السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الرهان الفكري في رواية "الشيخ مينا" لـ "تامر صفر"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"كم هو صعب أن تعيش حياتك في صراع دائم، دفاعًا عن مبدأ أو فكرة، إن أمرًا كهذا يتطلب منك التحلي بالكثير من الإيمان، بذاتك وقدراتك حتى أن تكون مستعدًا لخوض معارك فكرية تدفعك للاصطدام بآراء غير آرائك وأفكار غير أفكارك، سيتحتم عليك ألا تسرف في السعادة حين يثني عليك أحدهم وألّا تكون حاقدًا على ذلك الذي سيتهمك بأبشع التهم، سيتحتم عليك الصمت واللامبالاة حين يوصمونك بالجنون أو الإلحاد أو إدمان الشهرة".
هكذا جاءت أطروحة الكاتب "تامر صفر" في روايته "الشيخ مينا " الصادرة عن دار بدائل في 174 صفحة حاملة بداخلها أطروحات متعددة وتدفع القارئ إلى حلة من حالات التخيل البصري والزمني عند الانخراط في تلك الرواية التي تعد علامة متميزة في البناء الأدبي والفني بما تحمله من رؤى متعددة،وصراع مشوق بين شخوص أراه قد أحسن الاختيار في المسميات الزمنية والمكانية لتحريكها لهم على مسرح الرواية من خلال تبني نظرية سردية في غاية الجمال حتى أن القارئ لا يمكن الهروب فيما بين السطور بما تحمله من إسقاطات رمزية أضافت إلى النص الأدبي الكثير من القيم الأدبية التي ينميز بها الكاتب،فهو يعشق عالم المغامرة بكل مؤثراته الزمنية والمكانية ونسج حكايات مترابطة المضمون والأفكار والرؤى تأسر القارئ داخل مكنون اللغة الجميلة بأفكار وصراعات تحلق فيها بكل استمالة وإثارة ثم تهبط في نهايات منطقية ليولد عالم جديد في واقع حياتي جديد،كان الكاتب متسلحا بسلاح الروايات التاريخية التي تحمل في مضمونها أفكار تراثية عظيمة نحتاج اليها في وقت تدخلت فيها الأفكار والرؤى الضالة إلى مجتمعاتنا في ظل غياب القدوة الرشيدة التي تحمي البلاد من هو المصائب التي ذقنا مرارتها من هؤلاء الضالون فكريا من مختلف الطبقات الاجتماعية، ونجح الكاتب في الانطلاق بنا من عتبة الفكر والثقافة مؤكدا ان نحاج أي امة أو فرد يبد من تلك المنصة الفكرية والثقافية التي تمكنك من المحاورة بشكل علمي مع من يحاول هدم الثوابت الفكرية عند ابناء الوطن الواحد،وهذا ما يتفرد به كاتبنا من خلال ممارسة الكتابة والإبداع في مجالات متعددة وموضوعات شتى وينطلق بنا الكاتب في خلق حالة من حالات الصراع الطبقي والفكري ما بين الشخصيات الرئيسية في الرواية من خلال استخدام أسلوب سردي بسيط ومشوق للمتابعة،حيث خلق حالة من الجدلية مابين شخصيات غير متجانسة ثقافية أو اجتماعيا ليمرر للقارئ التمسك بتلك الثوابت الاجتماعية رغم الرفض الطبقي الذي سيطر على الكثير من الأبطال وحيث تطل علينا عبقرية الكاتب في الإمساك بالكلمات والحروف ليرسم لنا لوحات حوارية دقيقة المعاني والدلالات من رسم جيد لمسرح الحدث وتجلت براعة الكاتب في تحريك الشخصيات في حوار درامي وفلسفي بطريقة خاصة أظهرت براعته في تدفق الأحداث في ترابط وتداخل دون الإخلال بالبناء الفني الرواية،ونجح الكاتب في إحداث حالة الدهشة لدي القارئ منذ الوهلة في اختيار العنان الذي اثأر تلك الحالة "الشيخ" وتذهبنا فورا إلى مشايخ الدين الإسلامي لما لهم من مكانة متميزة ووقار وهيبة في المجتمع بمختلف ألوانه وثقافاته ثم يفاجئنا بالاسم "مينا " وهو اسم له مدلول ثقافي عند عوام الناس لارتباطه بالدين المسيحي في مصر والبلدان العربية على السواء تلك البداية المدهشة من جانب الكاتب كانت حافزا لمتابعة إحداث الرواية التي تحتوي على عدة محاور رئيسية يمكن رصدها في الآتي:-
أولا: المحور الاجتماعي:- 
- ربما كانت الرسالة الأولي للكاتب في تلك الرواية هذا الجانب الثري الذي حرص على إظهاره بكل ربما متعمد في ظل الخلل الاجتماعي الذي أصاب المجتمعات العربية في السنوات الأخير مع بداية الألفية الثالثة من التفكك الأسري وارتفاع نسب الطلاق بالإضافة إلى النسبة الكبيرة للجرائم البشعة التي تقع بين أطراف الأسرة بشكل أو بأخر وأحب الكاتب أن ينقل لنا صورة مضيئة لحياة اسرة بشكل صحيح رغم التحديات الكبرى إلى تواجه أفرادها من مجتمع مصاب بالتطرف الفكري والأخلاقي كانت البداية من تلك الصورة السوية للعلاقة بين " نصر الدين – موريس " تلك العلاقة التي كانت نقطة انطلاق إلى عمق المجتمع المصري الذي تميز دون غيره بوحدة النسيج بين المسلمين والأقباط وأراد الكاتب أن يضعنا في بؤرة الحدث عندما أصر "نصر الدين ان يسمي ابنة باسم " مينا " وتحقيق أمنية صديقة الوحيد الذي وافته المنية قبل تحقيق الحلم حيث يقول في ص 12" كان أسامة يشارك صديقه مناسباته الدينية، حتى في رمضان عندما كان يدعوه للإفطار في بيته كان يصر على ألَّا يتذوق الطعام طوال النهار.. وكان نصر أيضًا يشارك صديقه أعياده الدينية. 
في إحدى المرات كان الحديث بينهما عن تسمية الأطفال، فذكر أسامة أنه إذا تزوج وأنجب طفلًا سيميه مينا، أما نصر فقد ترك الأمر لوقته، فهو لا يحب أن يسبق الأحداث، فربما رُزق فتاةً أو كانت ذريته من الإناث." ونجح الكاتب في تقديم العلاقة الثلاثية داخل أسرة الشيخ نصر الدين في علاقة مثالية بين " مينا – نصر الدين – أديان " وربما كانت تلك هي الصورة المثالية للأسرة في الأزمنة الماضية وقد رصدها من قبل الكاتب العالمي "نجيب محفوظ" في أعمال متعددة مثل الثلاثية وأولاد حارتنا وغيرها من الروايات حتى في قصصه القصيرة حيث كان يختار نماذج معينة تعبر عن الأسرة المصرية في مختلف الطبقات، وكان الكاتب حرص على إظهار تلك المثالية التبادلية في المواقف المتعددة خاصة إظهار الأب القائد والمعلم والمثقف من خلال دراسة الإسلامية والتاريخية حيث يقول " نصر الدين / الناس بتاخد بالظاهر ولو فضلنا نمشي حياتنا على أهواء الناس مش هيعجبهم إننا عايشين أصلا --- صدقيني أنا هخلي ابننا إن شاء الله رجل يتمنى أي حد يبقى زيه والبركة فيكي وفي تربيتك. 
أديان / إنت عارف إني واثقة فيك، وعارفه إنك مبتعملش غير الصح، مقدرش أقول غير ربنا يحميه ويباركلنا فيه. 
احتضن نصر الدين زوجته في حنان وحمد الله أن هداه إلى زوجة متفهمة متفتحة، تناصره وتسانده. "
ثانيا: المحور الثقافي:-
- حرص الكاتب على تقديم الشخصيات المثقفة في مختلف المواضع بالرواية معلنا ان الثقافة والعلم والتعليم هما سلاحان لدي أي إنسان لمواجهة التطرف الفكري معطيا نماذج لها باع طويل في هذا المجال من القراءة المستمرة والاطلاع بادية من الجد الشيخ "حسن السنباطي " الذي احتل مكانة كبيرة بين أبناء القرية وتوارث ابنه نصر الدين تلك الثقافة وزادت بدراسته للتاريخ في كلية الآداب وامتدت إلى الحفيد مينا المتفوق دراسيا والذ كان حريص على جلسات الأب كل أسبوع لينهل من مناهل العلم والثقافة والتي حملته على مواجهة كل المواقف الصعبة في مشوار حياته وربما يأخذنا الكاتبة إلى القوة الناعمة التي استخدمتها مصر في الفترات السابقة خاصة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حين نجحت في التغلغل في كل المجتمعات العربية والأفريقية والإسلامية بتلك القوة الناعمة ويقصد بها الثقافة المصرية التي أصبحت هي لسان الشعوب العربية وان التراجع في هذا الجانب كان كارثة على المجتمع المصري خاصة بين الشباب الذي تخلي عن الثوابت الدينية والأخلاقية فأصبح مرتعا للأفكار المتطرفة التي حملها ألينا الوافدين الجدد تحت مسميات العلاقة لها بالدين أو صحيح الدين ربما إعطانا الكاتب بعض النماذج مثل " إسلام – على – محمود عبد الحي " كل تلك النماذج كانت نتاج الأفكار الوافدة على المجتمع ولا تملك المنطق والحكمة في التحاور مع الآخرين 
- ثالثا: محور التناقض:-
- - احتوت الرواية في متنها على العديد من المتناقضات الزمنية والمكانية والاجتماعية بداية من اختلاف الأديان بين " موريس – نصر الدين " وفي داخل المدرسة بين المعلمين مابين مؤيد لاسم مينا وبين معارض وانتقل هذا التناقض إلى الجامعة مابين الأساتذة "د /إدريس حودة – د/محمود الأحمدي " هذا التناقض أعطي الفرصة للقارئ أن يعقد المقارنات الذهنية بين تلك الأفكار والرؤى المتناقضة مما أضاف عمقا خياليا بين الراوي والمتلقي طوال تطور إحداث الرواية حتى الصفحة الأخيرة. 
- رابعا: المحور الوصفي والتحليلي:-
- حيث لجاء الكاتب إلى اتباع الأسلوب الوصفي والتحليلي للاماكن المعنية بالحدث في الرواية معتمد على تلك النقاط المتعددة لتتخذ منها مسرحا للانطلاق أو إدارة حوار بين شخوص الرواية أو للتذكر لمشاهد تفصح عنها لتأكيد حدث آني سيأتي وقد نجح في الربط بين المكان والزمان الوصفي،حيث اهتمت بالوصف التفصيلي للاماكن المختلفة ومسميتها ومدلولها وعلاقتها بالإحداث داخل الرواية، كما انه اهتمت بالتحليل الوصفي في معظم المشاهد والحوارات داخل متن الرواية كما جاء قال في مشهد حواري بين الأب والابن (نصر الدين / الفترة اللي جاية إنت هتبقى فيها مستقل أثناء فترة الدراسة ومعظم الوقت هتكون لوحدك وهتتعرض لمواقف. 
مينا / متقلقش يا أستاذ نصر ابنك قدها. 
نصر الدين / مهما كانت ثقتي فيك لكن خوفي عليك أكبر، أنا هتابعك باستمرار، عاوزك تخاللي بالك من نفسك كويس، متدخلش معارك نقاشية إلا وإنت قدها، عاوزك دايما تتكلم بالحجة والدليل متنساش إنك بعد كدة هتتكلم باسم الدين يعني لو اتسألت في أي مسألة شرعية أو فقهية لازم تملك الحجة. 
مينا / حاضر. 
نصر الدين / إفرض دخلت في جدال ولقيت حد متشدد برأيه هتعمل إيه؟
مينا / إذا لم يكن يملك الحجة لإقناعي هبحث في رأيه يمكن يكون صح. 
نصر الدين / ما فيش حد بحتكر الصح ولا حد بيملك الحقيقة، لازم تتقبل الرأي الآخر ومتزعلش من نقد الناس ليك. 
مينا / طيب لو أنا على صواب واللي قدامي مقتنعش؟
نصر الدين / لو حجتك قوية هيقتنع ولو ضعيفة حتى لو هو غلط هتبقى إنت اللي في الموقف الضعيف، وحاول لما تخرج من أي مناقشة تخرج منها وأنت كسبان معلومة جديدة أو على الأقل فكرة. 
مينا / هتصدقني لو قولتلك إني خايف. 
نصر الدين / الخوف يا مينا مش كله ضعف وأنت مش ضعيف. 
مينا / أكيد هفضل محتاج مشورتك ورأيك. 
نصر الدين / وأنا جنبك وقت متحتاجني، بس عاوزك قبل مترجعلي إرجع لنفسك، ولما تلاقي نفسك مش قادر تجاوب إرجعلي متيأسش من أول مرة، واقرأ كتير. 
طرقت أديان باب المكتب تحمل صينية الشاي
الشاي جاهز ممكن أدخل؟
نصر الدين / تنوري. 
خامسا: محور الأسماء في الرواية:-
- كانت الأسماء داخل الرواية مختارة بعناية من جانب الكاتب حيث تم استخدامها وتوظيفها بالشكل السليم في مواضعها بالرواية وكلها لها علاقة بالدين بادية " بنصر الدين وهو إيحاء من الكاتب بان تلك الشخصية تكون مؤثرة في طرح كل الأفكار الدينية معتمدة على التراث الثقافي التي تسلحت به، وجاءت شخصية الأم " أديان " لتضيف معني أخر أن الوحدة بين الأديان هي هدف سماوي وليس للتناقض والاختلاف لان الأديان تتواصل ولا تتصادم ثم حرص الكاتب على طرح أسماء الخلفاء الراشدين في مواضع عدة متسلحا بمميزات كل اسم منهم " عمر – عثمان – على - زينب – أسماء - إدريس - مصطفى – محمود "وقد نجح في إضافة الصبغة الدينية على مدلول كل اسم من تلك الأسماء في موضعه 
- كما ان اختيار أسماء الأماكن كان ذات مدلول تاريخي وديني في ذات الوقت بادية من قرية " هرية رزنة " تلك القرية التي أنجبت الزعيم أحمد عرابي وتلك إشارة إلى كثرة المعارك التي ستأتي في متن الرواية " جامعة الأزهر – المعهد الأزهري " تلك الأماكن المعني بها تخريج العلماء في كافة العلوم الشرعية والفقهيه التي تقود الأمة لمواجهة الأفكار المتطرفة وهنا إسقاط رائع من الكاتب على تلك الأماكن التي تحولت إلى ساحة للجدل بلا من ساحة العلم والفقه وان المقصود والمعد من قبل الأعداء هو ضرب تلك المؤسسة في الصميم وهدم مكانتها العالمية والدولية والتي كان لها الدور الأكبر في الحفاظ على الهوية المصرية رغم الاحتلال الذي امتد إلى أكثر من سبعين عاما، كما ان اختيار حي السيدة زينب بما له من تأثير روحاني لدي العامة من المصرين وهذا الحي له مهاجرين كثر من جميع إنحاء مصر والعلاقة المكانية التي جمعت بين أبطال الرواية وهذا أضاف عمقا تراثيا وروحانيا لدي الجميع حتى نهاية الرواية 
سادسا: محور السرد الأدبي:-
حيث نجد الكتاب يميل في السرد الأدبي لديه إلى الاعتماد على الجمل السهلة البسيطة التي توظفها في تناول وتصاعد الحدث وهذا أضاف إلى النص الروائي لغة جديدة لم تستخدم كثيرا لدي الروائيين فمعظم الكتاب لا يعتمدون على تلك الجمل الشاعرية القصيرة والبليغة وإنما تعتمد معظم السرد لديهم على الجمل الطويلة ذات التفاصيل المكانية والجغرافية بعيد عن تلك المناطق الشعورية التي ركز فيها الكاتب"تامر صفر" في تناوله للحدث إلى استخدام لغة الفصحى القريبة من لغة الصحافة والشارع، الاحتفاظ الذكي بالكلمات الكبرى التي يستخدمها بعض في
صيغة الراوي المشارك؛ لتجعل لغة في متناول فهم الجميع بلا أي تعقيدات أو ملل 
سابعا:- البناء الفني للرواية:-
- هذه الرواية تحتوي عبي ما يميزها عن غيرها من الروايات من حيث الانتماءات الواقعية والاجتماعية والنفسية، وتتميز بقوة بنائها الفني ونجح الكاتب تامر صفر " في الإمساك ببراعة بعناصرها الفنية سواء المكانية أو الزمنية، واحتوت على عنصر التشويق بشكل دائم ومستمر وظهور الشخصيات بشكل مرحلي حافظ على البناء الدرامي للرواية دون أخلال وان الكاتب سار على نفس النهج الأدبي المتدرج والرابط بين عنصري الإبداع ألابتكاري في القصة العمق الفلسفي ونجح" تامر صفر " في توظيف الشخصيات في خدمة الصراع الدرامي المتصاعد حيث عرض كل الأنماط البشرية بتوازن، مما أضاف متعة للقارئ من خلال تلك الجمل السردية السهلة والبسيطة وتلك العقد وتصاعدها وحلها في حالة من حالات الابتكار والإبداع الأدبي. 
- وأخير علينا أن نقر أن الكاتب " تامر صفر" يمتلك من الثراء الإبداعي والثقافي ما يجعل، تلك الرواية تتميز بثراء مضمونها، وتعدد مشاربها، وانتماءاتها ما بين 
الواقعية والرومانسية والاجتماعية والنفسية؛ فهي مجموعة تنتمي لكل هذه التصنيفات، الأمر الذي يمكن معه أن نطلق عليها الرواية الشاملة المتحررة من التصنيف التقليدي لكثير من المجموعات النمطية، أضف إلى ذلك قوة بنائها الفني؛ والإمساك ببراعة بعنصري الزمان والمكان، والابتكار في تعدد المكان ورحابته، وتعدد العقد والإشاعات بشكل مرحلي بنائي؛ يسهم في تكوين العقدة الرئيسة والحل، والمحافظة على عناصر التشويق بشكل دائم ومستمر، مع نوع من التوتر الشيق، ورسم الشخصيات بهدوء دون إخلال في البناء الفني والدرامي.