السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيادلة مصر... منجم الذهب الذي لم يُفتح... وتركناه للضياع!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
للصيادلة دورهم المهم الذى لا يقل بأى حال عن دور الأطباء فى المنظومة العلاجية. ففى معظم دول العالم يقوم الصيدلى بمهامه العلمية، والتى تهدف إلى حماية المريض من الأخطاء الطبية عند كتابة الدواء، سواء بتحديد الخطأ فى جرعة العلاج أو اكتشاف تفاعل الدواء الموصوف مع الأدوية الأخرى التى يتناولها المريض. وفى العديد من الدول يقوم الصيدلى الإكلينيكى بوصف الدواء بناءً على تشخيص الطبيب. ودولة كوستاريكا التى تطبق واحدًا من أفضل النظم الطبية فى العالم، وجدت للصيدلى دورًا أكثر أهمية فى المنظومة العلاجية. فمن حق الصيدلى هناك بعد تلقيه التدريب الكافى الكشف على المرضى وعلاج بعض الأمراض المحددة والبسيطة أو الشائعة، وطلب الفحوص الطبية ووصف العلاج وصرفه. وقد خفَّض هذا النظام المبتكر من الضغط على طبيب الأسرة ليتفرغ للحالات الأكثر تعقيدًا فى نظام تأمينى محكم وناجح. وفى أمريكا يتحكم الصيدلى تحكمًا تامًا فى حركة تداول الأدوية، وتعريف المريض بها وبفائدتها وآثارها الجانبية، وله دور كبير ومهم داخل المستشفيات، وفى جميع منافذ صرف الدواء. أما عندنا فالصيدلى فى أزمة شديدة بسبب سوء التخطيط وفشل الإدارة والقوانين البالية، والتى أهانت الصيادلة ودمرت مهنتهم الراقية تدميرًا تامًا. فلا توجد دولة فى العالم بها هذا الإسهال الشديد فى كليات الصيدلة والتى بلغت حتى الآن ٤٣ كلية، منها ٢٢ حكومية مع التصريح بـ١٤ كلية جديدة ستضاف لاحقًا إلى هذا التكدس غير المبرر! فعدد خريجى الصيدلة سنويًا يزيد على ١٤ ألف صيدلى، ليصبح بمصر الآن نحو ٢١٦ ألف صيدلى، أى بمعدل صيدلى لكل ٤٣٨ مواطنا! وهى نسبة تماثل أربعة أضعاف النسب العالمية المتعارف عليها! كنت أفهم أن تتوسع الدولة فى إنشاء كليات الصيدلة إن كانت تنوى إقامة صناعة دوائية حديثة تمتص هذا العدد المهول من الخريجين وتنافس الهند فى تصديرها للأدوية الرخيصة، ولكن هذا لم يحدث! وعلى النقيض تركتهم الدولة ليدبروا أمورهم بفتح الصيدليات فى ربوع مصر، والتى وصل عددها الآن لما يفوق ٧٥ ألف صيدلية، أى بمعدل صيدلية لكل ١٢٦٠ مواطنًا! أى ثلاثة أضعاف النسب العالمية! وتركتهم للتصدير للخارج كمندوبى مبيعات للأدوية فى دول الخليج، وحتى هذا المنفذ الآدمى بدأ يضيق عليهم بعد الإجراءات المحلية، كما حدث فى السعودية، والتى بدأت فى استبدالهم بصيادلة سعوديين وهذا حقها الأصيل! لقد أهانت الدولة مهنة الصيدلة بسوء التخطيط، وجعلت المواطنين ينظرون إليهم كبائعى دواء لا أكثر بدلًا من اعتبارهم طرفًا مهمًا فى منظومة الصحة. وهاجمهم الإعلام بتضخيم أخطائهم ووصفهم بالجشع والتحايل وتعمد إخفاء الأدوية والمتاجرة بآلام الناس ومرضهم. فى حين أن دولًا عديدة حولنا دأبت على التفكر فى كيفية النهوض بمهنة الصيدلة وتطويرها ورفع مكانة الصيدلى والتعريف بدوره الحيوى فى المجتمع. فالسعودية مثلًا أصدرت منذ أيام مجموعة من القوانين تفتح العديد من المجالات الحيوية أمام الصيادلة، وتشجع إقامة سلسلة الصيدليات، وتوسع من دورها فى منظومة العلاج الشامل، فتجعل التطعيمات بالصيدلية، وتسمح للصيدلى بالقيام بالتوعية من الأمراض وعلاج البسيط منها، وتُشَجع الدولة تدريب الصيادلة بالتعليم الطبى المستمر، وتشجع الاستثمار فى صناعة الدواء والأردن والبحرين ولبنان وسوريا توسعت فى صناعة الدواء وصدوره للدول المحيطة. وفى أمريكا فتحت الصيدليات عيادات صغيرة للتطعيمات والتوعية للوقاية من الأمراض المزمنة كالسكر والضغط، وبدأت برامج لخفض الوزن والإقلاع عن التدخين مما أسهم كثيرًا فى تحسن الحالة الصحية للمواطنين. 
فى الستينيات، كانت مصر تتربع على عرش صناعة الدواء فى العالم العربى وأفريقيا بشركاتها العملاقة كشركات «القاهرة وسيد والنيل والإسكندرية»، وكان التنافس بينها شديدًا على جودة الدواء ورخص سعره... فأين كل هذا الآن؟! فلقد كان مصنع الإسكندرية للدواء وحتى الثمانينيات ينافس الشركات العالمية العملاقة فى معايير الجودة والإتقان والتغليف. فما الحل الآن؟ وكيف نفتح منجم الذهب المغلق على مصراعيه لأن استمرار الشكوى لا يصلح شيئًا؟ أولًا على الدولة أن تتوقف عن الترخيص بفتح كليات صيدلة جديدة، بل وتحدد الأعداد المقبولة بالكليات الحالية حتى تجد منفذًا كريمًا لعمل الصيادلة، على أن تتوسع فورًا وبشدة فى جذب الاستثمار، ومنح مزايا فريدة لصناعة الدواء فى مصر وتصديره لأفريقيا والدول العربية، وربما دول العالم الأخرى؛ فهى أهم الصناعات الرابحة وستدر علينا المليارات من العملة الصعبة. 
ويكفى أن تعرف أن الهند احتكرت سوق الدواء الأمريكية للأدوية البديلة، والتى تحمل نفس التركيب العلمى، وذلك لرخص سعره! فالهند صدرت فى ٢٠١٩/٢٠١٨ بما قيمته ١٩.٣ مليار دولار من الأدوية بزيادة ١١٪ عن العام السابق، والذى كان بقيمة ١٧.٣ مليار دولار، أى أكثر من أربعة أضعاف دخل قناة السويس! واستوردت السوق الأمريكية ٣٠٪ من صادرات الهند من الأدوية، ودول أفريقيا ١٩٪، والاتحاد الأوروبى ١٦٪. وتوافر الصيادلة الحالى يؤهلنا بامتياز لذلك ومن الغد إن جد العزم. كما يجب على وزارة الصحة توخى الجرأة والشجاعة بفتح المجال للصيادلة للمساهمة فى منظومة طب الأسرة، كما فعلت تجربة كوستاريكا الناجحة، بدلًا من الشكوى من نقص أطباء الرعاية الأولية والتوسع فى الترخيص لسلاسل الصيدليات الكبيرة، من خلال شركات مساهمة عامة توظف الصيادلة وتنظم حركة الدواء بإحكام فى عصر التكنولوچيا الرقمية، كما هو معمول به فى أمريكا وأوروبا. ببساطة علينا أن نترك كراسينا ونسافر للخارج وننظر بتمعن يمينًا ويسارًا لننطلق من حيث انتهى الآخرون، ونفتح منجم الذهب الذى بين أيدينا بدلًا من ترك الحال على ما هو عليه لقتل هذه المهنة السامية...!!