الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

مخرج الفيلم الفائز بجائزة النقاد بمهرجان "لوكارنو" السينمائي: العراق في القلب.. ومقهى أبو نواس نموذج مصغر من المجتمع

المخرج سمير كمال
المخرج سمير كمال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في فيلمه الأخير «بغداد في خيالي»، يتطرق المخرج العراقى سمير كمال الدين، إلى قضية الهوية من وجهة نظر مجموعة مهاجرين تربط بين بعضهم صلة النسب، وبعضهم الآخر جاليتهم الصغيرة التى تعمل أو تلتقى في مقهى «أبو نواس»، والذى يحتضن معظم أحداث الفيلم.
وتأتي شخصيات الفيلم من خلفيات متنوعة، فهناك توفيق الشيوعي الذى يكتب الشعر ويتابع أخبار العراق أولًا بأول على الفضائيات، فلا تزال ذاكرته، وكذلك أطراف جسده، تحمل آثارا من التعذيب الذى تعرّض له هناك، وويضاف إلى ذلك شعوره بالخزى لكونه رضى بالقبول بصفقة أخرجته من السجن، بينما قضى أخيه وخطيبته فيه نحبهما. 
وهناك زكى الكردى صاحب المقهى، أما شخصية أمل التى جسدتها زهراء غندور فنكتشف مع توالى أحداث الفيلم أنها لم تكتف بترك العراق والإقامة في لندن، ولكنها أيضًا غيرت اسمها وديانتها.
وتأتى فكرة المقهى في الفيلم كمحاولة أخيرة للهروب من الماضي، فداخله تتكشف خيبات أمل متراكمة وأحلام مؤجلة.
فكما قال مخرج الفيلم لقد جسد المقهى وطنًا مصغرًا للعراق، مهمته تتلخص في تخليص الأبطال من عبء الذاكرة وندوب الماضي، وهنا يتركنا المخرج مع سؤال رئيسي، هل خلاص الفرد مرتبط بترك الوطن أم سيظل طيفه يطارده أينما ذهب؟ عُرض فيلم «بغداد في خيالي» للمرة الأولى في أغسطس 2019 بمهرجان «لوكارنو» السينمائى الدولى في سويسرا، ضمن المسابقة الرسمية وفاز بجائزة النقاد، كما عُرض أيضًا في مهرجان زيوريخ السويسرى وخرج بجائزة أفضل فيلم. كما شارك في مهرجان «سولوتورن» للأفلام السويسرية الشهر الماضى، وفاز بجائزة الجمهور. «البوابة» التقت المخرج سمير كمال الدين.. وإلى الحوار:


■ تتجلى في فيلم «بغداد في خيالي» فكرة سطوة العراق على أبنائه حتى في غربتهم.. هل يمكننا القول إن مقهى «أبو نواس» الذى تدور به أحداث الفيلم هو عبارة عن نسخة مصغرة من العراق؟
- نعم بالطبع، هذا المقهى يُعد نموذجا مصغرا من المجتمع العراقى المدني، لأن الكل يعترف بحرية الآخر، وهذا هو المبدأ الأساسى للفيلم. فكما رأيت تضم القصة توليفة متنوعة من الشخصيات ذات المرجعيات الدينية والمذهبية المختلفة، سنى وشيعي، مسيحى وكردي.
وقمنا بتصوير الفيلم في الغرب بالتعاون مع ممثلين عراقيين، وبالتالى فهو يحمل رسائل للعرب والغرب على حد سواء. فكل النماذج المختلفة والمتنوعة كانت تمثل الوطن كل على طريقته الخاصة، لذا من غير المعقول أن أقوم بتهميش فئة على حساب الأخرى، وهذه هى الفكرة الأساسية من وراء القصة، والتى تأكد في الأخير على ضرورة تمسكنا بوحدتنا حتى لو حملنا في داخلنا الكثير من الاختلافات. أما رسالتى للغرب، فتمثلت في تصحيح عدد من المفاهيم الخاطئة المأخوذة عن العرب.
تقبل الجمهور الفيلم بطريقة مدهشة خاصة خلال عرضه في مهرجان «لوكارنو» السينمائى بسويسرا. ولقد تردد الموزعون الألمان قبل عملية تمويل الفيلم؛ حيث شعروا بالقلق الشديد من رد فعل اللاجئين إزاء الفكرة الأساسية، لكن سرعان ما تبدلت انطباعاتهم عقب عرض الفيلم في مهرجان «هوف» السينمائى بمقاطعة «بافاريا» الألمانية، ونيله استحسان الجمهور.
■ هل تحاول شخصيات مقهى «أبو نواس» الهروب من الماضى، أم تبحث عن إجابات لأسئلة مؤجلة؟ ولماذا جمعت لغة الحوار بين العربية والإنجليزية حتى مع عدم وجود أجانب؟ 
- بالتأكيد، هم متعلقون بالماضى وآلامه، لكنهم في نفس الوقت يحملون أسئلة حول المستقبل. شخصيات الفيلم لا يمكنها الهرب من ماضيها مهما حاولت، فهى تشعر بندم كبير إزاء أفعال ارتكبتها في السابق لكنها تأبى الإفصاح عنها تحت أى ضغط.
أما عامل الجمع ما بين اللغتين العربية والإنجليزية، تعود في الأساس إلى عامل النشأة لدى الشخصيات التى عاشت لفترات طويلة داخل الأوساط الغربية. فكل من الشخصيات الرئيسية للفيلم لديها علاقات مع أخرى إنجليزية، والهدف من ذلك يتمثل في إيصال رسالة للغرب بأننا نحترم الآخر.
■ المخرج سمير كمال الدين هاجر إلى سويسرا منذ أكثر من ٣ عقود.. هل لا تزال بغداد في خيالك؟ ولماذا حملت على عاتقك الإرث الوطنى العراقى طوال هذه المدة؟ وكيف أثر هذا الإرث الثقيل على جماليات شخصياتك؟
- قدمت ١٢٠ فيلما بالتعاون مع شركة الإنتاج المشارك بها حاليا، منها ٣ مشاريع من إخراجى تتحدث جميعها عن العراق، هى «أنس بغداد: يهود وعرب»، و«أوديسا عراقية»، و«بغداد في خيالي». وبالنسبة لي، أعتبر الذكريات عضوا من أعضاء الجسد لا يمكن أن أتخلى عنها تحت أى ظرف، وهذا هو محل خلاف دائما بينى وبين زوجتى السويسرية، فهى دائما ما تتساءل عن سبب ولعى وهمى بقضايا العراق في كل أفلامي؟ وأضطر لإجابتها في كل مرة بأننى غير قادر على محو تلك الخيالات من ذاكرتي. ومع بداية كل مشروع أؤكد لها أنه سيكون الأخير لكننى أجد نفسى أعود مجددًا للعراق.
لقد عشت طفولة سعيدة في العراق؛ حيث توافرت كل وسائل الرفاهية والرغد بالنسبة لي، من منازل واسعة وحدائق، حركة ثقافية متنامية وقوية. لكن عندما انتقلت للعيش مع أسرتى في سويسرا، لم أستطع أن أجد ما فقدته في العراق، لقد كان المجتمع في تلك الفترة ضحلًا للغاية ومنغلقا على نفسه. ومع مرور الوقت، تبدل الحال في كلا البلدين لذلك لم أتمكن من استئصال ذكرياتى القديمة عن العراق، أنا لا أريد أن أعيش بمعزل عما يجرى هناك.