الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

كافور الإخشيدي.. "حبشي" حكم مصر ومدحه المتنبي

كافور الإخشيدي
كافور الإخشيدي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد أن دخلت مصر في حوزة العباسيين مرة أخرى، أثر زوال دولة بن طولون، وبعد تحول البلاد إلى مسرح للعمليات العسكرية بين العباسيين والفاطميين، الذين حاولوا غزو البلاد بكل ما أوتوا من قوة؛ بدأ يظهر في الأفق نجم -محمد بن طعج- مؤسس الدولة الإخشيدية، والذي كان والده طعج بن جف جنديا في جيش محمد بن سليمان العباسي. وكان محمد بن طغج قد أبلي بلاء حسنا في قتال الفاطميين وطردهم من مصر، ونجح في التقرب إلى تكين والى مصر الذي قلده حكم الإسكندرية. وما لبث أن تطلع إلى حكم مصر، ومن ثم بدأ يتحسس الأمور للوصول لهدفه المنشود. ولما توفى تكين تولى بن كيغلغ العباسي مكانه، إلا إن الخليفة العباسي أصدر مرسومه بعزل بن كيغلغ ليحل محله بن طغج المسمى بالإخشيد، والذي يعني ملك الملوك باللغة التركية. وقد كافأ الخليفة العباسي الإخشيد؛ فمنحه كتابه بولاية مصر لثلاثين عاما، واستخلف له أنوجور. والغريب في أمر الإخشيد أنه كان مصابًا بداء الصرع في جسده، وفى نفسه أيضا، فاذا ما فاجأته النوبة تحول إلى وحش كاسر لا يهدأ له بال أو يقعد إلا بمصادرة الأموال من الشعب. ورغم كثرة الأموال التي إستولى عليها الإخشيد من مصر طوال مدة حكمه، إلا انه كان بخيلا ومن مظاهر بخله الشديد، إهماله إصلاح وصيانة المرافق العامة في البلاد.
ويذكر المؤرخ "أبو الفدا" أنه وجدت بدار إخشيد رُقعة كتب عليها: "قدرتم فأسأتم وملكتم فبخلتم ووسع عليكم فضيقتم، وأدرت لكم الأرزاق فقطعتم أرزاق العباد، وإغتررتم بصفو أيامكم، ولم تفكروا في عواقبكم واشتغلتم بالشهوات، وإغتنام اللذات وتهاونتم بسهام الأسحار وهن صائبات ولا سيما إن خرجت من قلوب قرحتموها، وأكباد أجعتموها واجاد اعريتموها ولو تأملتم في هذا حق التأمل لانتبهتم أو ما علمتم إن الدنيا لو بقيت للعاقل ما وصل إليها الجاهل، ولو دامت لمن مضى ما نالها من بقى فكفى بصحبة ملك يكون في زوال ملكه فرح للعامة، ومن المحال أن يموت المنتظرون كلهم، حتى لا يبقى منهم أحدا، ويبقى المنتظر به افعلوا ما شئتم، فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون وثقوا بقدرتكم وسلطانكم فإنا بالله واثقون وهو حسبنا ونعم الوكيل". وبالإضافة إلى بخل بنو إخشيد فقد كان له مفسدة أخرى، ألا وهي الولع الاخشيدى بإقتناء الجواري، والخيل المسومة والجوارح المعدة للصيد، من كل لون وجنس. وتولى من بعد هذا الإخشيد، ابنه انوجور الذي عهد إليه الخليفة العباسي بحكم مصر بعد أبيه، ولما كان أنوجور صغيرا، لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره فإن شخصا آخر غيره كان هو الحاكم الفعلي للبلاد، ألا وهو كافور ذلك العبد الذي كان في حاشية الإخشيد. فما ما أن توفى "على" الأبن الثاني للإخشيد حتى إستبد كافور بالسلطة. فورد إليه كتاب الخليفة العباسي المطيع بتوليه حكم البلاد ولقب بكافور الإخشيد. ولنا أن نعرف أن حاكم مصر الجديد، لم يكن سوى عبدا بصاصا لا يعرف المؤرخون تحديدا إن كان نوبيا أو حبشيا، كما لا يعرفوا على وجه التحديد سنة ميلاده، كما كان كافور هذا "خصيًا قبيح الشكل، - بطين- ثقيل البدن، قبيح القدمين؛ مثقوب الشفة السفلى. ورغم كل عيوبه الخلقية هذه إلا أنه كان في نظر المتنبي دون جوان عصره، إذ قال فيه شعرا أشبه ما يكون بالغزل الذي يقال في الأنثى:
كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا وكتب:
تَمَنَّيتَها لَمّا تَمَنَّيتَ أَن تَرى صَديقًا فَأَعيا أَو عَدُوًّا مُداجِيا
قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا
فَجاءَتْ بِنَا إنْسانَ عَينِ زَمانِهِ وَخَلّتْ بَيَاضًا خَلْفَهَا وَمَآقِيَا
وكتب أيضا مادحا:
أُغَالِبُ فِيكَ الشَّوْقَ وَالشَّوْقُ أَغْلَبُ
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا الْهَجْرِ وَالْوَصْلُ أَعْجَبُ
كما وصف صاحب كنز الدرر ثراء كافور، وكثرة نفقاته خاصة المتعلقة، بالمطبخ، فيخبرنا عما كان يطهى في قصره:"ألفان وسبعمائة رطل، وخمسمائة طائر دجاج، وألف طائر حمام ومائة طائر أوز، وخمسين خروفا رميسا ومائة جدى سمين وعشرين فرخا سمكا وخمسين صحن حلوى في كل صحن عشرون رطلا ومائتين، وخمسين طبق فاكهة وعشرة افراد وخمسمائة كوز فقاع كبير، ومائة قرابة سكر وليمون". وبعد أن أكل كافور وشرب مات. وترك في خزانته الشخصية، نحو مليون دينار من الأموال. والملاحظ على فترة حكم آل إخشيد إنهم كانوا كإخوانهم الأتراك كانوا يحبونها مرفهة مترفة فنجدهم، وقد شيدوا القصور الفخمة، وملأوها بالجواري وغلمان، كما كان لديهم عادة سيئة مارسوها طوال فترة حكمهم ألا وهى مصادرة أموال الناس بغير حق.