الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيفك أنت؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أحب الرقص الشرقى، ولا أعده فنًا، ولا أحسبه يستحق أن يُصنف تحت بند الفن.
مرجعية موقفى هذا ليست دينية، وليست متطرفة، كما سيروق لـ«دواعش الليبرالية» وصفه، وإن كنت لا أنفى أن الدين ذو أثر فى أحكامنا إجمالًا، لكنى أيما يكون، أستطيع الجزم بأنه رأى مبدئي.
ما المتعة العقلية أو الروحية التى يحدثها النظر إلى أنثى شبه عارية ترجرج نهديها وتهزهز خاصرتها وردفيها؟
وظيفة الفن أن يستنهض فى النفوس، النزوع إلى المعانى الجميلة، أو بالأحرى المعنويات، لا أن يستفز المشاعر الحسية الغريزية.
الرقص الشرقى لا يؤدى تلك الوظيفة، يناغى الطاووس الذكوري، يخاطب ما تحت السّرة: نزق الرجل الأهوج والبربري، إزاء «أكل لحم النسوان»!
موقفى من الرقص الشرقي، يتسق مع ذائقتى الفنية، فحتى الشعر الذى أحسبه أعظم الفنون البشرية، وأرقى إبداعات بنى آدم، حتى الشعر لا يستهوينى منه الغزل الصريح، أو فلنقل: الفاحش.
هذا الموقف أو تلك الذائقة، هى ما جعلتنى مفتونًا بعنترة ابن شداد، فالشاعر على حبه الذبّاح، لم يشبب بعبلة، وإنما كتبها بفروسية أبية: «ولقد ذكرتكِ والرماح نواهلٌ منى وبيضُ الهندِ تقطر من دمي»، فى بيت أحسب أنه لو لم يكتب غيره، لكان ذلك يكفيه فخرًا، فى حين لم يستغرقنى عمرو بن أبى ربيعة، ولا امرؤ القيس، وهو من هو.
لا أجد تسلية عقلية، فى وصف نهدى امرأة حسيًا، أو فى وصف علاقة جنسية، بين الشاعر وحبيبته، هذا كلام مكانه غرف النوم المغلقة، وليس البث إلى القرّاء، والعرض فى الطرقات.
موقف شخصي، لست أُلزم به غيري، ولا أصادر على مخالفيه، وإن كنت أستغرب ممن يصنفون رأيى فى إطار التخلف والتطرف، وهم فى واقع الأمر متطرفون فى إقصاء مخالفيهم.
هؤلاء يرفضون أى خلاف، فاللاتى يضربن بخمرهن على جيوبهن، محض متخلفات أو مغلوبات على أمرهن، مجبرات على هذا الزى الرجعي، أما المتبرجات الكاسيات العاريات، فهن أمثولات التقدم والتحضر والتمدين!
فكرة الحرية هنا تبدو منتهكة، كل الانتهاك، فلا مجال أن تكون المرأة اختارت بمحض إرادتها، واقتناعها أن ترتدى هذا الزى أو ذاك.
إن «الدواعش» تشابهوا علينا، سواء دواعش الليبرالية، أو دواعش البغدادي!
غير أن كراهيتى أو بالأحرى، اشمئزازى من الرقص الشرقي، لم يحل دون أن أتورط فى تلك الراقصة اللبنانية، وكان ذلك منذ نحو عقدين من الزمان.
سمراء قصيرة القامة نوعًا ما، تزين ذقنها شامة، تحت شفتين غليظتين دسمتين، عيناها سوداوان، فى ذقنها طابع حسن غائر، مشدودة الخاصرة، شعرها فاحم، منسدل وتعتريه تموجات خفيفة.
كانت فى تلك السهرة، ترقص إزائي، فيما تنهق «مغنية ما»: «أنا قلبى إليك ميّال»، بصوت محشرج من فرط التدخين، وكأنه يخرج من حلق فيه شعيرٌ يُجشُّ، كما يقول شاعرنا ابن الرومي، غير أن تبرمى بصوتها، وضجرى من أدائها، لم يمنعنى من أن أهزُّ رأسى طربًا، مع لحن الموجى العظيم.
لم أهتم ليلتها بالنظر إلى المرقص والراقصات، هذا دأبى دائمًا، فإذا بالسمراء تدنو إلى طاولتي: «شو اسمك؟»، جاوبت، فمضت تدور حولي، ثم عادت: «مصري؟.. فكّرتك لبناني».
ابتسمت: «إن شعرى الأفريقى الأجعد، لا يمكن أن يكون لبنانيًا»، راق لها التعليق، طلبت رقم هاتفي، أعطيتها بطاقة شخصية، وعدت إلى سيرتى الأولى، أتحدث إلى صديق، كان دعانى لتلك السهرة، من دون متابعتها تتلوى وسط السكارى.
انتهت السهرة، ومضيت أهبط سلالم الفندق، فإذا بهاتفى يهتز، وإذا بصوتها يأتينى شيقًا عذبًا أنثويًا، تزيده اللهجة اللبنانية غواية: «كيفك أنت؟»!.
عرفت كثيرات، لكنى لم أعرف راقصة من قبل، فى المخاطرة، إغراء كبير.
من ذا الذى يتوهم أن الرجل بوسعه إزاء الأنثى أن يكبح نزوعه إلى مهنته المبكرة: الصيد؟
لا أعرف على وجه التحديد، ماذا تريد؟ ولا أعرف ماذا أريد؟
جميلة، سمراء وأنا قلبى إلى السمراوات «ميّال»، لكن ماذا بعد؟
ما شكل العلاقة التى يمكن أن تتأسس بين صحفى شاب وراقصة؟
علاقة حسية؟... لست حسيًا على كل الأحوال، والجنس لم يشكل لى هوسًا، حتى فى مراهقتى المبكرة.
لكن، السمراء لا تريد علاقة حسية: «تعا اخطبنى من بابا فى زحلة».
- لماذا أنا يا عزيزتي؟ لا أجد فى نفسى ميزة استثنائية، لن أوفر لك واحدًا على عشرة من الأموال التى يرميها تحت رجليك، أولئك الذين أدارت الكئوس رؤوسهم، ثمة رجال أعمال، وتجار، وصعاليك، وأنذال، يتقاطرون كل ليلة على الملهى، من أجلك أنتِ.
-لأنك لم تنظر إليّ، كنت أرمقك فى دهشة، كيف لم تنتبه لي؟ ألم ترنى جميلة؟».
-على العكس، أنت باهرة الجمال، لكنى لا أحب الرقص الشرقى إجمالًا، وتقديرى أنك لست فى حاجة إلى شهادة منى بجمالك، فالمعجبون بحسنك طوابير.
لكنك لم تنظر إليّ، هذا أصابنى حقًا بالجنون، كنت أرقص فأرسل إليك نظراتي، وأسأل نفسي: «لماذا لا ينظر إليّ؟... هذا التجاهل أشعلنى غضبًا».
ثم تنهدت بعمق: «تعا اخطبنى من بابا فى زحلة، بدى أكون ست بيت وأربى أولادي، بتكفينى عيونك تتطلع عليّ».
غرقت فى صمت متوتر، أطلقت ضحكة ماجنة: «انسَ ها الحكي... كيفك أنت؟».