الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«الانتهازية والإضرار بحقوق الغير».. الوجه الحقيقي لإثيوبيا «2-2».. القاهرة تسعى لحل الأزمة بالمفاوضات.. وأديس أبابا تريد فرض الأمر الواقع.. «عبدالدايم»: إثيوبيا تُخالف إعلان المبادئ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اتفق خبراء ومُحللون، متخصصون في الشئون الأفريقية، على أن إثيوبيا تُحاول استغلال انشغال العالم بأزمة فيروس كورونا "كوفيد ١٩"، لأجل الملء السريع لسد النهضة، رغم عدم التوصل إلى اتفاق مع مصر، فضلًا عن مماطلتها، على مدى الأشهر الماضية، خلال المفاضاوت التى جرَت في واشنطن، بوساطة الإدارة الأمريكية، واعتبروا موقف رئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، نوعًا من التجاوز والاستقزاز، والحرب الإعلامية، ضد الجانب المصرى، الذى اتخذ كل المساعى الممكنة لحل الأزمة، دون الإضرار بالدول الثلاث (إثيوبيا– السودان - مصر).
وطالب الخبراء والمحللون، منظمات المجتمع المدنى، ووسائل الإعلام، بتأييد موقف الدولة المصرية، وعرضه محليًا لبناء دعم شعبى وعالمى، للفت انتباه الرأى العام العالمى، ضد تجاوزات إثيوبيا المستمرة، والتنصل من كل المعاهدات والمواثيق، التى حددها القانون الدولى، والاتفاقيات الإطارية المشتركة.


كان رئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، قال في بيان رسمى، خلال الأسبوع الجارى، إن بلاده ستبدأ في ملء بحيرة تخزين سد النهضة، خلال موسم الأمطار المقبل، وذلك بداية من موسم الخريف المقبل. فيما ادعى وزير الرى الإثيوبى، أن استكمال إنشاءات سد النهضة، بلغ ٧٢.٤٪، وأن إثيوبيا ستبدأ في تخزين ٤.٩ مليار م٣، من المياه المباشرة.
يأتى هذا رغم إصدار وزارتى الخارجية والرى، المصريتين، بيانًا، عبرتا فيه عن بالغ الاستياء من الموقف الإثيوبى، وأعلنت فيه رفض مصر اعتزام إثيوبيا ملء سد النهضة، دون اتفاق مسبق، إضافة لمماطلتها وغيابها عن مفاوضات واشنطن دون سبب واضح.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد اجتمع مع رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والإنتاج الحربى، ووزير الخارجية، ووزير الرى، ورئيس المخابرات العامة، لمتابعة قضية مياه سد النهضة، وأرسل الرئيسُ رسالةً إلى الرئيس الكينى أوهورو كينياتا، حول تطورات ملف سد النهضة، تحوى شرحًا مفصلًا للجهود الحثيثة التى بذلتها مصر، على مدى الأعوام الماضية، من أجل التوصل إلى صيغة توافقية لاتفاق يراعى مصالح الأطراف الثلاثة "مصر والسودان وإثيوبيا"، وهو ما تبلور مؤخرًا في "مسار واشنطن"، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة البنك الدولي.


الملء السريع" خطر على إثيوبيا والسودان"
ويرى الدكتور خالد عيد، الباحث في معهد بحوث الأراضى والمياه، أن إثيوبيا تُحاول استغلال الأزمة العالمية، لملء بحيرة تخزين سد النهضة بأسرع صورة ممكنة، لكن الإدارة السياسية المصرية واعية بهذا الأمر، ولن تتردد في استخدام حقوقها التاريخية والقانونية.
ويُضيف "عيد"، أن السد الإثيوبى، رغم ما تُحاول إثيوبيا إيهام العالم بأنه سيبتلع كل مياه النيل، لكن ذلك لن يحدث، فقبل عدة أشهر، وصل مصر فيضان ضخم لم تستطع إثيوبيا منعه عن مصر، كما تدعي.
ويُردد الباحث في معهد الأراضى والمياه، قول الصحابى الجليل عمرو بن العاص، للأمام عُمر بن الخطاب، للتدليل على قدسية نهر النيل؛ قائلًا: "يا أمير المؤمنين: لدينا نهرٌ يجف، وكلما رمينا فيه امرأة جميلة، يفيض"، فرد عليه الفاروق عمر بن الخطاب برسالة إلى نيل مصر، قال فيها: "يا نيل مصر، إذا كنت تجرى بأمر امرأة تُرمى بك، فلا تجرى، وإن كنت تجرى بأمر الله فاجري".
ويُشير، إلى أن ملء سد النهضة بشكل سريع، قد يُعرض إثيوبيا والسودان لخطر مميت، لأن السد لم يكتمل حتى الآن؛ لافتًا إلى أن إثيوبيا تُعانى اقتصاديًا، ولا توجد لديها تمويلات كافية لاستكمال إنشاءات سد النهضة، وذلك بعد أن سحبت دول عديدة التمويلات المالية لسد النهضة، إما بسبب الأزمة العالمية، أو بسبب "الموقف الإثيوبى المُتعنت"، والذى ظهر جليًا خلال مفاوضات واشنطن الأخيرة.
ويُدلل "عيد"، على محاولة إثيوبيا تصوير وضع سد النهضة بشكل قوى أمام العالم، لكن حتى الفيضان الماضى، لم تستطع إثيوبيا تحويل جزء منه إلى بحيرة التخزين في سد النهضة، رغم أنها أعلنت قبل مرارًا وتكرارًا، أنها ستقوم بالملء.


مصر ترفض" الموقف الإثيوبي"
متفقًا مع "عيد"؛ يُوضح الدكتور صفوت عبدالدايم، الخبير في الشئون الدولية، ومستشار وزير الرى السابق، والأستاذ المتفرغ بالمركز القومى لبحوث المياه، أن إعلان إثيوبيا ملء سد النهضة، ليس وليد الساعة، ذلك أنها أعلنت خلال بداية العام الجارى، عن بدء ملء سد النهضة، خلال فيضان العام الحالي.
ويُتابع "عبد الدايم"، بأن مصر ردت على هذا، ببيان واضح، أعلنت فيه موقفها، وتَمسكها بموقفها القانونى والتاريخى والشعبى، بالرفض التام لمحاولة إثيوبيا، فرض إرادتها بالقوة، دون الاستماع للأطراف الأخرى الشريكة في حوض نهر النيل.
ويقول، إن بنود إعلان المبادئ الموقع في ٢٠١٥، واضحة، حيث إنها تنص على ضرورة الاتفاق على قواعد الملء، وعدم التسبب في إلحاق أى أضرار لأى من الدولتين (السودان ومصر)، وهذه القواعد تتوافق مع مبادئ القانون الدولي.
ووفقًا لإعلان المبادئ الذى تم توقيعه في القاهرة في مارس ٢٠١٥، تنص المادة الثالثة منه، على: "مبدأ عدم التسبب في ضرر ذى شأن، ذلك أن الدول الثلاث سوف تتخذ كل الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذى شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق أو النهر الرئيسي".
وأنه على الرغم من ذلك، ففى حالة حدوث ضرر ذى شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المُتسببة في إحداث هذا الضرر، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، لها اتخاذ كل الإجراءات المناسبة، بالتنسيق مع الدولة المتضررة، لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسبًا.
ويرى الأستاذ المتفرغ بالمركز القومى لبحوث المياه، أنه رغم أزمة فيروس كورونا، وحظر الطيران في دول كثيرة، إلا أن القيادة السياسية تقوم بدورها في محاولة لتقوية موقفها الدولى، مدللًا على ذلك بسفر وزير الخارجية، سامح شكرى، لدول أفريقية كثيرة، واجتماعه مع المسئولين، مرتديًا الكمامة، من أجل التدخل، وحلحلة الأمر، بالطرق السياسية، دون اللجوء لأى طرق أخرى.
ويُضيف، "عبد الدايم"، أن مصر مصرة على عدم ملء سد النهضة بهذه الطريقة، تفاديًا لأى خسائر محتملة، مشيرًا إلى أن أكثر ما يُمثل خطورة على مصر، هو أنه في حالة "الجفاف الممتد"، فإن ملء سد النهضة، سيشكل مشكلة كبيرة، وهذا ما أعلنته مصر مرارًا، من ضرورة مناقشة كل الزوايا، وعدم ترك الأمور على عواهنها.
لن نسمح بتحكم إثيوبيا في قوَّتنا


ويرى الدكتور يحيى متولى، أستاذ الاقتصاد الزراعى بالمركز القومى للبحوث، أنه يجب على الشعب المصرى، الوقوف وراء القيادة السياسية، وإظهار الدعم الكامل لها، في مواجهة موقف إثيوبيا المتعنت؛ لافتًا إلى أن إثيوبيا تُحاول استغلال انشغال العالم بأزمة فيروس كورونا، لفرض الأمر الواقع في ملء سد النهضة بشكل أسرع.
ويُضيف "متولي"، أن إثيوبيا لن تستخدم مياه النيل في الزراعة، ولا توجد لديها مشكلة في هذا الجانب، لكن مصر تستخدم مياه النيل في كل احتياجاتها، حيث إنه يقدر استخدام مياه النيل في الزراعة، بأكثر من ٧٥٪، وبالتالى فإن أى نقص في مياه النيل، سيتسبب في خفض إنتاجية الأراضى، وبالتالى ارتفاع الفجوة الغذائية، مما يضطر الدولة للاعتماد بشكل أكبر على استيراد المواد الغذائية من الخارج، وهذا يُكلف أموالًا ضخمة.
وأشار، أستاذ الاقتصاد الزراعى بالمركز القومى للبحوث، إلى أنه على إثيوبيا أن تعى هذه النقطة جيدًا، ذلك لأن حياة الشعب المصرى تعتمد على مياه النيل، مضيفًا أنه: "لن نسمح لإثيوبيا بالتحكم في قوت الشعب المصري".
ويلفت، إلى أن القيادة السياسية أوصلت هذه الرسالة إلى العالم، بأن إثيوبيا تريد التحكم في مياه النيل وحدها، دون الآخرين، مشيرًا إلى أن إثيوبيا "دولة منبع"، ولها حقوق، وعليها واجبات، تجب مراعاتها، ومصر "دولة مصب"، أى أنها لا تتحكم في مياه النيل، وبالتالى فالموقف الدولى يجب أن يُساند مصر.
ويُتابع "متولي"، بأن إثيوبيا بموقفها هذا، تضر بمصالح مصر؛ فهى لا تبنى سدًا من أجل توليد الكهرباء، لكنها تريد الإضرار بمصر، وهذا "موقف خاطئ"، فحتى اللحظة، لا تزال مصر تريد حل الموقف سياسيًا، وعلى الشعب الإثيوبى مراجعة حكومته في مواقفها.


حجم استخدامات المياه
ووفقًا للبيان الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن قطاع الزراعة يعدّ أكبر مستهلك للمياه، حيث بلغت حصته نحو ٦١.٣٥ مليار متر مكعب خلال العام الماضى، وهو ما يُمثل نسبة ٧٦.٧٪ من إجمالى الاستخدامات، يليه مياه الشرب الذى بلغ استهلاكه ١٠.٧٥ مليارات متر مكعب، بنسبة ١٣.٤٪ من إجمالى الاستخدامات، كما بلغت باقى استخدامات المياه، ٧.٩ مليار متر مكعب، بنسبة ٩.٩٪.
ويُضيف، البيان الصادر في ديسمبر الماضى، أن كمية المياه المُنتجة من الشركة القابضة لمياه الشرب، بلغت ٨.٧٥ مليــارات متر مكعب، في حين بلغت كمية المياه المُباعة ٦.١٥ مليار متر مكعب، ويعد نهر النيل المورد الرئيسى للمياه، حيث تبلغ حصتها منه ٥٥.٥ مليار متر مكعب، بنسبة تمثل ٦٩.٤٪ من جملة الموارد المائية، خلال العام قبل الماضى، بينما تقدر مياه الأمطار والسيول والمياه الجوفية وكذا مياه الصرف الزراعى والصحى، التى تم تدويرها ومياه البحر المحلاة نحو ٢٤.٥ مليــار متر مكعب.


الدبلوماسيون.. وآليات التعامل مع الموقف
يرى السفير طلعت حامد، الأمين العام المساعد للبرلمان العربى سابقًا، أن ملف "سد النهضة"، من أهم ملفات الإدارة المصرية، والتى توليها العناية الكاملة، فإن إعلان رئيس الوزراء الإثيوبى عن بدء بلاده في ملء السد، خلال موسم الأمطار المقبل، جاء نتيجة تحركات مصر الدولية، وعلاقتها مع الدول الأفريقية، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وموقف الدبلوماسية المصرية.
ويشير الأمين العام المساعد للبرلمان العربى سابقًا، إلى أن الرئيس السيسي، أوفد رئيس الخارجية، سامح شكرى، لزيارة معظم الدول الأفريقية، حاملًا رسالة من الرئيس، حول "سد النهضة"، والتحركات القادمة، والاتفاقية التى تمت مناقشتها في الولايات المتحدة الأمريكية، والتوقيع على النصوص الأولى منها، وكيف انسحب الجانب الإثيوبى قبل نهايتها.
ويوضح "حامد"، أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى، جاءت للتغطية على زيارة وزير الخارجية سامح شكرى، وتحرك الدبلوماسية المصرية إلى الدول الأفريقية والأوروبية أيضًا؛ مؤكدًا أن هذا الملف مهم جدًا للدولة المصرية، لأن إثيوبيا تسعى إلى ملء سد النهضة قبل التوقيع على أى اتفاقية أخرى، أو الدخول في أى مفاوضات، فيما يخص هذا الشأن.
وطالب، كل المؤسسات الدولية، ومنظمات المجتمع المدنى، ووسائل الإعلام، بالتحرك سريعًا، شعبيًا ورسميًا، لتوضيح وجهة نظر مصر في هذا الملف، وبيان المفاوضات التى أجريت مع إثيوبيا والسودان، والاتفاقية التى تمت مناقشتها برعاية الولايات المتحدة، والبنك الدولى في واشنطن، وما أدى إليه ذلك الاتفاق.
ويدعو المساعد العام للبرلمان العربى سابقًا، المؤسسات المصرية، للعناية الكاملة بمشروع سد النهضة، حتى لا نفاجأ في يوم ما بملء إثيوبيا للسد، ويصبح الأمر حقيقة وواقعًا، وأن يكون لإثيوبيا حق من حقوق السيادة على نهر النيل، دون الالتفات إلى حقوق الدول المتشاطئة أو دول المصب، والتى يجب أن يكون لها دور قوى في هذا المشروع.
ونوه "حامد"، إلى أن الدولة المصرية عليها استخدام كل الوسائل المتاحة حاليًا، من أجل تصعيد الموقف السياسى، ضد إعلان إثيوبيا الأخير بملء السد، فخلال فترة المفاوضات كانت مصر تسير في الطريق الصحيح، للحصول على حقها في مياه النيل، فلا بد من التركيز على عرض الملف على الرأى العام العالمى والدولي.
ويشير، إلى أن حق مصر في نهر النيل، وموقفها في ملف أزمة سد النهضة، واضح للعالم كله، وهو موقف قانونى، وفقًا للقوانين الدولية الخاصة بهذا الأمر، مشيرًا إلى أن إثيوبيا منذ بداية إنشاء السد استغلت انشغال مصر في هذا التوقيت بالثورة، وطوال هذه السنوات يتم التلاعب بكل الطرق، للوصول إلى هدفها، وهو ملء السد، وجعله أمام العالم أجمع أمر واقع، يُفرض على دول حوض نهر النيل.


من جانبه؛ يوضح السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن ملف سد النهضة، جزء من القانون الدولى، الذى ينظم استخداماته، فإن قانون الأنهار الدولية يفرض على دول المنبع التزامات ومسئوليات قانونية دولية، وبالتالى يجب النظر إلى تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى في هذا الإطار، لافتًا إلى أن مصر تحترم سيادة الدول، وموقفها يتفق مع القانون الدولى، ولا يتعارض إطلاقًا مع سيادة إثيوبيا أو أى دولة أخرى.
وتابع "هريدي"، بأن إثيوبيا عليها التزامات في سياق القانون الدولى، بالنسبة للدول المشاطئة لنهر النيل، ودول المصب، بما في ذلك "مصر"، ومن ناحية أخرى لا يجب دخول مصر طرفًا في "حرب تصريحات صحفية" متبادلة، فإن مكانة مصر أكبر من هذا الأمر، فإذا كانت إثيوبيا تخاطب الرأى العام الداخلى لديها، فهذا أمر خاص بهم.
وأشار، إلى أن موقف مصر قانونى، منذ توقيعها على اتفاقية "إعلان المبادئ بالخرطوم في مارس ٢٠١٥"، وعليه فهى ملتزمة بمبادئ القانون الدولى، وقانون الأنهار الدولية، حيث إن نهر النيل نهر دولى يخدم مصالح ١١ دولة، في حوض النيل، ووفقًا للقانون إذا كان من حق دول المنبع إقامة مشروعات على النهر، فإن هذه المشروعات لا ينبغى أن تعود بالضرر على الدول المشاطئة للنيل ودول المصب.
ويؤكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن منظمات المجتمع المدنى والدولى، والأحزاب السياسية المصرية، ووسائل الإعلام المحلية والدولية، عليها اتخاذ موقف عقلانى في أزمة "سد النهضة"، وتأييد الموقف المصرى، وتحرك الدولة المصرية، الذى تقوم به في الساحتين الدولية والأفريقية.
وأوضح "هريدي"، أن المفاوضات التى خاضتها مصر في هذا الملف، حققت نجاحًا كبيرًا منذ بدايتها، إلا أنه في الوقت الراهن ما زال هناك بعض النقاط الخلافية، بين مصر وإثيوبيا، تحتاج إلى الوصول إلى حل أو اتفاق مرضى لكل الأطراف، فإن "سد النهضة" قضية سياسية مهمة يتم العمل عليها منذ سنوات.
ويشير، إلى أن موقف مصر واضح للعالم أجمع، فيما يخص "سد النهضة"، وقد رعت الولايات المتحدة الأمريكية المفاوضات الأخيرة، وعليها أيضًا مسئولية أدبية وسياسية مهمة في هذا الملف، والتدخل بما يضمن حقوق كل دولة؛ مؤكدًا أن عامل الوقت في صالح مصر، خاصةً في ظل انشغال العالم أجمع بأزمة فيروس "كورونا"، وهو موقف سليم ١٠٠٪، سواء من الناحية السياسية والقانونية، ويجب الحفاظ على هذا الموقف العاقل، المتفق تمامًا مع قوانين الأنهار الدولية.


أما الدكتور رمضان قرنى، خبير الشئون الأفريقية بالهيئة العامة للاستعلامات، فيرى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى جاءت في ضوء مجموعة من التغيرات، أهمها وهم التغير الاستراتيجى، فإن إثيوبيا دائمًا منذ الشروع في إنشاء سد النهضة والإعلان عنه بأسماء مختلفة "وهمية"، تستغل حالة الوضعين الإقليمى والدولى، بشكل أقرب إلى الانتهازية.
ويشير "قرني"، إلى أنه في عام ٢٠١١، عندما شرعت إثيوبيا في الإعلان عن إنشائه، استغلت فترة السيولة السياسية في مصر بعد ٢٥ يناير، ولم تراعْ أى اعتبارات إقليمية، أو لدول الجوار، أو الاعتبارات التاريخية بين البلدين، والمرحلة الانتقالية التى كانت تمر بها آنذاك، وهذا ما يحدث الآن أيضًا، بعد رفضها التوقيع على اتفاق واشنطن، واعتذارها وتأجيله لأسباب غير مبررة للرأى العام الدولي.
ويضيف، خبير الشئون الأفريقية بالهيئة العامة للاستعلامات، أنه بينما العالم أجمع حاليًا منشغل بأزمة فيروس "كورونا" وتداعياته الخطيرة على الأوضاع الصحية والاقتصادية والأمنية أيضًا، تخرج علينا إثيوبيا بشكل منفصل ومنفرد، بإعلانها عن بدء ملء خزان سد النهضة، فهذا استمرار لمنهج الانتهازية السياسية والمتاجرة بالسيادة الوطنية.
ولفت "قرني"، إلى أن هذا الأمر، وتر لعبت عليه كل القيادات السياسية الإثيوبية، واعتبار هذا المشروع الوطنى يأخذ البلاد إلى منطقة تنموية جديدة، ومرتبطة بالموقف من الانتخابات الإثيوبية القادمة للحشد السياسى، وعلى الجانب الآخر موقف مصر جيد، حيث إنها على المستوى السياسى تحشد الدول الإقليمية من خلال جولة وزير الخارجية الأفريقية لدول حوض النيل، وجولته في الدول الأوروبية.
ويوضح، أن منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية، تشهد حالة من التقصير الشديد، من هذه المؤسسات، تجاه ملف "سد النهضة"، رغم إيمان الجميع بأهمية وجودية المياه، وأصل الحضارة المصرية، ودورها في تحقيق التنمية، فهذا التقصير منعكس على مخاطبة الداخل المصرى، وهذا أمر غير مطلوب.
وطالب بضرورة مخاطبة الرأى العام العالمى والأفريقي، على وجه التحديد، بشرح قضية المياه، وأهميتها، والانخراط مع منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية الأفريقية، ومؤسسات والمراكز البحثية العالمية، خاصةً الأمريكية، لإيصال الرأى والصوت المصرى، مشيرًا إلى أن البعد الإعلامى لا يزال غائبًا بشكل كبير، فلا بد من وجود ذراع إعلامية قوية وحقيقية، في هذه القضية، لمخاطبة الرأى العام العالمى، بوجهة النظر المصرية، بطريقة واعية.
كما طالب خبير الشئون الأفريقية بالهيئة العامة للاستعلامات، بإطلاق حملات دبلوماسية واسعة، من منظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام، لتقوية موقف مصر القانونى، في أحقيتها في مياه نهر النيل، وحشد كل جهود الدولة المصرية، باعتبارها جهودًا مستقبلية للأجيال القادمة.


فيما يعتبر الدكتور عطية عيسوى، خبير الشئون الأفريقية، أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى عن ملء خزان سد النهضة ليست بجديدة، فقد أعلنتها إثيوبيا من قبل، وسيتم وفقًا للمعلن عنه من قبل المسئولين الإثيوبيين، وستكون وفقًا لموعد بدء الفيضان ٢٠٢٠، الذى ينتهى في شهر سبتمبر المقبل، وذلك بعد رفضها لمشروع الاتفاقية التى أجريت في واشنطن.
وأوضح "عيسوي"، أن هذا الملء من المفترض أن يتم على مراحل، فالمرحلة الأولى ستبدأ في يوليو المقبل، وسيتم خلالها ملء البحيرة، بما يشغل "توربينين" فقط، من التوربينات الـ١٦، وباكتمال ملء هذه التوربينات سيقف السد، وفقًا لاتفاقية واشنطن عند ارتفاع ٥٩٥ مترًا فوق سطح البحر.
ويضيف، أن إثيوبيا لن تشغل سد النهضة ككل، ولكنها ستبدأ في تشغيل "توربينين" فقط من التوربينات السفلى تقريبًا، ومن المفترض ألا تزعج هذه المرحلة مصر إطلاقًا، لكن ألا يتم البدء في ملء البحيرة سوى بعد توقيع إثيوبيا على اتفاق واشنطن، أو عودتها إلى مائدة المفاوضات، وتسوية قضايا الخلاف المتبقية، والتوقيع بعد ذلك على الاتفاق المحدد إذا تم تعديله.
ولفت خبير الشئون الأفريقية، إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى تدخل أكثر في مجال "الحرب الإعلامية" بين البلدين، وأيضًا "الحرب الدبلوماسية" من خلال الوفود التى أرسلها البلدان، إلى دول العالم، لشرح وجهة نظرهما وإقناع الآخرين بها، وأراد "آبى أحمد" من هذه التصريحات أن يجعل الإثيوبيين يلتفون حول هذا المشروع وحكومته، في الوقت الذى يشهد التحالف الحاكم في إثيوبيا خلافات فيما بين مكوناته لتقوية قبضة الدولة المركزية على السلطة، ومجريات الأمور في البلاد، على حساب الحريات الشخصية والسياسية بما فيها أحزاب المعارضة والحركات المستقلة.
ويوضح "عيسوي"، أن وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب السياسية في مصر، لا يوجد خلاف فيما بينها، وبين الدولة المصرية، بشأن ملف سد النهضة، فالكل يؤيدون الحكومة فيما تتخذه من إجراءات، حفاظَا على حقوق مصر في مياه النيل، ويعملون على نشر الأخبار والأحداث التى تدعم وجهة نظر مصر أيضًا.
ويطالب الجميع بالتزام الموضوعية، في تناول هذه القضية، للحفاظ على حقوق مصر، دون تشوية صورة إثيوبيا وشعبها والداعمين لهم، مثل بعض الجهات في السودان، لأن هذا التشوية يظهرنا كمتحيزين، ولا نرى سوى مصلحتنا فقط، على حساب مصالح الآخرين.
ويختتم "عيسوي"، بقوله: "لا بد من تناول الملف بشيء من التوازن وعدم التشدد، مما سيجعلنا قادرين على إقناع الآخرين في الخارج، وإظهار تعنت إثيوبيا في موقفها ورفضها توقيع اتفاقية واشنطن، والأسباب التى تجعل مصر تستميت في الدفاع عن حقوقها، فضلًا عن تكثيف الحملات الدبلوماسية المصرية للخارج".