الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خرافة انتصار «طالبان» في اتفاقها مع أمريكا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ تأسيس حركة «طالبان» أواخر عام ١٩٩٤، بتعاليمها المعادية للعلمنة والدولة المدنية والتحديث، وهى تشكل صداعًا للقوى المحيطة بأفغانستان، وللداخل الأفغانى.
صراعات وحروب خاضتها مع قوى أخرى بدوافع إيديولوجية أو قومية، وحد الإخوان المسلمون الأفغان صفوفهم، ونظّموا خلافاتهم من أجل مواجهة هذه الحركة القومية والأصولية في آن. ومحتواها الفكرى إشكالى، فهى تتغذَّى على المدد الحنفى الديوبندى، وتعادى نمط الحياة الغربى، وتشترك مع الرجعيات في الموقف من المرأة، والتفسير المغالى للنصوص، والتطبيق الظاهرى للفقه والأحكام، وهى ليست سلفية العقيدة، وإنما ماتريدية، نزعة عنفها بعثتها أحداث قومية، وعززتها تقاطعاتٍ مع أفكارٍ راديكالية، تنزع نحو حاكمية نفعية أحيانًا على المستوى السياسى، وتطبيقٍ إيديولوجى حاد في الإدارة الداخلية.
يعزو بعض الباحثين تطرفها إلى قوميّتها، أضرب مثلًا بوالى نصر المهتم والشريك المفاوض للحركة في عهد هيلارى كلينتون. يكتب: «من الواضح تمامًا أن وضع (طالبان) يختلف عن التصوّر السائد بأنهم يرفضون رفضًا قاطعًا كل ما هو حديث وعصرى. غير أن حركة (طالبان) يجب أن يُنظر إليها على أنّها تنظيم فريد من نوعه - لا ينسجم بالكامل مع حركة الأصولية الأوسع. فعندما تولّت (طالبان) السلطة في أفغانستان، أسست نظامًا سياسيًا قبليًّا من البشتون مشابهًا لإمارات القرون الوسطى، وخاضعًا للأعراف القبلية بدلًا من التنظيمات البيروقراطية والقانونية التى تحبّذها الأصولية. وللتدليل على مدى اختلافهم (طالبان) عن الأصوليين بشكل عامّ».
مردُّ تحليل والى أعزوه إلى عاملين، أولهما: اهتمامه بالجانب السياسى والقومى للحركة، وهى مهتمة بعرض أسلوبها المرن مع الولايات المتحدة. يتذكر والى من حكم «طالبان» تفجير تماثيل بوذا، بينما لا يركز على الإدارة الوحشية للمجتمع الأفغانى، ومبادئ حركة «طالبان» فيها مشتركات تكاد تكون متطابقة مع تنظيمات دموية أخرى في العالم الإسلامى، وذلك على مستويات التدبير السياسى، والقوانين الحاكمة، والأنظمة المسيّرة ليوميات البشر.
ثانيهما: أن والى نصر رغم جودة وثراء بحوثه عن الحركة الإسلامية، وبخاصة أطروحته حول أبو الأعلى المودودى، لا يرجح «جوهرية العنف» حتى عند المودودى، إذ تأخذه دروب أخرى لفك إشكالية التوجهات الأصولية، يربطها تارة بالأحداث السياسية والحروب الأهلية، أو النزعات القومية، ولا يفضّل التحليل الفكرى لنظرية كل رمزٍ يدرسه أو حركة يتطرق إليها. ولهذا تفصيل آخر.
ولكنّ هذه الحركة المتطرفة الإرهابية تعود إلى الواجهة بعد الاتفاق مع أمريكا، والذى وصفه ترامب بـ«التاريخى»، الذى ستحقق من خلاله أمريكا أهدافها الإستراتيجية. ستغادر أمريكا أفغانستان وتُبقى على بضعة آلافٍ من الجنود، ضمن خطة ترامب الأساسية، وهذا مشروط بتنفيذ «طالبان» بنود الاتفاق وأهمها الانخراط في حواراتٍ جدية مع الأحزاب والمكونات الأفغانية الأخرى، مع مبادراتٍ أخرى مثل إطلاق مساجين، وتجديد الفضاء السياسى عبر الحوارات والالتقاءات، وهذه أهداف أمريكية بالأساس، إذ لا يمكن لـ«طالبان» بعد سنواتٍ من دك حصونها وكهوفها وقلاعها أن تعد هذا الاتفاق انتصارًا لها، وإنما هو في مضمونه تحويل لنمط الحركة السياسية الأفغانية.
ما يدفع أمريكا نحو الاتفاق رغبتها في تحقيق إستراتيجية الخروج من الحروب والصراعات في العالم، بشرط الحفاظ على الأهداف المتحققة.
برأيى أن الاتفاق صعب التحقق، لدى «طالبان» تحديات داخلية شديدة الصلابة، ومن المرجح ألا تفرح الدوحة برعايتها لهذا الاتفاق الذى تنظر إليه بوصفه من مصلحة حليفتها «طالبان». إنَّ طريق العمل السياسى لن يكون معبَّدًا، ولذلك فإن الاتفاق وُلد مثلومًا ولا يمكن انتظار نتائجه قريبًا، ثمة قوى تستفيد من نفوذ الحركة الجغرافى لتحقيق مكاسب سياسية، كما تفعل باكستان.
أذكّر هنا بحادثة رواها زلماى خليل زادة، في مذكراته، ربما تشرح ما نتحدث عنه، يقول: «حضرتُ اجتماعًا بين رايس ووزير الخارجية الباكستانى، عبد الستار، كجزء من مراجعة سياسة أفغانستان. وقد أوضحتْ رايس في هذا الاجتماع أن حلفاء (طالبان) في باكستان كانوا يئوون القاعدة ومجموعات خطيرة أخرى، فأنكر عبد الستار – وعلى نحو مثير للدهشة– وجود أى قواعد إرهابية... أكملتُ النقاش مع عبد الستار في أثناء تناولنا فطورًا خاصًا في فندق (أومنى شيراتون) على أمل أن يكون صريحًا معى... سألته: ما الذى تفعله بإنكارك كل هذه الأمور؟ فقال عبد الستار: إن الولايات المتحدة يجب أن تتقبَّل (الواقع)، مؤكِّدًا أن (طالبان) وُجِدت لتبقى. واقترح أن نفتح قناة دبلوماسية معها، ونتفاوض عبرها بدلًا من انتهاج سياسة صِدامية. لم يكن عبد الستار ينظر إلى (طالبان) كتهديد أصولي، ولكنه تحدَّث عن النظام بمزيج من الأبوية والتعالى والاشمئزاز؛ كما لو أن جماعة (طالبان) كانت أكثر بقليل من أناس متخلفين مثيرين للشفقة بحاجة إلى المساعدة. وفى مراجعتى السياسية، ركَزتُ على صياغة إستراتيجية سياسية لكسر الصلة بين القاعدة ونظام (طالبان) ورعاتهما في باكستان».
رغم تصريحات المتحدث باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، بضرورة الفصل بين قضيتى أفغانستان وكشمير، غير أن باكستان ترى في «طالبان» ضرورة لها في الصراع مع الهند، تعدّها العصا الغليظة بوجه «الإرهاب الهندوسى».
«طالبان» أمام مآزق كبيرة، إذ يفتح الاتفاق عليها تحديات داخلية وإقليمية، وتحقيق بنود الاتفاق يعنى تعويمها، ومن الصعب تراجعها عن أعمالها الإرهابية الكارثية أو تغيير أفكارها الاستئصالية.