السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المجلس الأعلى للصحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يوجد فى كل بلد مجلس أعلى للصحة برئاسة رئيس الوزراء أو رئيس الدولة، وعضوية الوزراء والتنفيذيين الذين يمثلون القطاعات الثلاثة المسئولة عن تقديم الخدمة الصحية، ومراقبة جودة الخدمة، والتمويل. وقد استبشرت خيرا عندما قرأت ما نشر فى اليوم السابع، بتاريخ الثلاثاء ٢٦ فبراير ٢٠١٩، عن انعقاد لقاء بمقر مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، وعضوية كل من وزير التعليم العالي، ووزيرة الصحة والسكان، ووزير الصحة الأسبق د. عادل العدوي، وهو أيضا الأمين الحالى للجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات، ورئيس الأكاديمية الطبية العسكرية، ورئيس الهيئة القومية لتدريب الأطباء، وأمين المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، بالإضافة إلى نقيب الأطباء وأمين عام الزمالة المصرية ومدير المعهد القومى للتدريب. وقد ناقش اللقاء عدة موضوعات متعلقة بالأطباء والتدريب والخدمة الصحية، وسوف نخصص لهذا الموضوع عدة مقالات لتغطية هذه الموضوعات المهمة والحيوية.

نتناول فى هذا المقال العنصر البشرى من الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والتمريض وغيرهم وهم أساس الخدمة الصحية وعمودها الفقري، وبدونهم تنهار الخدمية الصحية.

ويجب أن نعترف أن هناك عجزا شديدا فى أعداد الأطباء خاصة فى مستشفيات وزارة الصحة، وهم يمثلون ٩٠٪ من مجموع الأطباء العاملين فى مصر، وإذا كان المعدل العالمى لنسبة الأطباء إلى تعداد السكان هو ١ إلى ٤٠٠، فإن المعدل الحالى فى مصر هو ١ إلى ١٢٠٠، أى أن مصر بحاجة إلى ضعفى العدد الموجود حاليا. فكيف يمكن تحقيق ذلك إذا كان العدد الحالى معرض للنقص وليست الزيادة؟

ولدراسة أى مشكلة يجب أن نتعرف على الأسباب التى أدت إليها، ثم نضع المقترحات لحلها، ومشكلة النقص المتزايد فى أعداد الأطباء لها أسباب كثيرة أهمها نزوح وهجرة الأطباء إلى الخارج، وترك الأطباء لمهنة الطب والاتجاه لأعمال أخرى (وهى نسبة قد تصل إلى ٣٠٪ من خريجى كليات الطب)، وسوء ظروف العمل، وحالة عامة من عدم الرضا بين جموع الأطباء.

نزوح الأطباء المصريين إلى الخارج، وبخاصة البلدان العربية (٧٠ ألف طبيب مصرى على الأقل يعملون فى السعودية)، ليس جديدا، وإنما الجديد هو هجرة الأطباء إلى أوروبا وأمريكا وأستراليا ونيوزلندا، وهو الأخطر؛ حيث يهاجرون بغير نية للعودة، واللافت للنظر أن المجموعة الأخيرة غالبا ما تمثل الفئات الممتازة من الأطباء حديثى التخرج والذين تنعقد عليهم الآمال لتطوير وتحديث الخدمة الصحية فى المستقبل.

وأسباب نزوح الأطباء أو هجرتهم معروفة للجميع، وتتركز فى ضعف أجور الأطباء، وسوء ظروف وبيئة العمل. فأجور الأطباء المصريين متدنية للغاية أن لم تكن الأدنى على المستوى الدولي، وقد قابلت أطباء مصريين من حديثى التخرج قد قرروا السفر للعمل فى جزر المالديف مقابل مرتب شهرى من ٣٠٠٠ إلى ٤٠٠٠ دولار، وهو أكثر من ٢٠ إلى ٣٠ ضعفًا، ما يحصل عليه الطبيب المصرى الشاب

وقد نادى العديد من المنتمين إلى القطاع الصحى فى مجلس النواب، خاصة د. جمال شيحة رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى السابق، ود. إيناس عبدالحليم وكيل لجنة الصحة الحالية، إلى مضاعفة أجور الأطباء ووضع كادر خاص بهم، لكى نحافظ على الأعداد الحالية منهم، ونغلق المحبس الذى يتسربون منه، فهل تستجيب وزارة المالية؟

والأخطر من تدنى دخول الأطباء هو سوء بيئة العمل المحيطة بهم، حيث لا يتلقى الأطباء التدريب الطبى اللائق، وهذا ما نخصص له المقال التالي، ولا يجد الأطباء الإمكانيات من الأجهزة والمستلزمات الطبية التى تمكنهم من أداء خدمة لائقة بالمرضي، وما يتبع ذلك من الاعتداء اللفظى وأحيانا الجسمانى على الأطباء، ليس هذا فقط بل ومعاقبة من يخطئ من الأطباء بقانون الإجراءات الجنائية (criminal law)، وليس بقانون الأحوال المدنية (civil law)، وأمام هيئات طبية متخصصة كما هو الحال فى باقى بلدان العالم.

والوضع فى هيئات التمريض ليس بأفضل من وضع الأطباء، ويوجد عجز شديد فى أعداد هيئات التمريض خاصة فى المستشفيات الجامعية، وعلى سبيل المثال تعانى مستشفيات جامعة المنصورة من عجز شديد فى هيئات التمريض مع تفضيل الممرضات للعمل فى مستشفيات وزارة الصحة، حيث تتساوى المرتبات ولكن تختلف ظروف العمل لصالح مستشفيات الصحة، وقد حاول عدد غير قليل من أعضاء مجلس النواب، وعلى رأسهم د. مكرم رضوان، بتفضيل التمريض العامل فى المستشفيات الجامعية ماديا ومعنويا، لكى يستمروا فى العمل داخل المستشفيات الجامعية، بدلا من الذهاب إلى مستشفيات وزارة الصحة، أو طلب إجازات وجوبية أو الاستقالة، وهو ما لم يتحقق بعد.

وإذا كانت الأسباب سابقة الذكر معروفة للجميع، فما سبل الحل لزيادة أعداد وكفاءة الأطباء والتمريض؟

الحل العاجل من وجهة نظرى هو غلق المحبس الذى يؤدى إلى تسرب الأطباء والتمريض، والحل الأجل هو فتح الصنبور لكى تزداد الأعداد بزيادة المقبولين بكليات الطب وكليات التمريض، وذلك من خلال فتح كليات طب أهلية وحكومية وبخاصة جديدة، وزيادة الطاقة الاستيعابية للكليات الموجودة حاليا، وبما لا يخل بمتطلبات الجودة فى أى كلية جديدة.

ولوقف نزوح الأطباء والتمريض لا بد من زيادة الأجور لكى تتناسب مع ظروف الحياة، وتحسين ظروف العمل بزيادة الإنفاق على الصحة، وسن عدة قوانين لحماية الأطباء وتشجيع الكبار منهم على الاستمرار فى العمل إلى ما بعد سن الستين، ولمنع صغار الأطباء والتمريض من ترك العمل الحكومى واللجوء إلى العمل الخاص، أو للسفر إلى الخارج أو حتى ترك المهنة تماما

وهنا يأتى دور المجلس الأعلى للصحة، وهو المجلس الذى ينفذ رؤية رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وهو مجلس سياسات وتنسيق بين مختلف الجهات التى تقدم وتراقب وتمول الصحة، والذى يجب أن ينضم لعضويته وزيرى المالية والتخطيط، لضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. ونستكمل فى العدد القادم بإذن الله تعالى.