الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

رفعت السعيد "٨".. في حضرة التجديد الديني

رفعت السعيد
رفعت السعيد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بحوث مستنيرة من الأزهر الشريف
أحمد فؤاد باشا: تجديد الخطاب الدينى لن يؤتى ثماره إلا بالتعاون مع جهود التنوير
نحتاج توفير الكفاءات العلمية والمهارات الفنية والتقنيات الحديثة إسماعيل الدفتار: الفقهاء منذ قديم الزمان كانت لهم لمحات فى التوجيه إلى هذا التجديد
المعرفة الأصولية والفقهية المعاصرة توجب الفصل بين مصطلحى التجديد والاجتهاد

حمل المفكر الدكتور رفعت السعيد، على عاتقه محاربة التأسلم وجماعة الإخوان الإرهابية، مستعينا بدراسته للتاريخ، فقدم للمكتبة العربية العديد من الكتب، ودخل إلى عش الدبابير فى قضايا كثيرة، ورصد بعقلية المؤرخ فكر الإخوان منبها إلى أن الجماعة منذ نشأتها وضعت هدف الوصول إلى سدة الحكم، مستخدمين شعارات إسلامية، وتأويلات للنصوص سواء القرآن أو السنة، وأيضًا فتح الراحل الكبير أبوابًا عديدة للاستنارة وتنبيه العقل العربى لنخبة من المفكرين فى تاريخ أمتنا العربية، ونشرت «البوابة» عام 2015 وما تبعها عدة مقالات ودراسات للمفكر الكبير.. نعيد نشرها لتكون أمام القارئ فى هذا الشهر الكريم.

ونواصل رحلتنا مع مجموعة أبحاث كتبها علماء مجددون من الأزهر الشريف، تدور فى فلك التجديد والاستنارة، ونحاول أن نستعرضها هنا.
نأتى إلى بحث آخر صاحبه الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا وعضو مجمع اللغة العربية وعنوانه: «تآزر الخطابين الدينى والعلمى للتعريف بالإسلام والدفاع عنه»، ويبدأ الدكتور باشا متصادمًا: «لماذا يسلط الضوء فى عصرنا على تجديد الخطاب الدينى وحده دون الخطابات الأخرى؟ ألسنا بحاجة ماسة أيضا وبنفس الدرجة إلى تطوير الخطاب التربوى التعليمى، وإلى ترشيد الخطاب الثقافى والفكرى وإلى مراجعة الخطاب الفنى والإعلامى.. بعد أن انتاب هذه الخطابات جميعا الخلل والضعف والتلوث؟»، ويمضى متسائلًا: «ألسنا بحاجة ماسة إلى أن يشهد واقع الأمة تجديدا واعيا ومدروسا للخطاب الحضارى وربطه بمواجهة تحديات العصر واستشراف المستقبل؟ وهو يؤكد أهمية تجديد الخطاب الدينى بسبب قدسية الدين، لكنه يؤكد أيضًا أن اجتهادات تجديد الخطاب الدينى لن تؤتى ثمارها إلا بالتآزر والتعاون والتكامل مع كل جهود التنوير والأعمار فى مختلف مجالات الحياة». ومن هنا ينطلق الدكتور باشا إلى تأكيد ضرورة أن يسعى الخطاب الفقهى للتجديد متآزرًا مع الخطاب العلمى التنويرى مجتمعين، كى يوضحا معًا الوظيفة الاجتماعية للعلم النافع فى بحثه عن الحقيقة فى إطار رؤية كونية حضارية إيمانية، ثم فى تسخير ما يكتشفه من حقائق للتطبيق فى أعمال نافعة للبشر، إذ إن «رسالة العالم لا تكتمل إلا بإعمار الحياة على الأرض وضمان إشاعة الخير والأمن والسلام بين الناس». ويختتم الدكتور باشا بحثه الجميل، قائلًا: «لا شك أن كل هذه المجالات تحتاج توفير الكفاءات العلمية والمهارات الفنية وإلى التقنيات الحديثة على طريق التنمية الحقيقية للتربية والتعليم والبحث العلمى». ونواصل عبر أوراق الأزهر.
ونأتى إلى بحث جديد لشيخ مستنير وصديق شخصى عزيز زاملته طويلًا فى مجلس الشورى فكان يشع على الجميع فكرًا تجديديًا مستنيرًا هو الشيخ إسماعيل الدفتار وبحثه بعنوان «الخطاب الدينى بين الواقع والمأمول»، ونبدأ معه «الخطاب إفصاح من المتكلم عما يريده، وعما يدور فى نفسه وعما يريد توصيله إلى السامعين، فاللفظ كلام يعقل بالسمع، والمعنى المتضمن فيه يفهم بالقلب»، وينقل لنا عن الماوردى «قد قال بعض الحكماء، والعلوم مطالعها من ثلاثة أوجه: قلب مفكر، ولسان معبر، وبيان مصور» (ص١٠٧).
ويسأل الشيخ الدفتار «فما الذى يدعو الإنسان إلى الكلام؟ ويجيب يدعوه إليه الرغبة فى إيصال نفع أو ضرر، ويدفعه لذلك حب أو كره، ومن ثم يجب أن يكون الكلام محمودًا واضح القصد يجمع ولا يفرق ويجذب ولا ينفر»، ثم هو يحذرنا «أن اللغة تتطور كالكائن الحى فقد تدخلها كلمات ويكثر استعمالها، وقد تهجر كلمات فتتوغل فى الإهمال حتى لا تجرى على الألسنة، ومن ثم يجب على المتكلم أن يراعى العرف والاستعمال بين من يوجه إليهم الخطاب» (ص ١١٣) ثم يأتى بنا إلى التجديد ويتحدث عنه بالنسبة لمرويات الحديث الشريف فيحدثنا عن أهمية ربط الحديث بالواقع الحياتى وتفعيل مدلولاته للإصلاح ولبناء المستقبل. ويرى ضرورة تبويب الأحاديث على حسب المسائل التى تحتاجها الحياة الإنسانية فى المجالات المتعددة عقيدية وعبادية واقتصادية واجتماعية بحيث يوضح من بينها الأحاديث المقبولة والأحاديث التى يبدو من ظاهرها التعارض مع أمر مقرر والتوفيق بينها، وبيان حال ما لا يمكن التوفيق منها، ثم بيان الأحاديث المنسوخة ثم الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويتعين الأخذ بمبدأ أن يجمع الطالب ما استطاع ثم عندما يسعى لنشر ما علمه يتخير وينتخب ما يلقيه على الناس مما ينفعهم ويرفع من وعيهم، ولو أدى الأمر إلى كتمان أمر حتى يكون السامعون أهله.
ولذلك شواهد وأمثلة عن أصحاب الرسول الكريم، ويؤكد ذلك القاضى عياض إذ قال «ورحم الله أسلافنا المتقين المتحرزين لدينهم فقد أسقطوا من أحاديث المغازى والسير ما كان فيه هجاء للرسول. ثم يدعو إلى جمع الأحاديث التى يوجه إليها الطعن فى البخارى ومسلم على وجه الخصوص وموقف العلماء منها، وتوضيح كيف نفهمها ثم تحديد نوع الحكم الفقهى فى المسألة» (ص ١٢٢). ثم ينتقل الشيخ الدفتار إلى مسألة التجديد فى الفقه فيقول إنه مطلوب لأنه المنهج الذى يلتزمه الباحث فى حركته الحياتية فى كل المجالات». ويقول «والفقهاء منذ قديم الزمان كانت لهم لمحات فى التوجيه إلى هذا التجديد فقالوا ويكفى المفتى غلبة الظن بأن هذه مسألة مستحدثة، وليس لأهل العصور السابقة كلام فيها» (ص ١٢٤). ويقول «ووجهة القول بالتجديد أن اختلاف الزمن من شأنه تغيير الرأى والاجتهاد، فقد يظهر له فى الزمن الثانى ما لم يظهر له فى الزمن الأول، فوجب عليه تجديد الاجتهاد». ثم يلجأ إلى الإمام الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين إذ يقول «والحقيقة أن حكم الواقعة إنما يتجرد عندما تتغير طبيعة الواقعة.. فقد يعرض لها من الأحوال ما يستدعى تفصيل حكم غير ما شرع لها أولا، وإذ وجد العالم الراسخ فى فهم مقاصد الشريعة واقعة علق عليها الشارع حكمًا، ثم تغير حالها إلى حال تقتضى تغيير الحكم اقتضاء ظاهرًا كان له أن يقتبس من الأصول حكمًا يطابقها»، ومثال ذلك خروج النساء لصلاة الجماعة فى المسجد، فإذا جاء عهد يكثر فيه تعرض السفلة من الرجال للنساء وحدثت وقائع تدل على أن سلطان الدين أصبح ضعيف الأثر فى نفوس هؤلاء، فقد انضم إلى مسألة خروجهن للمساجد مفسدة، فللمجتهد أن ينظر إلى مصلحة خروجها ويقيسها بالمفسدة ليعلم أيهما أرجح وزنًا، ويستنبط لها حكمًا يراعى فيه الحالة الطارئة»: ثم يقول الشيخ الدفتار وبوضوح تام «ولا شك أن الناس اختلفوا اختلافًا كبيرًا فى أحوالهم ومعايشهم وأخلاقهم وسلوكهم ومعرفتهم ومعظم شئونها مما يتطلب نظرة جديدة إلى ما تضمنته كتب الفقه فتتم مراجعتها علميًا لتبلغ الناس ما هم بحاجة إليه وما ليس إليه حاجة» (ص١٢٧) ثم يلقننا «ينبغى فى كل الأحوال ألا يلقى الاتهام على أى طرف دون تفكير وتعقل، فإن الله عز وجل قد بين لنا أن القرآن هداية ولم يذكر أنه يدفع بالإنسان كرها إلى الالتزام به، فالناس فى موقفهم من القرآن بحسب استعدادهم» ثم هو يحذرنا مؤكدًا أن الانحرافات فى المجتمع الإسلامى هى ثمرة للابتعاد عن التربية الإسلامية الصحيحة، وترويج ما يخالفها والاستناد إلى ما تشابه من الآيات ابتغاء الفتنة، كما أن هؤلاء المنحرفين يدفعون إلى الانحراف، أما وجود بعض الأفكار موضع مؤاخذة عند الأسوياء فلا تأثير لها (ص١٢٩) ومن ثم فهو يرى أن واجب العلماء» القيام بتنقية تلك المفاسد مما يكون طابعه الغموض أو ما يؤدى إلى اضطراب الفهم وبلبلة الفكر وتبديد الخواطر مع إيضاح قوة الحجة وإغلاق باب التشكيك على المعاندين، وطمأنة قلوب المنصفين والمؤمنين (ص ١٣٣).
وفى ختام هذه الدراسة المتقنة والممتعة يقترح الشيخ «تأليف كتيبات أو مقالات بصفة دورية تتناول موضوعًا من موضوعات القرآن الكريم لإبراز مزايا الأسلوب القرآنى، وبيان ثمرات التدبر وتحصيل الفوائد والعبرة وفق منهج التفسير الموضوعي».. شكرًا يا مولانا ألف شكر وإلى مزيد.
ونأتى بعد ذلك إلى باحث مدقق وعالم محقق وهو وإن كان غير أزهرى فإنه كما وصفه الكتاب الأزهرى المحتوى «من كبار علماء المقاصد الشرعية».

نأتى إلى الأستاذ الدكتور محمد كمال الدين إمام، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وقد التقينا معا فى ندوة «الأصولية» بمكتبة الإسكندرية فكان بحثه الذى قدمه فى الندوة ملهمًا ومبدعًا، ودراسته فى كتاب مشيخة الأزهر «مقالات فى التجديد» عنوانها «فى الاجتهاد والتجديد.. مفاهيم وآليات. ورقة مبدئية، ونقاط للتفكير».. والدراسة تستغرق ثمانية وعشرين صفحة من الكتاب ولا نملك إلا أن نعتذر للقارئ وللباحث إذ نختصر. فهو مثلًا ينقل عن محمد عبدالله دراز «أن العبادات هى شعار العقيدة وعنوانها لكنها مع عظمتها فى نظر الشريعة هيئة فى العمل، ميسرة لمن أراد، وإنما تختبر الهمم وتبتلى العزائم فى ميدان المعاملات، إذ هى أشد القسمين عناء، بل هى أكثرهما حقوقا فى الدنيا وأثقلهما حسابا فى الآخرة ولا يفهم من ذلك أن الحديث «الدين المعاملة» (وفى الهامش أنه من الأحاديث التى اشتهرت علم الألسنة نسبتها إلى الرسول الكريم وهو حديث لا أصل له) يصلح - متكأ لأولئك المفرطين فى جنب الله، الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون وإذا قيل أنفقوا لا ينفقون ثم يقولون «الدين المعاملة» كأن من أحسن معاملة الناس لا حرج عليه إن أساء معاملة الله (ص ٧٢). ثم ينتقل بنا إلى موقف الغرب من التشريع الإسلامى ويركز على ثلاث قضايا: «الموقف من المرأة والعقوبات الجنائية الإسلامية وقضية الربا»، وهذه الثلاثية لها فى العقل الفقهى ما يعتبر فى الأدبيات القديمة والحديثة انفتاحا للنص على كل قضايا الواقع واجتهادا للعقل يحسب له لا عليه، ولكن دون ذلك ترسانة من التشريعات لا يستطيع أن يتخفف منها العقل التشريعى المحافظ بطبيعته وفى ظل أفق دستورى غائم ليست له مرجعية حقيقية تحرك التفاصيل فى الواقع الاجتماعى، (ولعله بهذا يشير إلى عديد من الوقائع التى جرى فيها ظلم الشريعة بمواقف وأحكام تستند إلى ترسانة التشريعات) (ص ٧٤) ثم ينتقل بنا إلى فصل سماه «فى ضبط المصطلح» فيقول: «يبدو مصطلح التجديد ملتبسا هل هو تجديد للدين أم تجديد للأحكام؟ أم تجديد للفكر؟ والعمومية والتجريد يحتملهما اللفظ، والمصطلح لا بد أن يكون منضبطًا فلا بد من التمييز بين التجديد والاجتهاد». ويقول: «الرأى عندى أن المعرفة الأصولية والفقهية المعاصرة توجب الفصل بين المصطلحين فبينهما مغايرة فى الموضوعات ويجتمعان فى المصادر والغايات».
ثم هو يطرح للنقاش فكرة أن «الاجتهاد ميدانه الأحكام الشرعية ويتطلب ذلك عالما فى الفقه يمكنه معرفة باطن الشيء والوصول إلى أعماقه (ص٧٧). أما التجديد فإنما يكون فى النظم وعالم الوقائع وميدانه فسيح ومنهجه محدود الخبرة والتجريب وأهله هم أهل الاختصاص فى كل فروع العلوم الطبيعية والاجتماعية». ثم ينتقل بنا الدكتور إمام إلى سؤال قد يبدو صعبًا لكنه مهم فيقول: «قد يحدث التزاحم بين قيمتين أخلاقيتين، فمثلًا عندما «يبحث البعض عن شخص برىء لتعذيبه أو إعدامه ويعرف شخص مكانه الذى يختفى فيه، فإذا سئل عن مكانه فماذا يفعل؟ هل يقول الصدق فيعرض إنسانا بريئًا للقتل؟ أم يقول لا أعلم ويكون قد كذب؟ هنا يحدث تزاحم بين مصلحتين إحداهما قول الصدق والأخرى حفظ حياة برىء» (ص٨٨) ثم هو ينتقل بنا إلى موضوع أكثر تعقيدًا وهو «المصلحة» فيقول: «لقد ثبت بالعقل والتجربة أنه لا يمكن جمع خير جميع الموجودات مع بعضها، فالإنسان يحتاج لأكل لحوم الحيوانات، ولأجل حياته يذبح البقر والأغنام والطيور، وعلى هذا فإن خير بعض الموجودات يضحى بها فى سبيل الأخرى، فجميع الموجودات قانونها الحصول على كل ما يقتضيه وجودها فى العالم المادى، ولكن بسبب التزاحم لا يكون عندها إمكانية الحصول على هذا الكمال، فهل من الصحيح القضاء على حياة بعض الحيوانات للمحافظة على حياة الإنسان؟» ويقال هنا إن المصلحة تقتضى ذلك، فما هو مقصود «المصلحة»؟ وبعد شرح فلسفى مطول يحذرنا الدكتور إمام «والمصلحة التى هى من لوازم الاجتهاد الجديد ليست مجرد فكرة يمكن اصطيادها وتأطيرها فى قالب جامد بل هى دليل يتقدم فيه الكلى على الجزئي»، ثم «وهذا يعنى أن عالم الاجتهاد يحتاج إلى عقل مفتوح على شمولية النص، وفاعلية المصادر وحركية الوقائع». ثم هو يحدد القواعد الفقهية مع الاعتراف بقصور العقل عن إدراك الأحكام والمسائل كافة – فإنه يدرك أن الأحكام الفقهية لا تخلو من إحدى حالات ثلاث:
■ لدرء مفسدة، ووقاية من مهالك الدنيا والآخرة
■ أن تأتى لأجل دفع البلاء الذى يحل بالإنسان وتذليل العقبات التى تقف بوجهه وتمكينه من ممارسة حياته بشكل أفضل
■ وقبل هذا وذاك أن تكون غايتها لأجل تحقيق مصلحة دنيوية وأخروية للإنسان وهكذا فإنه يضع الأحكام الفقهية مهما تجددت ملتزمة بمصلحة الإنسان وبمصيره فى الدنيا والآخرة، وكل هذه المسائل تحدد مسار نهضة الفقه المعاصر، وتدفع إلى نضج الاجتهاد وتكامل جوانبه. فالفقه باعتباره معرفة متراكمة يدخل فى بنية الزمن باعتباره مجالًا لحركته ويدخل فى كينونة الإنسان باعتباره جزءًا من هويته، ويدخل فى نسيج التاريخ باعتباره وعيًا بوظيفة الفعل الإنسانى ورصدًا لخطواته.
ولا يبقى إلا الشكر الجزيل للأستاذ الدكتور محمد كمال الدين إمام الذى وصفه كتاب الأزهر الشريف بأنه من علماء المقاصد الشرعية.