الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الكهرباء المهدرة.. سرقة التيار في "عز الظهر".. 4 طرق يسلكها المخالفون أحدثها "الدائرة الإلكترونية" وأخطرها "السكينة الثلاثية".. وخبراء: الخسائر بالمليارات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«السرقة هى الحل»، شعار يرفعه المخالفين للقانون، لمواجهه ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، فبدلا من ترشيد الاستهلاك، يلجأ معدومو الضمير إلى الحصول على التيار بطرق غير شرعية.
ورغم أن الحكومة استطاعت حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، إلا أنها لا تزال تواجه انتشار سرقات الكهرباء، التى تستهلك نحو 12% من جملة الإنتاج الكلى، وتكلف الدولة نحو 7 مليارات جنيه سنويًا، وذلك وفقًا لما أعلنته الشركة القابضة لكهرباء مصر، وأشارت إلى إمكانية توفير مليار و800 مليون جنيه سنويًا حال تنفيذ برامج الترشيد. 
ولم تعد سرقات التيار الكهربي، تقتصر فقط على الباعة الجائلين الذين يحتلون الشوارع وينيرون «فرشاتهم» عن طريق الأعمدة الكهربائية عبر أسلاك تمتد بطول الشارع، بل أصبح عدد من المواطنين يلجأون إلى سرقة التيار الكهربائى وقطع السلك المؤدى للعداد، لكيلا يحسب ما تم استهلاكه، ووصل الأمر إلى سرقة بعض محتويات المحولات الكهربائية المغذية لأعمدة الشوارع.
ووفقًا للأرقام المعلنة من وزارة الكهرباء والطاقة، فقد بلغ إجمالى محاضر السرقات التى حررتها الإدارة العامة لشرطة الكهرباء، فى الفترة من 1 يناير 2019 وحتى نهاية مايو الماضي، مليونًا و457 ألفًا و29 محضرًا، وجرى تحصيل مليون و346 ألفًا و802 محضر منها، بقيمة مليار و34 مليونًا و508 آلاف و718 جنيهًا.

جولة فى الشوارع
تجولت «البوابة نيوز» فى عدد من شوارع القاهرة، ورصدت العشرات من حالات السرقة التى تظهر بوضوح، مستغلة غياب الرقابة، فالأمر لا يحتاج إلى تفتيش لاكتشافها، فالوصلات المسروقة ظاهرة للجميع ليل نهار، وهى تتدلى إلى أسفل الأكشاك المخالفة وعلى عربات الكارو لبائعى الفواكه والخضار والبضائع الأخرى، حيث يصعد الباعة على سلم خشبى ويفتح الغطاء ليصل سلك كهرباء بالعمود إلى أماكنهم.
وفى منطقة العتبة بوسطة البلد، شاهدنا «أحمد.ح»، بائع على عربة فواكه، والذى أبدى استغرابه من مصطلح سرقة التيار الكهربي، مشيرًا إلى أن كل الباعة فى هذه المنطقة يعتمدون على أعمدة الإنارة لكى يضيئوا عربات «أكل عيشهم»، والزبائن ترى بضاعتهم، مشيرًا إلى أنهم كل ما يفعلونه: «أنهم يسعون إلى أكل عيشهم، لكى يجذبوا الزبائن إليهم، ليعودوا بالرزق اللى ربنا يريده إلى أولادهم فى آخر اليوم».
وتابع: «ربنا بيسترها معانا، يدوب إحنا بنوصل سلك من العمود لإضاءة لمبة واحدة على العربة، فى ناس كتيرة فى الشقق والمحلات الكهربائية وغيرها من الأماكن بتسرق الكهرباء لتشغيل عشرات الأجهزة الكهربائية والعديد من الغرف، ومع ذلك لا يُحاسبهم أحد، مشيرًا إلى أن القانون ممكن يحاسبنا إحنا الغلابة على سرقة وصلة لإنارة لمبة، بينما الذى يقوم بسرقة الكهرباء لإنارة عشرات الأجهزة ومئات الغرف لا أحد يحاسبه».
وفى منطقة شبرا، لا يخلو المشهد من السرقة العلنية للكهرباء، ويقول جعفر عبدالراضي، ٥٩ عامًا، من سكان المنطقة: إن الارتفاع الكبير فى أسعار فواتير الكهرباء، جعل العديد من المواطنين يلجأون إلى السرقة، خاصةً إذا كانت لديهم تكييفات وأجهزة كهربائية كثيرة فى المنزل، مشيرًا إلى أن العديد من سكان منطقته نصحوه بأن يسرق الكهرباء لكى يوفر فى النقود التى تدفع كل شهر للفواتير، ولكنه «استحرم» هذا الأمر، رغم أنه رجل على «باب الله» بحسب تعبيره، ويوم بيشتغل وعشرة لا».
وتابع: ظاهرة سرقة الكهرباء موجودة فى كل مكان، وخاصةً المناطق الشعبية، مؤكدًا أن الباعة وأصحاب «الفرشات» يسرقون الكهرباء من أعمدة الإنارة، ويستعينون بالكهربائية الموجودين فى منطقتهم لتوصيل التيار الكهربى لهم مقابل ٤٥ جنيهًا، يعنى «يا بلاش»، بدلًا من أن يدفعوا ما يزيد عن ١٠٠ جنيه كل شهر، مشيرًا إلى أن الباعة يخشون توصيل التيار بأنفسهم لخطورته على حياتهم.

هموم المواطنين
وفى منطقة الموسكي، تشكو هانم منصور، ربة منزل، ٦٢ عامًا، من ارتفاع أسعار الكهرباء، وأنها تزداد قيمتها شهرًا بعد شهر، رغم أنها، بحسب حديثها، لا تشغل غير التلفاز ولمبة الكهرباء والثلاجة، فضلًا عن أنها تعيش فى المنزل بمفردها بعد زواج بناتها، مشيرة إلى أنه فى شهر يونيو الماضي، جاءت الفاتورة نحو ٢٢٠ جنيهًا وشهر مايو كانت ١٨٠ جنيهًا.
وتواصل حديثها: «يعنى أجيب منين كل شهر بس للكهرباء نحو ٢٠٠ جنيه، دا غير باقى مصاريف البيت، ومعاش جوزى لا يتعدى الـ٤٥٠ جنيهًا، يعنى أعيش إزاى، وفى ناس كتير أوى بتسرق الكهرباء عينى عينك».

طرق التحايل
خبير إدارة محلية: إجراءات الوزارة «تعجيزية» ومصاريف عداد الشقة تتخطى الـ3 آلاف جنيه
ويرى خبير الطاقة، الدكتور ماهر عزيز، أن هناك حالات لسرقة الكهرباء مستعصية، أى يصعب اكتشافها، خاصةً التى تكون بالمنازل والمحلات التجارية، حيث يتعمد بعض المواطنين قطع السلك المؤدى إلى العداد، لكيلا يتم حساب عدد الكيلووات الذى يستخدمه فى المنزل، وأحيانًا يعتمدون على الأسلاك الممتدة من الأعمدة أو كابينات الكهرباء القريبة منهم.
وتابع «عزيز»: علاوةً على تطبيق القانون، لا بد من الاعتماد على حلول أخرى للحد من ظاهرة زيادة استهلاك الكهرباء والذى يكلف الدولة ملايين الجنيهات، منها: استخدام الطاقة الشمسية، وتغيير نظام «السينسور» فى أعمدة الإنارة، واستبدال اللمبات الحمراء والصفراء باللمبات اليد.
وأكد الخبير القانوني، الدكتور أحمد مهران، أن الحل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة يتمثل فى تطبيق القانون وتوقيع العقوبة على سارقى الكهرباء، مبينًا أن المادة ٧١ من قانون تنظيم الطاقة رقم ٨٧ لسنة ٢٠١٥، نصت على: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ٦ أشهر ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن ١٠ آلاف جنيه، ولا تزيد على ١٠٠ ألف جنيه»، ولذلك لكل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي.

مسئولية السرقة
ويرى أحمد البسيوني، مهندس كهرباء، أن مسئولية سرقة التيار الكهربى تخضع لعدة جهات، منها مباحث الكهرباء وشرطة المرافق والمحليات، ويتم استقبال بلاغات المواطنين عبر الخط الساخن ١٢١ من خلال الرسائل القصيرة أو عبر موقع «الواتس آب»، وللتغلب على ظاهرة السرقات والمخالفات، أصدر مجلس الوزراء القرار رقم ٨٨٦ لسنة ٢٠١٦، بتركيب عدادات للمخالفين، وهو ما يسمى بـ«العداد الكودى»، لأنه دون اسم وبرقم فقط.
وقال جابر الراوي، خبير الإدارة المحلية: إن وزارة الكهرباء، وضعت إجراءات تعجيزية للحد من الظاهرة، خاصة على أبناء العشوائيات بعد أن وصلت مصاريف عداد الشقة السكنية إلى ٣٣٨٧ جنيهًا، مبينًا أن الجهة المختصة فى بادئ الأمر تقوم بتحصيل ٩٠٠ جنيه لكل عداد، والباقى يدفع على أقساط، فضلًا أن وزير الكهرباء أعطى تعليمات لشرطة الكهرباء بتحصيل رسوم بقيمة ١٠١٥ جنيهًا حتى للشقق التى لم يقم المواطن بإنارتها.
وأشار «الراوي» إلى أنه من ضمن الإجراءات التعجيزية الشروط والأوراق المقدمة للحصول على العدادات الكودية، فضلًا عن ارتفاع سعر المقايسة لكل شقة إلى ٤٥٠ جنيهًا، فى حين أنها للعقارات غير المخالفة ١٨ جنيهًا للمتر، أى بمتوسط ١٨٠ جنيهًا فقط، متسائلًا: «ماذا تفعل العائلة التى تملك غرفة وصالة، هل ستدفع تلك المبالغ الخيالية من أجل تركيب عداد، بالطبع لا، وستلجأ لسرقة الكهرباء أرخص».

دفتر الجريمة
وفى بداية عام ٢٠١٩ أسفرت الجهود التى قامت بها وزارة الكهرباء عن ضبط العديد من قضايا السرقة، والتى بلغت نحو ٦٨ ألفًا و٧٦١ قضية سرقة للكهرباء، وذلك فى التوصيلات غير القانونية، و٢٣٣ قضية مخالفة لشروط التعاقد و٩ آلاف و١٠٥ قضايا فى مجال سرقة التيار الكهربائى للمبانى المخالفة المقامة على الأراضى الزراعية، و٩٤١ قضية فى مجال سرقة التيار الكهربائى للمقاهى غير المرخصة، وتحصيل ٧٤ ألفًا و٨٧٩ غرامة سرقة تيار كهربائي.
وخلال يناير من العام الجاري، تمكنت الدولة من ضبط ٦٤٧٤٢ قضية فى مجال سرقة التيار الكهربائي.
وفى شهر فبراير تمكنت الدولة من ضبط ٧٠٨١٥ قضية لسرقة التيار الكهربائى وتم تحصيل الملايين من المخالفين.
ولم يصل الأمر عند هذا الحد فحسب بل إن فى شهر مارس تم ضبط ٧٣٤٠٧ قضايا فى هذا المجال أيضًا وتحصلت الملايين من مرتكبى الجريمة ومخالفى القانون.
وفى شهر أبريل أيضًا تمكنت الوزارة من ضبط ٧٢٨٩٢٨ قضية مخالفة لسرقة التيار الكهربائى وتحصلت الملايين من المواطنين.
وآخر ما تم ضبطه من قضايا مخالفة فى شهر مايو حيث تم ضبط أكثر من ٥١ ألف قضية سرقة للكهرباء.

عدادات مسبوقة الدفع
المتحدث باسم الوزارة: مليون و800 ألف عداد «كودى» للقضاء على الظاهرة
ويقول الدكتور أيمن حمزة، المتحدث باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة لـ«البوابة نيوز»، إن الوزارة تعمل فى الوقت الحالى على تقنين الأوضاع وتقليل عدد الفقد الذى يوجد فى الكهرباء والذى يصل إلى ١٧٪ بسبب سرقة الكهرباء، موضحًا أن هذا الرقم ضخم للغاية من إجمالى الكهرباء، وأن هذا الفقد ينقسم إلى شقين، الشق الأول وهو جزء فني، والشق الثانى هو شق تجارى، وهذا الشق هو الذى يشمل سرقة الكهرباء.
وتابع «حمزة»، أن الدولة اتجهت إلى استبدال العدادات التقليدية بعدادات مسبوقة الدفع لمنع السرقات، وبالفعل بعد تركيب العدادات الذكية أصبحت السرقة محدودة ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتم السرقة عن طريق العدادات الجديدة، وأن الوزارة استطاعت تركيب أكثر من مليون و٨٠٠ ألف عداد كودى مسبوق الدفع.
خسائر بالمليارات
بينما أكد الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، أن سرقة التيار الكهربائي تعتبر من أكثر الجرائم انتشارا فى الوقت الحالي، ولعل السبب الرئيسى هو غلاء الأسعار وارتفاع سعر فاتورة الكهرباء، ما أدى الى زيادة العبء على المواطن البسيط وخاصة محدودى الدخل الذى يعجز عن توفير وتدبير قوت يومه.
وتابع: «بدلًا من أن نوفر لهم سبل المعيشة زادت فاتورة الكهرباء عليهم مما دفعهم إلى اللجوء لتلك الطرق باعتبارها الحل الوحيد لإنارة منازلهم».
وأضاف «عامر»، أن وزارة الكهرباء حددت بعض الضوابط والشروط التى لابد من الالتزام بها لتوصيل عداد كهربي، والبعض يلتزم بها، والبعض الآخر يتحايل على القانون باعتبار أن ذلك تعقيدًا عليه وليس فى مقدوره تنفيذ تلك الإجراءات، خاصة وأن سرقة الكهرباء هى الطريقة السريعة للتوصيل دون تكلفة.
وأوضح عامر، أن سرقة الكهرباء تكلف الدولة خسائر تقدر بالمليارات سنويًا.

4 طرق لسرقة التيار.. أحدثها «الدائرة الإلكترونية» وأخطرها «السكينة الثلاثية» 
تعددت طرق سرقة التيار الكهربائي، والجريمة واحدة، وأحدث تلك الطرق «إعداد دوائر إلكترونية» وهى طريقة ابتكرها «فني» باستخدام «ريموت كنترول» لفصل العداد وإعادة توصيله مباشرة من اللوحة العمومية. والحيلة الجديدة تم اكتشافها فى كفر الشيخ، بعد قيام فنى يدعى «عادل.ح» ٣٩ سنة، بإعداد تلك الدوائر الإلكترونية لتسهيل عمليات سرقة التيار الكهربائي، وعدم تمكين العداد من حساب القيمة، وعقب تقنين الإجراءات القانونية تم استهدافه وضبطه، وبمواجهته اعترف بارتكابه الواقعة وقيامه بتركيب ذات الدائرة لأصحاب ٣ محال، حيث تم ضبط الأجهزة والدوائر الإلكترونية بإرشاده، المستخدمة فى تلك المحال لفصل العدادات، وإعادة توصيلها من المصادر العمومية مباشرة.
السكينة الثلاثية
أما «السكينة الثلاثية» فتعد ضمن أحدث الطرق وأخطرها أيضًا، ويلجأ فيها البعض إلى تركيب «سكينة كهرباء» ويدفنها فى إحدى حجرات الشقة ويتم مد وصلة لها من الخارج إلى السكينة الثلاثية، ووصلة أخرى من السكينة إلى العداد، ويتم تغذية الشقة من الطرف الأوسط وبذلك يكون هناك اختياران للإنارة إما العداد أو سرقة التيار الكهربائي.
غطاء العداد
وغطاء العداد طريقة أخرى، حيث يقوم البعض بنزع غطاء العداد لأسفل، حيث توجد الأطراف الداخلة إلى المنزل، فيتم إيقاف العداد عن الدوران بدون انقطاع التيار الكهربائى عن المنزل.
الكوفريه
كما يمكن الاستيلاء على التيار الكهربائى من «الكوفرية» العمومى الموصل للتيار، سواء كان «الكوفريه» داخل العقار أو خارجه، وفى هذه الحالة تتم الجريمة بإيصال السلك داخل «الكوفريه» مباشرة وقبل تركيب العداد وتلك الطريقة هى الأكثر شيوعًا فى المناطق العشوائية والتجمعات العمرانية الجديدة.