الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"الانتخابات الهندية".. فوز "مودي" المثير للجدل.. رئيس الوزراء يسحق معارضيه بانتصار كاسح.. وشعار "الأمة الهندوسية" أهم أوراقه الرابحة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار فوز حزب بهاراتيا جاناتا فى الانتخابات العامة التى انتهت فى ١٩ مايو الجارى، بفارق كبير، صدمة للمعارضة الهندية، خاصة أنه سمح لرئيس الوزراء الهندى الحالى «ناريندرا مودي» بفترة ثانية حصل فيها على 302 مقعد من بين 542 مقعدًا فى البرلمان الهندى، وهو ما يفوق بكثير الـ272 اللازمة لتشكيل الحكومة، بينما فاز حزب المؤتمر الذى يعد أكبر حزب معارض يهيمن عليه سلالة «غاندي» بـ52 مقعدًا فقط.

وشهدت الانتخابات الهندية العامة مشاركة ما يزيد على 60% من إجمالى الناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات التى تألفت من سبع مراحل، واستمرت العملية الانتخابية ستة أسابيع من 11 أبريل الماضى إلى 19 مايو الجارى.
غير أنه على مدار السنوات الخمس الماضية لولاية مودى الأولى، تعرضت حكومته لانتقادات متكررة؛ خاصة بعد تضرر الاقتصاد الوطنى الهندى، وزادت نسبة البطالة، وانتهك الأمن القومى، ووجهت تهم للحكومة بالفساد المالى، وبلغ العنف الطائفى ذروته. لكن رغم ذلك، عاد حزب بهاراتيا جاناتا أقوى من أى وقت مضى، وحقق أول أغلبية مباشرة حاسمة يحققها حزب واحد منذ عام 1984.
كل ذلك أثار العديد من التساؤلات مع الإعلان عن نتائج الانتخابات التى جاءت على عكس المتوقع فى ظل مسئولية سياسات مودى عن تراجع الهند اقتصاديًا ومجتمعيًا، ومن أبرز تلك التساؤلات؛ لماذا صوت الملايين من الهنود لولاية ثانية لمودى جعلت البلاد أسوأ مما كانت عليه فى عام 2014؟ وما مستقبل الهند فى ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا؟

فوز مودي
جاء الاستقطاب الدينى من صميم الحملة الانتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا، وظهر ذلك فى الخطب التى ألقاها أكبر قادة الحزب والتى تعهد فيها بتعديل قوانين الجنسية لصالح اللاجئين الهندوس والبوذيين والسيخ، وضد المهاجرين المسلمين، الذين يعيشون فى الهند بشكل غير قانونى، وعلى عكس بقية المرشحين الآخرين فإن مودى لم يسع أبدًا لاستقطاب المسلمين، الذين يبلغ عددهم أكثر من ١٧٦ مليون نسمة، فقد راح حزب بهاراتيا جاناتا يراهن على العصبية الدينية الهندوسية من خلال الترويج لفكرة الهند كأمة هندوسية.
ويرجع هذا الاستقطاب الدينى لتمثيل الهندوس ما يقرب من ٨٠٪ من الناخبين فى الهند، وإذا أمكن إقناعهم بترك هوياتهم المتعددة الأخرى جانبًا والتصويت لصالح مودى، عندها يمكن للحزب البقاء فى السلطة لمدة أطول. فجعل حزب بهاراتيا جاناتا القومية مرادفًا للتوحيد الهندوسى وسعى إلى ربط أكبر أقلية دينية فى البلاد وهى المسلمين الذين يشكلون حوالى ١٤ ٪ من الناخبين بأكبر عدو إقليمى له وهو باكستان.
وركزت حملة مودى على الشعارات الدينية والإثنية المتشددة؛ لتكثيف قاعدتهم الهندوسية، حيث ألقوا خطابات ضد التهديدات التى تشكّلها باكستان؛ عسكريًا بأغلبيتها المسلمة، واجتماعيًا بالمهاجرين المسلمين عبر الحدود من بنجلاديش، وبهذا نجح رئيس الوزراء الهندى فى توظيف التوتر مع باكستان لصالحه، مستغلًا رغبة الشعب الهندى فى الاستقرار والقلق من إحداث أى تصعيد بين الدولتين.
القائد القوي
يبدو أن صيغة حزب بهاراتيا جاناتا للتركيز على الأمن القومى وسياسات الهوية، إلى جانب توجيه جاذبية مودى وسلطاته الخطابية الواضحة، طغت على أى رؤية متنافسة. فى ظل استقطاب جيل جديد من الشباب على الرغم من أن فرصهم تراجعت فى ظل حكمه. فقرابة ١٨ مليون هندى تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٣ صوتوا لأول مرة فى هذه الانتخابات. فانجذب الكثير منهم إلى صورة مودى الرجل القوى، وقدرته على تحمل المخاطر ومهاجمة خصومه، وسحق معارضيه.
ورغم الأوضاع المتردية فى الهند يظل «ناريندرا مودي» يتمتع بشعبية كبيرة على الرغم من خطوات حكومته. ولا يزال ينظر إليه على أن لديه رؤية فعالة لمستقبل الهند حتى من قِبل المعارضين للأوضاع الاقتصادية فى عهده، والذين يجادلون بأن أعضاء حزبه لا يستمعون إليه، وأنه يقف ضد ٧٠ عامًا من سوء الحكم، وأن أفكاره ستؤتى ثمارها فى المستقبل البعيد.
التسويق السياسي
أثبتت الانتخابات الهندية الأخيرة مدى قوة الأداة الدعائية فى التأثير على إرادة الناخبين، فلا يزال معظم الهنود يحصلون على أخبارهم من التليفزيون، الذى يدعم حزب بهاراتيا جاناتا القنوات الرئيسية فيه بصورة علنية، فضلًا عن تجنيد الحزب لمحررى الإنترنت فى جميع أنحاء الهند لتوزيع رسائله بين مستخدمى الإنترنت البالغ عددهم ٥٠٠ مليون، فلقد عمل أكثر من مليون شخص للحزب خلال الحملة الانتخابية التى استمرت لأشهر، وشجعوا عملها على منصات التواصل الاجتماعى، بينما فشل حزب المؤتمر فى عملية التسويق وبيع نجاحاته وإخفاء إخفاقاته.
وفى هذا السياق، استفاد مودى بشكل كبير من الدعايات حول توفير المراحيض والحسابات البنكية والقروض الرخيصة والإسكان والكهرباء وجرار الغاز للفقراء، كما أسهمت التبرعات الكبيرة من أكبر الشركات الهندية بأن ينفق أكثر من أى حزب آخر فى حملته لإعادة انتخابه، كما صور الإعلام التابع لتلك الشركات مودى على أنه القائد الوحيد القادر على حماية الهند.
كما حافظ رئيس الوزراء وحزبه على شعبيتهم وزيادتها من خلال استهداف فقراء الريف، فما يقرب من ٧٠٪ من الهنود ما زالوا يعيشون فى قرى، فلا يمكن لحكومة مودى أن تحصل على السلطة دون دعم الريف، ونجحت فى هذا من خلال تقديم الغاز المجانى، ودعم الإسكان العالى، والخدمات الأساسية، والتأمين الصحى لتلك المناطق.

وعود جديدة
تمكن الهنود من رؤية وعود مختلفة فى حملة مودى لعام ٢٠١٩، فلم يعد المرشح الذى يمثل التغيير، فبعد أن بلغت البطالة أعلى مستوى لها منذ ٤٥ عامًا فى ظل حزب بهاراتيا جاناتا، وبدأ النمو الاقتصادى فى التباطؤ، كان على مودى تقديم نفسة بصورة جديدة فلقد وصف نفسه بأنه حارس لأمن الهند والقادر على حماية إرث الأمة الهندية، فنقل بعناية تركيز رسالته من الإصلاح والتغير، كما كانت فى عام ٢٠١٤ إلى التركيز على الأمن القومى والهوية.
فتمت دعوة جميع الهندوس المزارعين المتعثرين والشباب العاطلين عن العمل ورجال الأعمال المتشككين فى السياسات الاقتصادية لحزب بهاراتيا جاناتا إلى نسيان ظروفهم والتصويت لصالح أمتهم ليسهموا فى بناء تاريخ جديد للهند من خلال مودى، وأدت كل هذه العوامل إلى نجاح الحملة الانتخابية للحزب وفرض تحديات أكبر أمام الولاية الثانية لمودى.
مستقبل الهند فى ولاية مودى الجديدة
قبل أسابيع من الانتخابات الوطنية فى الهند، تعرضت قافلة شبه عسكرية فى كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية لسيارة محملة بالمتفجرات فى ١٤ فبراير ٢٠١٩، ما تسبب فى قتل ٤٠ جنديًا هنديًا فى واحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية على الأراضى الهندية منذ سنوات. ما أدى إلى فرض مودى عقوبات جوية على الحدود مع باكستان للمرة الأولى التى تعبر فيها المقاتلات الهندية خط السيطرة، الذى يقسم كشمير منذ عام ١٩٧١، لكن رغم هذا، أبدت إسلام آباد من خلال رئيس الوزراء الباكستانى «عمران خان» استعدادًا لبدء محادثات سلام مع نيودلهى حول الوضع فى كشمير بعد فوز مودى بولاية جديدة.

مصير غامض للمسلمين
الجانب المقلق الثانى فى الانتخابات الهندية لعام ٢٠١٩ هو كيف أحاطت الأحزاب السياسية بأغلبية الأصوات الهندوسية على حساب أكبر مجموعة أقلية فى الهند، فالبرلمان المنتهية ولايته يضم ٢٤ نائبًا مسلمًا فقط من أصل ٥٤٥ نائبًا، وهو أدنى عدد نواب مسلمين منذ الاستقلال. فالكتل السياسية الرئيسية فى الهند لا تسمح للمسلمين بالارتقاء فى صفوفها، ما يثير القلق حول مستقبل الديمقراطية فى الهند.
فحملة هذا العام تضع الهند فى اختبار لمعرفة ما إذا كان للهند مستقبل كجمهورية علمانية تعددية، خصوصا بعد إشارة رئيس حزب بهاراتيا جاناتا «آميت شاه» إلى المهاجرين المسلمين الذين يعيشون فى الهند بشكل غير قانونى باسم «النمل الأبيض» فى الحملة الانتخابية.
فقد أنشأ حزب بهاراتيا جاناتا سجلًا وطنيًا للمواطنين، بقاعدة بيانات تستثنى ٤ ملايين شخص فى ولاية آسام الشرقية، معظمهم من المسلمين. وعد شاه بأن يقوم الحزب بتنفيذ قاعدة بيانات مماثلة فى جميع أنحاء البلاد، لفرض عملية تطهير جماعى للمسلمين الذين هاجروا بشكل غير قانونى من أفغانستان وبنجلاديش وباكستان.
ضربة قاصمة للمعارضة
أسفرت نتائج الانتخابات عن خسارة كبيرة لكتلة المعارضة ممثلة فى حزبها الرئيسى المؤتمر الذى يتزعمه «راهول غاندي» وريث عائلة نهرو غاندى وحفيد ونجل ثلاثة رؤساء وزراء، إذ لم يحصلوا سوى على ٥٢ مقعدًا فقط، رغم أنها أحسن نسبيًا مما كانت عليه فى ٢٠١٤ حين حصل على ٤٤ مقعدًا، فيواجه الحزب استنكارًا حول مستقبله فى السياسة الوطنية الهندية، فلم تكن هناك مبررات للهزيمة فى ١٤ ولاية، حتى رئيس الحزب خسر فى دائرة انتخابية حجزتها عائلته لعقود.
بينما عزز إعادة انتخاب مودى رئيسًا للوزراء تصاعد التيار الشعبوى اليمينى فى العالم، الذى نجح فى السنوات الأخيرة فى تحقيق عدة نجاحات فى مناطق عدة، من الولايات المتحدة إلى البرازيل وإيطاليا، هذا التيار الذى يتبنى مواقف صارمة تجاه الهجرة ويميل فى كثير من سياساته إلى العنصرية الدينية والعرقية، فيخشى الليبراليون فى الهند أن تؤدى فترة الولاية الثانية لـ«مودي» إلى حدوث تحول حاسم ضد التقاليد العلمانية فى البلاد.

تصادم الشراكات الاستراتيجية
كانت أهدرت الهند والصين فرصة فريدة لتحويل العلاقات جذريًا وتطوير نموذج جديد فى ولاية مودى الأولى التى شابتها المواجهات الحدودية المتكررة، لذا تمثل عودة «مودي» فرصة أخرى لتحسين العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، يجب إنتهازها.
كما أعطى هذا الفوز فرصة لتعزيز التعاون الاستراتيجى بين الهند والولايات المتحدة، فقد قطعت الولايات المتحدة والهند خطوات كبيرة معًا تشمل توسيع التعاون الثنائى فى مجال الدفاع والتدريبات العسكرية المشتركة، والصفقة النووية المدنية التاريخية وتعيين الهند كشريك رئيسى فى الدفاع، فترامب يسعى لقوة الشراكة الأمريكية الهندية كخطوة دبلوماسية لإبقاء الصين تحت السيطرة فى آسيا وسط توترات تجارية أمريكية - صينية مستمرة.
غير أن تلك النزاعات التجارية يمكن أن تلقى بظلالها على العلاقات الأمريكية الهندية، لا سيما أن ترامب فرض حظرًا على شراء الهند للنفط الإيرانى والفنزويلى. لكن مودى يدرك أن المصالح الوطنية للهند مرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة فى ملفات مثل توسع الصين فى آسيا وانتشار الإرهاب من خلال الحركات المسلحة فى جنوب آسيا.
وإجمالًا لما سبق يمكن القول أنه من المحتمل أن يكون المشهد الهندى بعد الانتخابات أكثر تعقيدًا، رغم أن الخطر الذى تواجهه الهند هو نفسه، حيث ما زال هناك استمرار فى الاعتداء على الحريات وتنامى للفتنة الدينية وتدهور فى العلاقات الخارجية التى ميزت ولاية مودى الأولى. لكن النتيجة الأكثر خطرًا تتمثل فى العودة إلى السياسة الفوضوية التى سيطرت طوال الثلاثين عامًا الماضية، قبل فوز «مودي» فى ٢٠١٤.
لذا يتعين على رئيس الوزراء الهندى «ناريندرا مودي» أن يتبنى خطابًا سياسيًا متوازنًا، ويسعى لمعالجة التحديات الجديدة التى تواجه الدولة الهندية ما قد يعطيه فرصة تاريخية من أجل رسم مستقبل أفضل للهند. فقد لا تشكل هذه التغييرات شكل السنوات الخمس المقبلة من ولاية مودى فحسب، بل طبيعة السياسة الهندية أيضًا تجاه العالم لعقود.