الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرموز وأنظمتها البيئية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فذلكة
أين تختبئ القيم الأكثر أهمية؟ فى صلب الحكايات الشهيرة؟
هل معنى هذا أن الخرافة هى أكبر كتاب فلسفى فى التاريخ؟ هى كذلك فعلا؟
ماذا عن الحكايات الخاطئة والأكاذيب التى تتسرب عبر الحكايات، فتكتسب رمزية عالية، وتسكن بيت الزمن الفاخر؟
لهذا الأمر سبب قوى لا بد من البحث عنه.
هل تحتاج الحياة إلى الخرافات والكذب؟
لا بد أن هنالك معنى أو مرحلة ما من المعنى تصبح فيه كلمات «الكذب» و«الحقيقة» تعابير رمزية فقط.
لا أفهم!
ليس الفهم هو الطريقة الوحيدة لمعالجة المعاني.

تنويعات
الحكاية الأجمل التى كتبها شوبنهاور هى زحزحة الإنسان عن مكانه الرفيع الذى لم يعد قابلا للنقاش... ماذا يكون قد قصد وهو يورِّثُ كلبه؟...هل يعتقد الفيلسوف أن الحيوان أكثر جدارة بميراثه؟ لقد كتب كثيرا حول الحيوانات... بل إنه قد أظهر تركيزا على القطط لم يعره للإنسان الذى كان يراه منتفخا بلا طائل ولا جدارة...
الغالب أن حكاية شوبنهاور هى حكاية غريبة تحاول تقديم وجه آخر للتفكير فى الإنسان بصفته جزءا من الوجود لا بصفته الجزء الوحيد ولا الأساسى للوجود. هى أمثولة رمزية. ونعلم جيدا أن المعانى كثيرا ما تختفى وراء الرموز.
الرموز والأشكال التى تلبسها حكايات وليست إشارات فقط.
العلم الوطنى مثلا حكاية متكاملة، حكاية يأخذها الناس جميعا مأخذا جديا، الألوان التى على العلم تحمل معانى نتفق حولها جميعا، هى رمزية غريبة لا يتأخر عن معانيها أحد.
ماذا يريد الأبطال يا ترى على هامش التضحية بأرواحهم؟ رمز غريب هو رمز التضحية، هل هى رسالة يرسلون بها لأنفسهم من عالم الغيب؟... هل تصلنا رسائل إلى العالم السفلى – بتعبير غلغامش وأنكيدو-...وما رمزية الحركة بين العالمين...فى ظل أن كلا منهما يحيل على الآخر؟
إلى من يتحدث المضحون بأنفسهم مثلا؟...الغالب أنهم يتحدثون لأنفسهم وأن العالم المحيط بهم يسترق السمع ويسهر مقلبا أخبار هؤلاء المجانين مفككا رموزا الغالب أنها تسكن هذه الأحاديث.
الشهداء (شهداء القضايا العادلة) هم الوحيدون القادرون على الحديث عبر جدران الزمن... حناجر تقاوم التفتت والفساد الزمنى وجدران الصمت والنسيان السميكة.
رمزيتهم، مثل الألوان، ومثل أشكال رجل المغارة، تبقى أقوى الرموز وأعمقها غورا... لها مقاومة قوية للزمن.
فى نهاية الأمر اليزيد قتل الحسين جسديا، مرة واحدة، ولكن الحسين قتل اليزيد رمزيا وظل يقتله، ولا زال يفعل إلى غاية اليوم.
علمنا العم سيجموند فرويد بأن هناك مرحلتين مختلفتين فى «مسار» الرمز: المرحلة العاطفية وتلك الفكرية. يقصد بالرمز فى بعده الفكرى نحت الصور والتصورات، فى حين أن الرمز فى بعده العاطفى يهدف إلى استدعاء المشاعر وخلق ردود فعل تخفى عن دائرة الضوء (subliminale). كان هناك العديد من المدارس فى تفسير طريقة عمل الرموز: بالنسبة لأرسطو؛ أشهر الجدود المتقولين، الرمز نوع من «أساليب التعبير»؛ أى أنها - فى جملتها- مجرد قاموس من الدرجة الثانية يعلو فوق القاموس الذى يشترك فيه الجميع، أى أنه لغة تخصص بشكل ما. أما فيما يخص فرويد؛ وهو أعمق الأحفاد المتقولين، فالرمز يصبح نوعا من «التمثيل غير المباشر للمكبوت». وهذه حكاية رائعة بسبب الإمكانيات الواسعة لفهم رمزية ما فعله شوبنهاور.
الرموز بالنسبة ليونج هى «طاقة التخييل»، وهى بالنسبة إلى ميرسيا إيلياد «لغة المقدس»، أى أن الرموز هى «مراسلات سرية بين مختلف شئون الحياة» كما يقول الفيلسوف الباطنى الهام «رينيه غينون».
الشعراء أكثر غرابة فى تعاملهم مع هذه الرموز التى نقف منها موقفا شعريا لا فلسفيا فى هذا المقام رغم كثرة الإحالات الفلسفية واللغة الشارحة التى توحى بالتفلسف... موقف شعرى يهدف إلى إشعال شموع تضيء جوانب الموضوع أكثر مما نهدف على إعادة رصف التعريفات والتحليلات الكثيرة التى تسكن بطون الكتب والتى لا طائل من إخراجها الآلى الذى يستطيعه أى مجتهد متوسط الموهبة.
ما طبيعة الموقف الشعرى من الرموز؟ فى الشعر، الرمز هو شكل من أشكال التعبير، هو قانون كتابة يحول مادة الحساسية إلى تمثيل عقلي، ويحول الشعري/ الشعورى إلى نوع القفز فوق وصف المظاهر الحقيقية المألوفة لصالح اكتشاف عالم مواز من الأفكار المخبرة جماليا عن الحقيقية والمحولة لجوهر المظاهر المادية...
يروقك عمل الخطاب. طريقة النصوص فى التلاعب الرسمى والمُرسم والمقبول والقوى بالمعاني. لصوص يسرقون بيت المعنى على مرأى من الجميع. 
الخطابات تعمل مثل غلغامش ومثل أنكيدو، تنتقل بين العالمين العلوى والسفلي؛ ولا تحترم القواعد، تبث قوانين الأحياء وسط الأموات، وتشيع أجواء الموتى وسط الأحياء. 
هى علاقات بين الأصوات والمعاني... صلات بين الصوت والروح.(كلمة «سيمبول» الإغريقية تعنى «الصلة» أو «العلاقة»).
إذا كان الخطاب هو نوع من الصياغة النصية للمعرفة، فالسؤال مطروح حول إمكانية أن تقف هذه الرموز على الضفة الأخرى بالنسبة للخطاب العلمي. بل إن هنالك سؤالا يطرح نفسه هنا: هل أن ما نسميه المنهج العلمى هو نظام رمزى قوى جدا؟
فى ضوء يقيننا بأن العلم لا يضيء إلا جزءا صغيرا فقط من العالم... يصبح العقل الدينى أوسع أفقا... وهذا شيء غريب يدفع بصديقى المتدين العاشق للفلسفة إلى طرح سؤاله: هل إن الفضل يرجع إلى كثرة الأنظمة الرمزية الكامنة فيه؟ أم أن هنالك سببا آخر؟
لايبنتز كان رياضيا مهتما بالشأن الدينى (سيقول صديقى إنها الحال نفسها بالنسبة لديكارت وباسكال وسبينوزا وكيركغارد وكثيرين غيرهم) وقد وجد حيلة جيدة من خلال البحث فى اتجاهين اثنين: الأسباب والظروف؛ وهو ما يسمى بمبدأ الاكتفاء العلمى (لكل شيء أسبابه وظروف تسايره ونتائج موحدة متكررة نتعرف عليه من خلالها)... ولكن الحقيقة العلمية تقول بأننا نعود سريعا إلى اختزالات شديدة التعقيد نسميها الرمز الرياضى فى ظل هروبنا تحديدا من الرموز التى تحيل على الدين أولا (وقد سأل ديريدا على لسان كيركغارد: من أين أتت الأرقام التى ترتكز عليها الحقائق التى نصفها بالرياضية/ العلمية؟...كيركغارد لم يجب أما ديريدا فيحيل على التسمية الفلسفية لله/للجنة/للسماء: الايسكاطون...)...
هل ما نجده هو هو فعلا؟ العلم مسار لا يتوقف...ولكن هل يذهب فى الاتجاه الصحيح؟ سؤال وجيه.
فى ظل معطيات كهذه، يمكننا البت فى أمر هام جدا هو الكبوة الفكرية الكبيرة التى أصابت الفكر الحديث، وفكر القرن العشرين تحديدا، وهو الذى يبدو أنه قد بت فى كل أمر وفهم كل شيء واستوعب تفاصيل التجارب الحديثة كلها على تركيبها وتعقيدها، إلا شيئا واحدا: الظاهرة الدينية وجانبها «الباطني» – حسب تعبير هنرى غينون الأثير-... هذه الظاهرة التى لم تجد موقفا مناسبا لها على خارطة الفلسفة المعاصرة. 
هل إننا بتتنا صلتنا بالحتمية الرمزية التى رافقت العالم منذ القدم؟ أم أن الرموز تحولت وتطورت مع الزمن حنى صرنا دون مستوى فهمها أو التفاعل الإيجابى معها؟

خلاصات
تذهب جوديث باتلر إلى أن الهويات (وهى فى الجمع بالضرورة) هى أنظمة رمزية بالضرورة ـ موضوعُ تلاعبِها الأساسى هو «القيم» أو «الطبيعة»...عملها يميل إلى إعادة استرجاع أصول هذه القيم التى يتم دوما تحريفها على أديم التاريخ... قد نذهب فى اتجاه مختلف عن اتجاهها الذى تعمل فيه فنطرح سؤالا مختلفا عن أسئلتها الشهيرة التى صنعت مجدها والغارقة فى جدل الهويات الجنسية، فنقول: هل هذا العمل التحريفى أو الانزياحى يحدث للمتعة؟ أم أنه ضرورة بيولوجية، بمعنى أنه حيلة تاريخية للبيولوجيا التى وعت أنه عليها أن تحول مواقعها لكى تنجح فى التموقع تاريخيا؛ وأن «الطبيعة» البيولوجية تصاب بالتلف إذا ظلت على مواقعها المعهودة لا تفعل شيئا سوى الدفاع الأرستقراطى عن مكتسبات الطبقة.
لقد كثرت الرموز من حولنا حتى عاد مستحيلا تصور الحياة نفسها بعيدا عن الأنظمة البيئية للرموز التى تقضى بقضائها فينا.
هل يمكننا من هذا الموقع أن نحلم بعالم خال من الرموز؟
يبدو هذا السؤال جيد لرواية جميلة من الخيال العلمي. ولكن هذه مسألة أخرى.