السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البريوش.. «حكاية طرابلسية»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحفل كل شعوب الأرض بأطباق شهية متنوعة تعمر موائدها، لكن نوعا منها يحظى بشهرة وذيوع ويحمل صيتا شعبيا، ويصبح جزءًا من تقاليد المكان وإن تغيير الزمان وأهله وأُناسه، وفى ليبيا أطباق محلية لها أصول تركية، وإيطالية، ويهودية حسبما يشير من توارثوا بعضا من المعلومات عن أجدادهم وآبائهم، فى مدينة طرابلس شاع نوع من العجائن المشكلة والمسماة باسم ( البريوش )،ومؤخرا ارتبط بواقعة سياسية حين اتهم بعضهم أن أكلة «البريوش» وهم سكان طرابلس عجزوا عن إيجاد حل لإخراج الميليشيات المسلحة التى تسيطر على المدينة (2011_..)، من إجابة أهلها الجمعة الشهيرة (جمعة غرغور) فى مواجهة المسلحين، راح ضحيتها من الرجال والنساء (52) شهيدا وأكثر من مائتى جريح، وقد قام أحدهم بتوزيع المئات من قطع البريوش أثناء إحدى المناسبات، فى إعلان واضح عن أن (البريوش) رمز تقليدى لما صنعه وتناوله أهالى طرابلس، ولا علاقة له بجبن أو شجاعة سكانها! فخرجت بحثا عن البريوش: معنى، وتاريخا، وصناعة محلية. 
البريوش مفردة إيطالية الأصل، وتعنى فى عمومها المُعجنات المُحلاة، ولكن البريوش المتعارف عليه فى ليبيا ومدن الغرب تحديدا (طرابلس) يسمى باللغة الإيطالية (كورنيتو) بينما يطلق عليه الفرنسيون (كورواسو)،وإن ارتبط البريوش مبكرا بمقاهى طرابلس، والناظر المتفحص له يتبين أنه: نوع من الخبيز الخفيف المصنوع من الدقيق المخمر والحليب والزبدة، انتشر منذ ما يقارب المائة عام مرافقة للإفطار الصباحى من شاى أو قهوة أو حليب، وفى مدينة طرابلس يعد من أشهر الوجبات ومن تقاليد المجتمع الطرابلسى اليومية.
ويعود ذلك التاريخ إلى فترة الاحتلال الإيطالى فى ليبيا وما بعده، حيث فتح الإيطاليون فى ليبيا مقاهى وأماكن لبيع المرطبات، وكانت المقاهى تقوم بإعداده، ثم اعتمدت الجالية الإيطالية فى وجوده وإشهاره على بعض من المقاهى التى ظلت من أملاكها، حتى أن أول إضافة شكلية تجميلية إلى منتج البريوش كانت تنتشر بسرعة من إيطاليا إلى مقاهى طرابلس، وفى معمل ومصنع (إندو ليبيا)، ويروى أنه أشهر مصنع للبريوش وربما الأول فى طرابلس، وكان أيضا يعد المثلجات (الآيس كريم) والحلويات الأخرى والموالح (قريسينى)، مالك المصنع الأول إيطالي، وموقعه فى دور أرضى بعمارة سكنية فى شارع عمر المختار ( مقابل معهد سكينة للمعلمات بشارع عمر المختار) وغير بعيد عن مقهى (القاريبالدى)، وعقب إجلاء القواعد الإيطالية 1970م، ومغادرة مالكه لطرابلس باشر العاملون به فى تصنيع البريوش والحلويات الأخرى، وحسب ما أكد لى السيد محيى الدين الكريكشى الموثق والمحب لتاريخ مدينته طرابلس أن من المقاهى المشهورة التى كانت تقدم البريوش لزبائنها محل (جولى بار)، وكان يملكهُ أربعة ليبيين ويقع بشارع عمر بن عبدالعزيز فى منتصف الشارع المتفرع من شارع 24 ديسمبر قرب مصرف الوحدة، وبقربه أيضا وفى ذات الشارع محل (تريستينا) وهذه المحلات كانت ملكا للإيطاليين ثم انتقلت ملكيتها إلى من كان ينادى أو حمل اسم شهرة: (عمى شعبان) ومعه الحاج عبدالحميد الغراري، وكانت هناك العديد من المحلات الأخرى والمقاهى تقدم البريوش والحلويات: محل فيدات، ومقهى (الايرورا)، (بوم بنيرا )، ومقهى (البريد) (وقالى باردي) فى شارع عمر المختار، ومقهى (صوردو). 
و«للبريوش» تشكيلات منه العادى غير المحشو، ومنه ما هو محشو: الشوكولاتة، وخليط العسل والزبدة والمكسرات، مربى الفواكه مثل الكرز، وكريم الكاسترد، مُؤخرا ومُراعاة لمرضى الضغط والسكر وأصحاب الريجيم تمت صناعة أنواع من البريوش ترتكز عجينتها على القمح والشعير والشوفان ودون إضافة السكر.
وبعضه يأتى جاهزا كعجين مُجمد من إيطاليا وفرنسا، حيث تشتهر دول حوض المتوسط بتناوله محفوظًا، إما خالية من أية إضافة، أو محملة ببعض الخلطات.
وتمكنت السيدات من ربات البيوت والعاملات من معرفة فن خلطته وأصبحن يتفنن فى إعداده، ولكل محبيه نصيحة بألا يكثروا من تناوله فسُعراته تضاهى أى خبيز نتناوله، ولكم فيما تحبون الخيار، وبالصحة والعافية.