السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبدالرحيم علي.. مشاغبات من المنيا إلى أوروبا "1 "

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

- هجر الشعر ليغرق فى الصحافة ويرسو على شاطئ الباحث المتخصص

- أحداث صنبو أجبرته على قبول تغمية عينيه للقاء قادة الإرهاب فى صحراء المنيا

- رفعت السعيد ينقذه من الاغتيال مرتين .. وجريدة الأهالى تمنحه المانشيت الأسبوعي

- رفض مبادرة وقف العنف فهاجمته أبواق حكومية وصحفيون كبار وانتهى الأمر بتهديده

 

فى أكثر من موقف فاصل رفض الكاتب والباحث عبدالرحيم على أن أكتب عن تفاصيل ما تعرض له من عدوان منظم على يد جماعات التأسلم المسلح، ولعل آخرها اقتحام غرفة الفندق الذى كان يقيم فيه فى أمستردام بهولندا قبل عامين.. الدخول من شباك الغرفة بعد تحطيمه وسرقة أوراق مهمة وجهاز لابتوب وغيرها.. وبينما كان المعتدون يعملون بهمة ونشاط فى غرفته .. كان عبدالرحيم على منصة فى ندوة حاشدة فى قلب أوروبا يفند أكاذيب لغة الرصاص والدم لداعش وغيرها فى سوريا والعراق ومصر.

علمت بالخبر وكنت أعمل بعيدًا هناك فى الخليج تواصلت معه منزعجًا، وطلبت أن نتحرك بهذه الواقعة إعلاميًا لفضحهم، ولكى نؤكد للمتابع بالدليل طبيعة الحوار الذى يتعامل به المسلحون.. نناقشهم فكرًا على منصة وهم يردون بمحاولات الاغتيال .. جاء الرد بسيطًا « سيبك منهم .. لا دى أول مرة يعملوها ولا هتكون الأخيرة».. شطبت ما كتبته غير مقتنع بالشطب واثق من ضرورة الكتابة.


اليوم وبعد دخول الكاتب الصحفى عبدالرحيم على غرفة العمليات للجراحة والعلاج .. كان لابد أن أكسر اتفاقى معه بعدم الكتابة عما يخصنا .. فإذا لم نكتب اليوم شهادتنا عن المشوار الطويل الذى كاد يقترب من أربعين عامًا فى الشقاء المتواصل فمتى نكتب ؟ ..

ورغم تشابك الخيوط إلا أنها محاولة لأن الكتابة عن الكاتب والباحث عبدالرحيم على فى مشواره المهنى سهلة ومضمونة .. أما الكتابة عنه كنائب فى البرلمان فهى مسار آخر يضم عشرات التفاصيل .. لذلك سوف نلجأ للكتابة الأصعب من الحالتين السابق ذكرهما هى الكتابة عنه كصديق عشنا معًا البدايات الطازجة والنجاحات الصغيرة وواجهنا أرصفة القاهرة الحادة. كنت مراسلًا لجريدة الأهالى بالإسماعيلية نهاية الثمانينيات، وكان كاتبنا الذى احتفل به سعيد الحظ لكونه مراسلًا لـ «الأهالى» فى ذات التوقيت بمحافظات الصعيد.. وأقول سعيد الحظ لأن الصعيد فى ذلك الحين كان بؤرة ساخنة يجوبها الإرهاب بالطول والعرض.. تخرج منه أمراء إرهابيون وقتلة مسلحون .. هو صاحب التوازن الدقيق بين المسلمين والمسيحيين.. استيقظ الجميع ذات يوم على صوت الفتنة والرصاص والدم والأحداث الدامية الشهيرة المعروفة بأحداث صنبو.

الفتى الذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره عبدالرحيم على مراسل جريدة «الأهالى» اليسارية، وعضو حزب التجمع يجد ضالته للتحقق وإثبات الذات، فيبتعد عن كتابة الشعر خطوتين ويتقدم للمواجهة بقلمه عشرات الخطوات كصحفى متخصص فى شئون الإرهاب.

لم يتوقف عمله عند نقل الوقائع التى تدور على الأرض، ولكنه يفتح لنفسه مجالًا جديدًا عندما أصر على محاورة قادة الإرهابيين، هناك وكان بعضهم هاربًا فى صحراء أسيوط. يستأذن من إدارة الجريدة والحزب لإجراء الحوار ويحصل على موافقة، وبحكم التشابك العائلى فى الصعيد وعلى ضمانة عضو مجلس شعب وعميد عائلة شهيرة فى ديروط يتم تغمية عين مراسل «الأهالى»، ويتم نقله عبر الصحراء ليصل للهاربين، ويحصل على حواره الصحفى ليعود فى حراستهم إلى المدينة قبل طلوع الشمس.

وفى ظنى أن هذه التجربة كانت الأولى من نوعها فى الصحافة المصرية والعربية.. صحيح تم تقليدها بعد عشرين عامًا عندما أرسلت الفضائيات من يحاور بن لادن فى أفغانستان، ولكن يبقى الفارق هنا هو أننا أمام مراسل صحفى غير محترف، وبإمكانيات محدودة جدًا استطاع تنفيذ مهمة صعبة. ولكن الصدمة جاءت بعد نشر التحقيق الذى قام به المراسل الشاب فقد صدر قرار عبدالحليم موسى باعتقاله لأنه ذكر فى تحقيقه أنه شاهد الإرهابيين المطلوبين يخترقون حشود الأمن وهم مسلحون، وعندما سأل مدير الأمن وقتها اللواء نبيل عبادة لماذا لا تأمر بالقبض عليهم قال له: لو فعلت لحدثت مجزرة، الأمر الذى دعا الوزير لتكذيب هذا الكلام وإعطاء أوامره باعتقال عبدالرحيم علي، ويهرب المحرر الشاب فى تجربة جديدة لمدة شهر كامل فى حجرة بالعجوزة كان يؤجرها كبير محررى الأهالى آنذاك أحمد إسماعيل، مانحًا الفرصة لرفعت السعيد لحل الأمر مع الوزير وإلغاء قرار الاعتقال، كان ذلك عام ١٩٩٢ والمفارقة أن مكان هروب المحرر الشاب يصبح بعد ثلاثة وعشرين عامًا هو دائرته الانتخابية التى تدفع به إلى البرلمان نائبًا عنها فى ٢٠١٥.

تجربة الصعيد المفعمة بالنضال والمغامرات بل والمطاردات كانت تحت الملاحظة الدقيقة من قادة الحزب والجريدة بالقاهرة، بل كانت بمتابعة شخصية وتحت عين القائد الدكتور رفعت السعيد الذى تصله المعلومات المؤكدة بأن تنظيمات الصعيد المسلحة سواء فى المنيا أو أسيوط قد بدأت فى مراقبة وتتبع خطوات مراسل«الأهالى» عبدالرحيم علي. . وبخبرة رفعت السعيد المتراكمة يعرف أن رصد الهدف هو مقدمة لتصفيته واغتياله.. الشاب الذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره نجح فى أن يكون حائط الصد لمدنية الدولة فى معاقل الإرهاب بالصعيد، وصار مزعجًا لقادتهم يتداولون اسمه فى اجتماعاتهم.. والتعامل مع مثل تلك المواقف لا يجوز التهاون معه.

يتابع رفعت السعيد ابنه عبدالرحيم على وخطواته الثابتة فى الصعيد، ويقرر فى لحظة حاسمة عندما استشعر الخطر عليه من رموز الإرهاب بأن يستدعيه إلى القاهرة وفورًا ودون مناقشة.. لم يطلب السعيد حضور عبدالرحيم إلى مقر الحزب والجريدة للحوار ولكنه طلب قدومه إلى القاهرة دون عودة إلى المنيا.

يترك عبدالرحيم على مهد صباه ويهجر معاركه اليومية التى أحبها يغادر وعنوان الوحدة الوطنية نصب عينيه لم يختصم فى حياته سوى الإرهاب وجماعات التطرف المسلحة.. جاء إلى القاهرة، وهو يعرف الطريق جيدًا هناك فى 23 شارع عبدالخالق ثروت بوسط البلد حيث مقر جريدة «الأهالى».. بداية جديدة وزمن جديد وأصدقاء جدد.

يصدر مجلس إدارة جريدة «الأهالى» قرارًا فى غير موعد اجتماعه الرسمى بتعيين عبدالرحيم على صحفيًا بالجريدة لتبدأ تجربة جديدة وهى الاحتراف والمشروعية المهنية والانضمام لنقابة الصحفيين.. أعرف أنه لم يكن سعيدًا كباقى زملائه الذين التحقوا بالنقابة يؤلمه الغياب عن المنيا ومواجهة مشايخ الفنية.. لا يواسيه فى خروجه القسرى من المنيا سوى صحبة الزمن القديم عادل الضوى ومصطفى بيومى وغيرهما من رفاق البدايات فى الشعر والثقافة والفنون والدراسة الجامعية.. يفكر فى تطوير دراسته التى استكملها فى موسكو قبل سنوات، ولكن ماكينة العمل اليومى تفترس ساعات اليوم ..مشغولًا بأسرته وبناته وغيابه عنهم .. أعرف جيدًا أنه خائف الآن من مهنة الصحافة التى تحذف من المبدع لتضيف إلى المهنة.

لم تمر سوى أسابيع قليلة .. تركت أنا الإسماعيلية مهاجرًا نحو الأهالى .. كتيبة صغيرة تتحرك بأحلام مبتورة . نلتقى بالكاتب والشاعر، كبير محررى الأهالى وقتها الراحل أحمد إسماعيل ويفك إسماعيل شفرة المدينة بل ويعقد مصالحة بين الشاعر والصحفى .. يتعلم عبدالرحيم الدرس جيدًا الشعر ولغته . والصحافة ودقتها المعلوماتية، وإذا ما تزاوجت اللغة الرشيقة بالمعلومة الجادة كان المستفيد هو القارئ.

عبدالعال الباقورى رئيسا للتحرير ومؤمن بطاقة الحالمين، ويضع كل ثقته فى المقتحم الجديد عبدالرحيم على.. الكاتب الصحفى المخضرم فى التحقيقات الصحفية مصطفى السعيد، وهو من قدامى محررى الأهالى يحتفل بزمالة عبدالرحيم لسابق عملهما المشترك فى صحراء الصعيد وفضح الإرهاب.

تكسب الصحافة المصرية والعربية ميلاد صحفى وباحث متخصص على درجة شاعر لا ترى عيناه سوى خريطة مصر وأحلام شعبها فى الحرية والعدالة والمساواة.

لم يبتعد عبدالرحيم عن الملف الذى عمل عليه فى المنيا.. ملف الإرهاب وجماعات التأسلم السياسي... قادة تلك الجماعات يعرفون عبدالرحيم بالاسم، ولذلك نزل عليهم الخبر صاعقًا عندما علموا أن الدكتور رفعت السعيد رئيس مجلس إدارة جريدة «الأهالى» وأمين عام حزب التجمع، قد قرر تكليف الكاتب والصحفى عبدالرحيم على بمواصلة عمله فى هذا الملف، ولكن هذه المرة من أرشيف وزارة الداخلية ومن الوقائع على الأرض. لطمة مؤلمة من السعيد لتلك الجماعات والتنظيمات. يدخل عبدالرحيم على إلى مهمته الجديدة واثقًا من قدرته وموهبته فكان صداعًا مزمنًا لهم سواء داخل مصر أو فى العواصم المختلفة التى ترعاهم.

ومن العواصم التى انزعجت كانت لندن التى تتستر على رموز الإرهابيين هناك بل وتغض الطرف عن التمويلات التى يرسلها الهاربون هناك إلى أتباعهم بمصر .. وتتوالى مانشيتات الأهالى بقلم القادم من المنيا.


ما زلنا فى التسعينيات، ومازال الصحفى الذى صار قائدًا حزبيًا بالتجمع وعضوًا بارزًا فى لجنته المركزية يواصل الطعنات لجسد التنظيمات المسلحة.. النقطة الفارقة كانت فى مبادرة وهمية أطلقها المحبوسون على ذمة واحدة من قضايا الإرهاب، وعلى ما أتذكر كان الإرهابى صفوت عبدالغنى هو الذى قرأها من داخل قفص الاتهام بإحدى جلسات محاكمتهم.. وقتها وقع فى الفخ رموز كبيرة من بينهم الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد بل وبلع الطعم تنفيذيون كبار، ومن بينهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، خاصة أن المبادرة جاءت بعد حادث الأقصر الشهير الذى راح ضحيته أكثر من سبعين سائحًا ألمانيًا، وكانت الدولة فى حاجة ماسة لالتقاط الأنفاس والتهدئة حتى لا تتعرض لحادث مماثل يكون بمثابة الضربة القاضية لأجهزتها الأمنية.. وحده الذى لم يصدقهم كان محرر الأهالى النابه عبدالرحيم على ليقف وحده ضد تيار قوي.. وقتها كتب عن الثعابين السامة وتغيير الجلد.. كتب عن تاريخ الأكاذيب التى مورست فى أزمنة مختلفة تحت شعار التقية .. مبادرة وقف العنف التى أطلقوها من محبسهم وصفق لها أسطوات المهنة وعجائز الدولة لم يبلعها عبدالرحيم على وساندته الجريدة والحزب.. تفرغ وحده للكتابة العلمية المكثفة ليفضح أكاذيبهم. ولذلك صار أمر هذا الكاتب مزعجًا لا تحتمله الحكومة ولا تقبله المعارضة ولا يطيقه بطبيعة الحال قادة الجماعات الهاربة فى العواصم المختلفة.

يصل التهديد تلو الآخر سواء على التليفون أو من خلال وسطاء. نمشى على أقدامنا فى باب اللوق وميدان طلعت حرب. يزورنى فى بيتى يسأل عن ابنتى التى تقترب من عمر بناته .. نتصل بـ عادل الضوى الذى نعتبره بمثابة ضميرنا.. نمشى فى منتصف التسعينيات ولا سند إلا الحقيقة وثقة قادة حزبنا فى موقف كاتبنا عبدالرحيم على حتى أن الحزب قد تبنى رسميًا ذلك الموقف رغم معارضة البعض من قادته.


نمشى ونحن نعرف أن صديقنا مهدد بالاغتيال.. القائد والمفكر الكبير رفعت السعيد الذى يذهب إلى مكتبه فى تمام الثامنة صباحًا يهمس فى أذن صديقنا: «خلى بالك من نفسك وحاول ترخص سلاح للدفاع عند الضرورة، واضح أنهم واخدينها جد المرة دي».

وكأنه تكليف رسمى ويسعى زهرة جيلنا لحماية نفسه.. بتغيير السكن المتكرر وتغيير الطرقات.. حتى التقيته وقد حصل على رخصة سلاح.. أما السلاح نفسه فكان طبنجة صغيرة، فقد حرص على سترها بين تلافيف ملابسه.

لم تبدأ الرحلة بعد .. ليهدأ القارئ العزيز.. لدينا ما نقوله عن الخطوة القادمة عندما انتشرت الفضائيات وضرب برجى التجارة فى أمريكا والاستقالة من الأهالي.. ليهدأ القارئ فالكتابة تحتاج تمهلًا وتنفسًا منتظمًا.