عودة مصرى يعمل فى الخارج، لا تعنى أن مصريا أخر سيسافر ليحل محله، بل تعنى فقد التحويلات لهذا المصرى، ومن ثم تأثيرها السلبى على الاقتصاد المصرى، وأتذكر عندما كنت عضوا بمجلس إدارة الهيئة العامة لتخطيط مشروعات النقل، كخبير من خارج الهيئة «وهى هيئة يرأس مجلس إدارتها وزير النقل» وكان ذلك منذ 20 عاما، حيث عرض نائب رئيس الهيئة مشروع قرار بعدم مد الإجازات بدون مرتب لجميع موظفى الهيئة الموجودين فى الخارج، إذا لم يعودوا للعمل بعد انتهاء الحد الأقصى لتلك الإجازة. ووجدت استجابة جماعية من الجميع للقرار. فطلبت الكلمة من الوزير الدكتور المهندس إبراهيم الدميرى، وقلت إن ذلك معناه أنكم تخالفون استراتيجية الدولة بتعظيم مصادر العملات الصعبة وتوقعون الضرر بالاقتصاد القومى وتحرمونه من أكبر مصادره للعملات الحرة. كما أن الموظفين الموجودين فى الخارج يوفرون عليكم مرتباتهم وتأميناتهم وغير ذلك، وأن المصرى الذى سيعود سيحل محله موظف من جنسية أخرى. وأشهد الله أن الدكتور الدميرى اقتنع على الفور بكلامى وتم صرف النظر عن مشروع القرار. واستقلت من هذه العضوية ولا أعلم ماذا تم فى السنين التالية.

ملخص القول: أقترح أن يفتح البنك المركزى المصرى، عن طريق البنوك التجارية المصرية العامة «وكلها لديها مراسلون فى الخارج» فرصة تقديم قروض معيشية للعاملين فى الخارج «وخاصة فى الدول العربية» لدعم تلك العمالة على الصمود والبقاء فى وظائفها فى الخارج وعدم تركها لحين تحسن الظروف، ومن السهولة بمكان تبسيط الإجراءات والمستندات والضمانات، ويمكن الاستعانة بجمعيات واتحادات المصريين فى تلك الدول.
هذا النبع الغزير، لا نريد فقده أو إضعافه، حتى لو تكبدت الدولة بعض الخسائر. ولو حسبنا كم العملات الحرة لتحويلات المصريين فى الخارج منذ 1975 حتى الآن، لعلمنا كم قدم هذا القطاع من خدمات ودعم للاقتصاد المصرى، وكم ضخ فى شرايينه من دماء زكية، ساعدته على مواجهة التحديات. 

وختاما: إن الدعم الاقتصادى من البنك المركزى لهؤلاء العاملين، هو رد جزء بسيط من الجميل الذى قدموه، وتبعات الغربة التى تحملوها، وفراق الأهل الذى عانوه.