رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

أمريكا بعد الاحتجاجات.. «ترامب» يواجه مصيرا مجهولا في الانتخابات المقبلة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشهد الولايات المتحدة الأمريكية موجة جديدة من التظاهرات على خلفية قيام شرطى أمريكى بتعذيب جورج فلويد، وهو مواطن أمريكى من أصول أفريقية حتى الموت، وبسبب هذا ازدادت رقعة المظاهرات توسعًا في الولايات المتحدة، وندد الرئيس دونالد ترامب بأعمال الشغب، داعيا إلى «المصالحة، لا الكراهية، وإلى العدالة، لا الفوضى».وقد تسببت هذه الأزمة في اندلاع موجة غضب كبيرة نتج عنها فرض حظر تجوّل في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية لإعادة الأمن إلى المنطقة بعد اضطرابات أعقبت مقتل فلويد، وتعم الاحتجاجات بالإضافة إلى مينيابوليس أكبر مدن البلاد مثل نيويورك ولوس أنجلوس وميامى وسياتل وفيلادلفيا والعاصمة واشنطن، وامتدت المطالبات التى تدعو إلى محاسبة الشرطى الأمريكى إلى المطالبة باستقالة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وذلك بعد تصاعد موجة هذه التظاهرات.


تجذر الاحتجاجات العنصرية
بعد انتخاب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما- من أصول أفريقية- في عام ٢٠٠٨ اتجهت التحليلات السياسية والاجتماعية إلى أن هذه الخطوة تعتبر امتدادًا طبيعيًا لذروة حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، خاصة أنها تأتى بعد سلسلة من القمع والمنع، على سبيل المثال في أواخر الستينيات من القرن الماضى، لم يتمكن الأمريكيون من أصل أفريقي من التصويت في الانتخابات في كثير من أجزاء الولايات المتحدة. ولكن الآن، وبعد مرور أكثر من ٥٠ سنة، انتخب الأمريكيون أول رجل من أصول أفريقية رئيسًا لبلدهم، ويجب الإشارة هنا إلى أن انتخاب أوباما لا يمكن اعتباره علامة فارقة في تحقيق المساواة بين جميع الأعراق. ولكن بالتأكيد فإن انتخابه لم يكن ليحدث لولا التقدم الذى حققته حركة الحقوق المدنية.
وبرغم هذا التقدم إلا أنه خلال الثلاثة عقود الماضية عرفت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من الاحتجاجات الضخمة والمظاهرات إضافةً إلى العنف المصاحب لها، عدا عن مئات بل ربما آلاف الحوادث العنصرية التى لا تفتأ تكرر نفسها، ولم تكن تلك الاحتجاجات تمر دون تدمير وتخريب للممتلكات أو سقوط ضحايا قبل أن تهدأ وتسيطر السلطات على الأوضاع فيها، ففى عام ١٩٩٢ شهدت الولايات المتحدة أعمال شغب في لوس أنجلوس، كما شهدت مدينة سانت بطرسبرج في ولاية فلوريدا في عام ١٩٩٦، احتجاجات واسعة إثر مقتل شاب أسود غير مسلح على يد الشرطة الأمريكية، الأمر الذى دفع المحتجين للانطلاق في شوارع المدينة احتجاجًا على هذه الممارسات، وفى عام ٢٠٠١، أعلن عمدة مدينة سينسيناتى بولاية أوهايو الأمريكية تشارلز لوكن حالة الطوارئ في المدينة، وأصدر قرارًا بمنع التجول، وأتت تلك القرارات على خلفية ازدياد أعمال الشغب والمظاهرات التى انطلقت بعد مقتل مواطن أسود على يد رجال الشرطة.
وضمن السياق ذاته قتل شرطى أبيض الشاب الأسود مايكل براون في أغسطس ٢٠١٤، في مدينة فيرغسون بولاية ميزورى وهو ما أثار أعمال شغب عنيفة، استمرت عشرة أيام بين السكان السود وقوات الأمن، وفى نوفمبر من نفس العام تجددت أعمال الشغب في فيرغسون إثر إعلان إسقاط الملاحقات بحق الشرطى الذى أطلق النار، وغيرها من الأحداث في بالتيمور عام ٢٠١٥، وأعمال شغب ميلووكى عام ٢٠١٦.


اختلال قانوني
الجدير بالذكر هنا أن هذه الاحتجاجات التى تحدث بصورة دورية تؤكد على وجود اختلال في المنظومة القانونية والقيمية داخل الولايات المتحدة فيما يخص الحقوق المدنية والسياسية التى يحصل عليها المواطنون من أصول أفريقية أو آسيويه، وعلى الرغم من أنه في عام ١٨٦٨، تم اعتماد التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكى والذى ينص على أنه «لا يجوز لأى ولاية تشريع أو فرض أى قوانين تمنع الأمتيازات أو الحصانات التى يمتلكها مواطنوها الولايات المتحدة، ولا يجوز لأى ولاية حرمان الأشخاص من حق الحياة والحرية وحق التملك، دون اتباع الإجراءات القانونية، ولا يحق لأى ولاية حرمان أى شخص ضمن سلطاتها من المساواة في حمايته ضمن القانون». ولكن من جهة ثانية فإن الممارسات العنصرية من جانب العرق الأبيض في الولايات المتحدة لم تقتصر فقط على المواطنين بل إن الأمر وصل حد تجذر هذه العنصرية في داخل المؤسسات الرسمية الأمريكية. وللتأكيد على ذلك فرضت الولايات الجنوبية منذ سبعينات القرن التاسع عشر حتى نهايته نظام تفوق البيض وذلك من خلال الفصل القانونى بين البيض والسود باستخدام عدة تشريعات. عرفت هذه القوانين في ما بعد بقوانين جيم كرو والتى فرضت ثلاثة أشياء رئيسية هي:
* الفصل العنصرى بين الأعراق في الأماكن العامة بضمنها المدارس الحكومية، والمتنزهات، وأماكن المبيت، ووسائل النقل.
* حرمان الذكور السود من حق الانتخاب عن طريق فرض ضرائب الانتخاب واختبارات القراءة وخدع أخرى.
* منع الزواج المختلط بين الأعراق.


انعكاسات داخلية وخارجية
بالتزامن مع اندلاع الاحتجاجات في الداخل الأمريكى فإن الإدارة الأمريكية لم تتعامل بصورة تمكنها من احتواء المخاطر الناتجة عن هذه الاحتجاجات، وعلى الرغم من دعوة الرئيس ترامب إلى تحقيق المصالحة، إلا أنه اقتصر التعامل في مواجهة هذه الاحتجاجات على الجانب العسكرى والأمني دونما الاعتبار لباقى الأدوات، وهو الأمر الذى تحدثت عنه تقارير إعلامية متعددة حول الهجمات التى تقوم بها عناصر الشرطة على المحتجين، وهو ما دفع «منظمة العفو الدولية» إلى المطالبة بتوقف السلطات الأمريكية عن استخدام «العنف المفرط» ضد المتظاهرين في الاحتجاجات التى تعم الولايات المتحدة.
وتجب الإشارة هنا إلى أن هناك انعكاسات متعددة ستؤثر على مجريات الأوضاع الداخلية والخارجية والتى من أهمها:
١. الانتخابات الرئاسية 
فيما تتواصل الاحتجاجات بشقيها السلمى والعنيف في شوارع مدن الولايات المتحدة الأمريكية تتصاعد التجاذبات السياسية بين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه المرشح الديمقراطى للانتخابات الرئاسية جو بايدن للفوز في الانتخابات المقبلة المزمع انعفادها في الثالث من نوفمبر ٢٠٢٠.
وقد تعرض الرئيس الأمريكى ترامب إلى انتقادات كبيرة من جانب المرشح للانتخابات الأمريكية بايدن على خلفية اتجاه ترامب منذ بداية الاحتجاجات إلى الاعتماد على خيار القوة الأمنية والعسكرية لردعها، وانتقد بايدن الرئيس الأمريكى في استخدامه الجيش في قمع المظاهرات لغايات انتخابية. وقال بايدن في تغريدة عبر تويتر: «إن ترامب يستعمل الجيش والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطى من أجل التقاط صورة» وذلك في اشارة إلى قيام ترامب بزيارة كنيسة سان جون المجاورة للبيت الأبيض التى كانت تعرضت لعملية حرق من طرف المحتجين والتقاطه صورة وهو يحمل الكتاب المقدس، وهى الصورة التى تم تأويلها كإشارة من ترامب في اتجاه اوساط المتدينين المسيحيين المحافظين الذين يشكلون حجر الزاوية في قاعدته الانتخابية، بالإضافة إلى ذلك حرص بايدن بدوره على اقحام الانتخابات في ساحة الجدل حين دعا الأمريكيين إلى الاتحاد من أجل هزيمة ترامب انتخابيًا وقال: «من أجل أولادنا وروح بلادنا علينا أن نهزمه ولا يمكن أن نفعل ذلك إلا معًا» ومن ناحية أخرى أعلن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما نفس التوجهات التى أعلنها بايدن، وحث المحتجين على الاطاحة بترامب عبر صناديق الاقتراع وترجمة الاحتجاج إلى ممارسة سياسية عبر التصويت من أجل انتخاب إدارة جديدة تأخذ على عاتقها مكافحة ظاهرة العنصرية في مؤسسات الدولة خاصة في أجهزة الشرطة والقضاء.
٢. السياسة الخارجية الأمريكية
هناك مؤشرات عديدة على تعدد التأثيرات الخارجية كنتيجة عن الاحتجاجات التى تشهدها الولايات المتحدة، والتى سوف تنعكس على مسارات التوجهات الخارجية للإدارة الأمريكية الحالية والقادمة، خاصة وأن هذه الاحتجاجات تأتى بعد سلسلة من الصدامات السياسية والاقتصادية التى تتعرض لها الولايات المتحدة في علاقاتها الدولية والإقليمية، والتى تزيد من أهميتها هذه المرة كونها تأتى قبل فترة وجيزة من انعقاد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما يمكن أن يؤثر تغيير الإدارة الأمريكية على دوائر العلاقات الخارجية ذات الصلة بالولايات المتحدة.
الجدير بالذكر أن الإدارة الحالية في ظل الرئيس ترامب تشهد منذ وصولها للسلطة في عام ٢٠١٧ مجموعة من الأزمات الخارجية، حيث تشهد علاقاتها توترات متصاعدة مع دول الاتحاد الأوروبى والصين وروسيا بالإضافة إلى توتر علاقاتها مع فنزويلا وإيران والكثير من الدول العربية بسبب القضية الفلسطينية.
٣. التوظيف الدولى للاحتجاجات
في ضوء فشل الإدارة الأمريكية في التعامل مع الأحداث التى يشهدها أكثر من ٣٠ ولاية أمريكية، أعلن العديد من الدول التى تتعارض مصالحها مع الولايات المتحدة موقفها من الاحتجاجات، وضمن السياق ذاته أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لى جيان، أن «أعمال الشغب في الولايات المتحدة الأمريكية والتى نجمت عن وفاة الأمريكى من أصول أفريقية جورج فلويد، كشفت عن خطورة مشكلة التمييز العنصرى والوحشى لضباط الشرطة فيها». وقال خلال مؤتمر صحفى، «نحن نتابع تطور الوضع المتعلق بوفاة جورج فلويد لدى الأميركيين من اصل أفريقي حق في الحياة ويجب حماية حقوقهم. والتمييز العنصرى للأقليات القومية هو مرض مزمن في المجتمع الأمريكي».
وقد كشف الوضع الحالى مرة أخرى عن شدة التمييز العنصرى ووحشية إنفاذ القانون وضرورة حل هذه المسائل بالطريقة السلمية، وأعرب عن أمله في أن تتخذ الولايات المتحدة التدابير اللازمة لحماية الحقوق القانونية للأقليات القومية». ويعكس هذا الأمر مدى إمكانية توظيف هذه الأحداث في التأثير على التوجهات الأمريكية الخارجية خاصة وأنها تعتمد بصورة كبيرة على استثمار هذه الملف في سياستها الخارجية لتبرير تدخلاتها الدولية في الكثير من القضايا الدولية. ختامًا: تزداد أهمية الاحتجاجات في تأثيراتها كونها جاءت بعد سلسلة من التوترات الداخلية والخارجية والتى فشلت الإدارة الأمريكية في التعامل معها بصورة صحيحة، وفيما يخص هذه الأزمة فمنذ بدايتها ركز الرئيس الأمريكى ترامب على التصدى لأعمال الشغب، دونما الاعتبار لمطالب المتظاهرين في تحقيق العدالة بل على العكس من ذلك امتد انتقاده لوصف المتظاهرين بالفوضويين، ومن المحتمل أن تنعكس هذه الأحدا ث في تداعياتها على الكثير من السياسات خاصة وأنها جاءت في ظل فشل الإدارة الأمريكية في احتواء ومواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد وهو الأمر الذى ساهم في تصاعد الغضب الشعبى لإدارة الرئيس ترامب.
«الفيروس» يمنح «بوتين» فرصة إثبات التفوق على الديموقراطيات الغربية 


ألكسندر بونوف: عرض- مرﭬت زكريا 
يجب على المعارضة الروسية التى لطالما وصفت نظام الحكم بالاستبدادى، واعتادت مقارنة نظام الرئيس فلاديمير بوتين بشكل غير مواتٍ مع الديمقراطيات الغربية الأكثر فعالية، أن تتقبل إخفاقات الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التى تفوق عدد كبير من دول العالم فيما يتعلق بحالات الإصابات والوفيات. 
ويشير زميل مركز كارنيجى بموسكو ألكسندر بونوف إلى أن الدولة الروسية قدمت نموذجًا يحتذى به فيما يتعلق بتفويض السلطات على المستوى المحلى لمواجهة أزمة تفشى فيروس (كوفيد ١٩) المعروف بكورونا، على الرغم من وجود بعض السلبيات بداخله. 
فعندما تفشى وباء كورونا في روسيا، تصادف ذلك مع حدوث مناسبتان عامتان كانت الأولى يوم ٢٢ أبريل الذى كان مقرر فيه إجراء استفتاء على التغييرات الدستورية التى تهدف إلى تعزيز سلطاته، والثانى يوم ٩ مايو (يوم النصر أو العيد الوطنى الروسي)، توقع العديد من الروس أن يتمسك بوتين بهذه المناسبات على حساب السلامة العامة، كنظيره البيلاروسى، ألكسندر لوكاشينكو، الذى أقام عرضًا عسكريًا لبلاده في ٩ مايو، بل وواصل الدورى الوطنى لكرة القدم كالمعتاد. لكن بوتين فاجأ الجميع بإرجاء الاستفتاء وإلغاء الاحتفال باليوم الوطنى. 
كان عدد حالات COVID-١٩ في روسيا منخفضًا في البداية،الأمر الذى دفع بعض المشككين إلى التكهن بأن بوتين شارك في التستر على هذا الأمر على غرار واقعة تشيرنوبيل، لكن هدأت هذه الأصوات عندما بدأت السلطات الروسية في الكشف علنًا عن عدد متزايد من الحالات وصل إلى ما يقرب من ٣٠٠٠٠٠ حالة في جميع أنحاء البلاد بحلول منتصف مايو، ولكن استقرت الزيادة اليومية في الإصابات عند نحو ١٠٠٠٠ حالة جديدة في جميع أنحاء البلاد، مع تواجد ٥٠٠٠ حالة في موسكو، أكثر المناطق سكانًا وتضررًا من تفشى هذه الجائحة، وبدأ عدد الإصابات الجديدة في الانخفاض بشكل طفيف، مما يشير إلى أن الذروة قد انتهت. 
لا شك أن بوتين وجد في هذا الوباء فرصة جيدة لروسيا لإثبات تفوقها على العديد من الديمقراطيات الغربية؛ ففى مارس سارعت الصين وروسيا إلى إرسال بعض المساعدات الطبية إلى كل من حلفائها التقليديين والديمقراطيات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. ويشير الكاتب إلى أن هذه المساعدة لم تكن مجرد تعبير عن التضامن، بل أداة لإبراز القوة الناعمة وإظهار التفوق، ولكن في غضون أسابيع قليلة، كانت روسيا تتلقى أجهزة تنفس صناعى كمساعدة من واشنطن. 
في البداية، كانت خسارة روسيا جزئية؛ حيث أصاب الوباء موسكو في وقت متأخر عن الوقت الذى أصاب فيه دولًا أخرى، كان بإمكان موسكو الحصول على دروس من الخارج من أجل الاستعداد بشكل أفضل، لكنها لم تفعل ذلك. فكثيرًا ما تحدث المسئولون الروس عن التمحور نحو الشرق والسعى إلى تحالف مع الصين، ولكن عندما تفشت الجائحة كانت روسيا من أولى الدول التى سعت لإغلاق حدودها مع الصين والدول الآسيوية الأخرى، لكنها كانت بطيئة جدًا في فعل الشيء نفسه مع الغرب، ونتيجة لذلك، وصل الفيروس إلى الشرق الأقصى الروسى ليس من الصين بل من أوروبا. وفى هذا السياق، يشير الكاتب إلى إنه على الرغم من فرض موسكو إجراءات الإغلاق والقيود والغرامات بشكل كبير، لكن لم تحتاج السلطات الروسية إلى بذل الكثير من الجهود في هذا الإطار؛ حيث حيث قامت بتتبع حركات الأشخاص الذين يستخدمون رموز QR والسيارات التى تستخدم كاميرات المراقبة، وكانت الشوارع فارغة لأنه لم يكن هناك مكان للذهاب إليه، أجبر بوتين أصحاب الأعمال على وضع القوى العاملة في عطلة مدفوعة الأجر، وتم إغلاق المتاجر والمطاعم.
على الرغم من أن بوتين يبدو وكأنه اغتنم فرصة هذه الجائحة لإظهار بعض اللامركزية أو القيادة القوية للجمهور، إلا أن تدخلاته ظهرت على أنها متأخرة ومربكة؛ حيث لم يلق خطابه الأول حول تفشى الوباء إلا في ٢٥ مارس ٢٠٢٠، بعد ثلاثة أيام من إعلان عمدة موسكو «سيرجى سوبيانين» عن إجراءات تقييدية للسيطرة على انتشار الفيروس. من تلك النقطة، بدا أن المعلومات وحتى القيادة تنبع من موسكو بدلًا من الحكومة المركزية، حتى إن بوتين لم يعلن حالة الطوارئ وبدا وكأنه يتتبع سير الأحداث بدلًا من كونه المتحكم الرئيسى فيها، ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في هذا الموضوع، هو أن تحفظ بوتين العام قد امتد إلى سلوكه فيما وراء الكواليس، فهو القائد الذى كان يتوقع المرء أن يعمل على تعزيز سلطاته في هكذا أزمة، لكنه بدلًا من ذلك أعاد الكثير من سلطات اتخاذ القرار إلى حكام الأقاليم، لذا، تبدو هذه الخطوة مثيرة للفضول بشكل كبير لأنه منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، عمل بوتين باستمرار على نزع السلطة من المحليين وإسنادها إليه، ولكن عندما تكون الأخبار قاتمة والسياسات مقيدة، يختار بوتين الحكام المحليين للعب دور الأشرار المسؤولين عن فشل الرعاية الصحية والقيود الشخصية، واختار لنفسه دور المحسّن، المانح للإجازات مدفوعة الأجر والإعانات المالية.
وعليه، يؤكد الكاتب على أن اللامركزية الصورية التى ظهرت أثناء الاستجابة الروسية للوباء، لم تضر هيبة بوتين فقط، بل ساعدت على تكثيف الصراع على السلطة بين فصائل نظامه أيضًا؛ حيث أضعف الوباء منصب رئيس الوزراء المعين مؤخرًا «ميخائيل ميشوستين» الذى كان يُنظر إليه لفترة من الوقت على أنه خليفة محتمل لبوتين، ولا سيما بعد أن أصيب بالفيروس، مما أدى لاختفائه تمامًا خلف الكواليس، ويرى العديد من اللاعبين أن الأزمة باتت بمثابة فرصة سانحة لإزاحة عمدة مدينة موسكو «سرغى سوبيانين» والاستيلاء على منصبه. 
في النهاية: كشف الوباء عن مدى تعقيد هيكل العالم؛ حيث تبين أن أنماط الحياة والأنشطة الترفيهية والثقافة اليومية أكثر أهمية من الأنظمة السياسية في احتواء الفيروس أو عدم احتوائه؛ حيث يمكن للديمقراطيات إعادة ضبط نفسها بتغيير الحكومات من خلال الانتخابات، وهو الأمر الذى جعل مستقبل بوتين السياسى مرهونًا بعوامل لا يمكن التنبؤ بها مثل انحسار وباء كورونا