السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ونسيت أني امرأة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«ونسيت أنى امراة» من روايات المبدع إحسان عبدالقدوس، والتى تحولت إلى فيلم سينمائي، وتحكى الرواية أن المرأة الباحثة عن ذاتها والطموحة الناجحة، التى تصل لأعلى الشهادات والمناصب دائما ما تكون أنانية! حتى على حساب نفسها وأسرتها، وتخسر نفسها فى النهاية، وأنا حسب قراءتى وما فهمته من الرواية، أن أجمل ما فيها، هى كيف استطاع إحسان عبدالقدوس، أن يدمج الرواية بكل الأحداث السياسية التى مرت بها تلك المرحلة فى السبعينيات، من ماركسية وإخوان مسلمين واشتراكية، بين السطور المندمجة بأحاسيس امرأة تبحث عن الذات والحب، ولكن شخصية تلك المرأة أرى أنها حالة نادرة، وليست مقياسا لكل السيدات الناجحات فى الحياة العملية، فالأمثلة كثيرة جدا حولنا، من الناجحات فى العمل والحياة الزوجية، من وزيرة وكاتبة وقاضية وطبيبة... إلخ، ولم ينسين أنهن سيدات، وزوجات وأمهات، بل إن أبنائهن متفوقين ويصلون لأعلى المراتب العلمية والعملية، وحياتهن الزوجية ناجحة جدًا، أما الرواية فتوضح عقلية المرأة المتسلّطة (فقط) الطامحة إلى فرض ذاتها على الجميع، وعلى حساب أى شخص أيا كان، والأنا عند تلك المرأة مبالغ فيه ولا تسمح لأحد بفرض أناه على أناها.
وعند قراءتك للرواية تجد فى سطورها التى خطها الكاتب، أنها على هيئة اعترافات امرأة، تتحلّى بكل شىء، أنوثة طاغية، وذكاء عالٍ، وحياة عامة منفتحة، ولكن مع تصاعد الأحداث فى حياتها، والاقتراب من النهاية، تجد أن تلك المرأة قد ابتليت بشخصية أنانية مغرورة، تظل تمجد نفسها وتعظم أناها، ولا تعترف بأى تقصير منها حتى تجاه نفسها.
ولكن أتساءل أيضا، بما أن الكاتب معروف بجرءته وتضامنه المستمر مع المرأة وقضاياها، فى كتاباته رغم انتقادات المجتمع القاسية له؛ لأنه منحهن الحرية بقلمه الجرىء الذى احتضن أحزانهن، لماذا أظهر فى هذه الرواية أن المرأة الطموحة تكون بهذه العقلية الأنانية المتسلطة؟ وأن حياتها الزوجية فاشلة؟ وتندم فى النهاية؟! حتى لو وصلت لأعلى المناصب.
فهل لو كنا فى مجتمع آخر غير المجتمع العربى والشرقي، لكانت «سعاد» بطلة الرواية، فخرا وفرصة لأى رجل، أم لأن مجتمعاتنا دائما ما تنتقد المرأة العاملة، وتحاربها لكى تكون متفرغة للبيت فقط، وهل هذا المجتمع الذكورى كان له تأثير بين سطور الرواية؟ عندما تستقرئ منها بأنه توجد نوعية معينة من النساء، كلما ارتفع مقدار طموحها كانت أكثر شراهة إلى السلطة والهيمنة، فبالقوة والذكاء والصلابة التى تؤهلها لبلوغ أعلى المراكز وتنافس الرجال، وتتفوق عليهم، وتكافح بعزم وتحد نراها غير مهتمة بالعواقب أيا كانت.
فبطلة الرواية، التى تكتشف بعد سنين الكفاح الطويلة، أنها استنفذت طاقتها الفكرية والجسدية، فإذا بها تستفيق فجأة على احتياج المرأة بداخلها مدفون، وآن له أن يخرج، بعد أن أهملته، وأنها فى احتياج شديد للرجل ولابنتها بعد الشعور بالوحدة، ولكن بعد فوات الأوان، لتستفيق على نهاية فوضوية، فهى لم تنس أنها امرأة فقط، بل نسيت أنها أم وزوجة، وابتعدت عنهم وبعدوا عنها وصارت وحيدة، فهى تعترف فى آخر الرواية بقولها: 
«أعترف بأن فى حياتى نقطة فشل تكررت أكثر من مرة، وتحولت نقطة الفشل إلى مركز فشل دائم، وقد كنت دائما أقوى من الفشل، إننى أعترف، فشلت مع زوجى الأول، وفشلت مع الرجل الذى جذب أنوثتى، وها أنا أفشل مرة أخرى مع زوجى الأخير، ما سر هذا الفشل؟ لماذا أنجح كزعيمة وأفشل كزوجة؟». لماذا هذه الشخصية بهذه الأنانية ثم الندم فى النهاية تكون بطلة رواية تسىء للناجحات العظيمات؟
لو نظرنا بعمق فى الواقع الذى نعيشه، سنجد أن معظم من نسين أنهن نساء، الأم الأرملة أو المطلقة، التى نسيت طبيعتها الأنثوية أو تناستها متعمدة، من أجل الأبناء، وسعت فى العمل والعلم بالجد والاجتهاد، ووصلت لأعلى المناصب، ولم تنس أبناءها أو تهملهم، ولكنها نسيت أنها امرأة فقط، وضحت بها من أجل الأولاد، ومن أجل النجاح فى العمل والحياة، وهذه المرأة تختلف تماما عن سعاد بطلة الرواية، هناك فرق كبير بينهما، وليست كل امرأة عاملة وناجحة تكون مقصرة فى حق نفسها أو أسرتها، ولكن مجتمعاتنا العربية التى دائما ما تقف للمرأة بالمرصاد، وتضع العقبات فى طريقها، والقيود فى يديها، حتى تظل تابعة للرجل وتحت هيمنته وتصرفه، فعند قراءة هذه الرواية، أرى من وجهة نظرى أن قصة «سعاد» أساءت للمرأة الطموحة، رغم أن الكاتب متعاطف دائما مع المرأة، لكن هذه القصة بالذات تجعل القراء يكرهون وينتقدون كل امرأة تحاول أن تثبت ذاتها ووجودها بالعلم والعمل، فكل امرأة ناجحة ومرموقة سيراها القارئ تلك المرأة بطلة الرواية، ويبدأ التأثير على المجتمع، بأن كل من تطالب بحقها فى الحياة والعمل والنجاح هى سعاد الأنانية، التى دمرت أسرتها من أجل نجاحها، أتمنى أن أرى كتابات، وبخاصة للأعمال السينمائية التى تعظم وتقدر المرأة العاملة المثقفة الناجحة ولا تتهم بالأنانية ودمار الأسرة. 
الأعمال السينمائية تعيش وتستمر، وتؤثر فى ثقافة المجتمعات أكثر من قراءة الكتب، وهذه حقيقة لا يجب أن ننكرها؛ لأن من يقرأ قليلون جدا للأسف الشديد، أما من يشاهدون الأفلام فالجميع تقريبا.