الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

ماذا وراء توالي إعادة طبع كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر"؟

مستقبل الثقافة في
"مستقبل الثقافة في مصر"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يأتي توالي صدور طبعات جديدة من كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، للتذكير بأن مصر لا تزال في أشد الحاجة إلى العمل بكثير مما ورد في هذا الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى قبل ثمانين عاما.
نعم، لا تزال تلك هي قناعة كثيرين، برغم ما يتردد عن أن طه حسين نفسه لم يتحمس في حياته التي امتدت حتى الثامن والعشرين من أكتوبر 1973 لإعادة طباعة هذا الكتاب، ليس يأسا من إمكانية تطبيق ما جاء فيه بقدر ما هو إدراك أن الزمن تجاوزه عبر تطورات تكنولوجية هائلة لا زالت تجدد إلى ما شاء الله.
أحدث هذه الطبعات صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بتقديم الكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة السابق.
ويرى النمنم أن هذا الكتاب يختلف عن كل كتب د. طه حسين، سواء منها ما صدر قبله أو بعده وإلى آخر حياته، ليس فقط في موضوعه، ولكن في طريقة تفكيره، إذ كان في كتبه جميعا، هو الأديب المبدع كما في "دعاء الكروان "والحب الضائع"، أو هو الباحث المدقق كما في "علي وبنوه"، و"حافظ وشوقي"، وأحيانا هو المصلح الاجتماعي في ثوب أدبي، والمتمرد على أوضاع المجتمع كما في "المعذبون في الأرض" وشجرة البؤس".
ويضيف أن طه حسين في "مستقبل الثقافة في مصر" هو الكاتب والمفكر الطموح الجريء في طرحه لما يراه وما يعتقد فيه، وهو كذلك "رجل الدولة"، وهو وضع هذا الكتاب بهذا المعنى، إذ كان مسئولا وقتها وقبلها بوزارة المعارف، وإليه يرجع الفضل في تأسيس جامعة الإسكندرية.
وبحسب تقديم النمنم، يقترح طه حسين في كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" على الحكومة المصرية أن تنشئ مدارس عربية في فلسطين وسوريا ولبنان، مدركا مخاطر وجود كمدارس أجنبية في هذه البلدان المجاورة لمصر والتي يعتبر عقلياتها أقرب ما تكون إلى العقلية المصرية.
ويضيف النمنم: "والحق أن ذلك الاقتراح قد حمله قبل عشر سنوات من هذا الكتاب إلى وزير المعارف علي ماهر، لكن الأخير أنبأه أن سلطات الاحتلال البريطاني لن تمكن مصر من ذلك".
لكن يظل هذا الكتاب مهما بالطبع في سياق زمنه، وخصوصا عندما نلاحظ، كما فعل النمنم نفسه، أن خصوم طه حسين اتهموه قبل ثمانين عاما بأنه أراد بهذا الكتاب أن يخضعنا للسيطرة الأوروبية، وكان هو يسخر من ذلك الاتهام، ولنا نحن الآن أن نسخر أيضا ولكن بمرارة أشد من تلك التي شعر بها العميد بالتأكيد إزاء الاتهام نفسه، فالتعليم الجامعي وقبل الجامعي عندنا اليوم قائم في كثير من معطياته على أفكار أوروبية بل وأيضا يابانية وأمريكية وكندية، أما تعليم الأزهر الذي لا يزال بعيدا عن تلك المؤثرت، فإنه لم يعرف بعد التطوير الذي نادى به طه حسين قبل نحو ثمانية عقود!
وفي تقديمه لطبعة هيئة قصور الثقافة من كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" للدكتور طه حسين، يلاحظ حلمي النمنم كذلك أن عميد الأدب العربي أختتم كتابه هذا بسؤال مهم: هل لدينا ثقافة مصرية خالصة.. ثقافة وطنية؟ وأجاب بلا تردد: نعم لدينا ثقافة وطنية مصرية، وإن كانت ما تزال ضعيفة بعد، ولكنها قائمة وموجودة!
ويضيف النمنم أن طه حسين كان يدرك أن كثيرين في أوروبا لا يستريحون لمفهوم الثقافة الوطنية، بالنسبة لأي بلد، لأنهم يريدون للثقافة أن تكون إنسانية في المقام الأول، ولا يمكن لأحد أن يجرد الثقافة من بعدها الإنساني، وقضايا الإنسان، لكنها أيضا تخص مجتمعا وثقافة بذاتها، فالمواطن في أفريقيا له قضايا وهموم ليست نفسها التي لدى المواطن في آسيا أو أوروبا.
وفي هذا السياق لاحظ النمنم أن طه حسين كان يؤمن بأن الثقافة تقوم كذلك على الفرد المبدع الذي يقدمها وتنسب إليه، ولا يمكن لأحد أن ينكرها عليه، ويضرب مثلا بالموسيقار بيتهوفن، فلا أحد يمكنه أن يخرج بيتهوفن من تلك الموسيقى وينسبها إلى بلد معين.. هذا كله صحيح وقائم، ومع ذلك يبقى للثقافة الوطنية وجود ودور.
ويضيف النمنم: تقوم ثقافتنا الوطنية على التراث والحضارة المصرية القديمة، بكل جوانبها، وكذلك تراثنا وحضارتنا العربية والإسلامية، وكانت مصر فيها رائدة ومتميزة، وظلت كذلك إلى أن وقع "الغزو العثماني" سنة 1517 والذي قام بتعطيل وتجميد تلك الحضارة وعزل مصر عن العالم الخارجي وخاصة أوروبا، فلم يعد هناك اتصال بيننا وتقدموا هم وبقينا نحن حيث كنا..وتقوم تلك الثقافة أيضا على واقعنا ومحاولة النهوض في تاريخنا الحديث والمعاصر، والتي نحاول فيها استعادة القيام بدورنا الحضاري.
ويستطرد قائلا: وتعتمد هذه الثقافة على الاعتدال المصري المعهود، الاعتدال في الشخصية والمزاج، والاعتدال في الاعتقاد والتفكير والسلوك.
على أية حال ، فإننا نرى مع النمنم أن أي تقديم لهذا الكتاب؛ كتاب "مستقبل الثقافة في مصر"، لن يوفيه ما يستحق، فقد وضعه العميد في لحظة من الانتصار الوطني، واكبت "معاهدة الشرف والاستقلال".
ويقول النمنم: "صحيح أننا لم نل الاستقلال التام وقتها، لكن كان هناك تفاؤل شديد بإمكانية استكمال ما بدأناه".
أما مقدمة العميد لكتابه هذا الذي يرى النمنم وغيره من مثقفي مصر أننا في أشد الحاجة لإعادة قراءته الآن، فقد بدأها بالقول: "أغراني بإملاء هذا الكتاب أمران، أحدهما ما كان من إمضاء المعاهدة بيننا وبين الإنجليز في لندن، ومن إمضاء الاتفاق بيننا وبين أوروبا في منترو، ومن فوز مصر بجزء عظيم من أملها في تحقيق استقلالها الخارجي وسيادتها الداخلية".
ويضيف طه حسين: "وقد شعرت كما شعر غيري من المصريين، وكما شعر الشباب المصريين خاصة وإن باعدت السن بينهم وبيني، بأن مصر تبدأ عهدا جديدا من حياتها إن كسبت فيه بعض الحقوق، فإن عليها أن تنهض فيه بواجبات خطيرة وتبعات ثقال".
ويختتم طه حسين مقدمته بالقول: "ومن يدري! لعل هذا الكتاب كله أو بعضه سيقع موقعا حسنا من بعض الذين إليهم أمور التعليم، ولعلهم أن يأخذوا ببعض ما فيه من رأي".
وهكذا يبقى السؤال: هل أخذ معاصرو طه حسين من المسئولين عن أمر التعليم والثقافة في مصر بشيء مما وضعه في هذا الكتاب؟ وهل من أمل في أن يلتفت إليه المسئولون الحاليون فيأخذوا منه شيئا، أم أن الوقت تجاوزه بالفعل؟