الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يحدث في صناعة الطب اليوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقول ابن رشد: "إن صناعة الطب صناعة فاعلة عن مبادئ صادقة، يلتمس بها حفظ بدن الإنسان، وإبطال المرض". 
فالكلمات لا تفي أبدًا بأهمية القطاع الصحي فى أى دولة، فلو كنت ممن يقيّمون الحضارات لقيمتها بمقدار جودة الحياة الخدمية الصحية بها، رغم اهتمام السيد الرئيس وتوجيهاته للمسئولين الأجلاء عن ذلك القطاع الخدمى فى مصر ولكن يبدو أننا على مشارف كارثة قد تعيق كل ما يتم بناؤه.
فقد لوحظ فى الآونة الأخيرة أن وزارة الصحة أصبحت طاردة - عن دون قصد - للعامل البشرى بها، خاصة الأطباء ، فعلى ما يبدو أن البيروقراطية بدأت تلتف حول عنق الطبيب المصرى حتى اختنق، لن أسند زيادة أعداد "الطبيب الحر" فى السنة الأخيرة إلى العائد المادي فقط، فكلنا فى مصر نقف جنبًا إلى جنب الدولة المصرية فى رحلتها مع الإصلاح الاقتصادى فى كل المهن وعلى كل المستويات ، فلو غابت البيروقراطية التى لا يمكن أن تقترن بأى شكل بمهنة انسانية مثل الطب، لو غاب النظام الإداري العتيق المتهالك اللصيق بمستشفيات الصحة، لو توافرت حسن المعاملة والتقدير وآدمية المكان للطاقم الطبى، لما زاد هذا العدد بهذا الشكل.
فنقص عدد الأطباء اليوم بالمستشفيات قد يعيق كل المبادرات التى أطلقتها وزارة الصحة بتوجيهات رئاسية، كما سيزيد الثقل والعبء على العدد المتبقى فى المستشفيات ، فاليوم أصبح العجز يواجه كل مسشتفى ومركز صحي وكمحاولة من كل مدير مستشفى لمواجهة ذلك العجز أن يعلن عن حاجته لأطباء منتدبين وبالفعل يستطيع الحصول على طبيب أو اثنين لسد العجز على الأقل ورقيًا، فيترك الطبيب المكان الذى يعمل به ، وتقطع كل أوجه التواصل مع مرضاه الذين يتابعهم فى هذا المكان، عازمًا الترحال على مكان ندبه الجديد ويخوض حرب الأوراق التى لا تنتهى فى إجراءات الإخلاء والاستلام والندب، وما أدراك صعوبة تلك الرحلة الرثة بين الأوراق من مشاق نفسى وجسدى على طبيب مصرى كفء ! يتم إهدار طاقته النفسية والعقلية.
فمثلا خمسة أطباء يعملون بمستشفى واحد تقدم ثلاثة باستقالاتهم وتبقى اثنان، هذان الاثنان من المطلوب منهما تسيير العمل فى المستشفى وسد العجز فى مستشفى آخر بالندب الجبرى فكيف ذلك؟ أى جودة خدمية ننتظر هنا؟
فالعدد المتبقي من الأطباء الذين لم يتخلوا عن أماكنهم فى وزارة الصحة حتى الآن يهدد سير العمل فى المكان بشكل جيد بل ويهدد العدد المتبقى أيضًا فى أن يلحقوا بزملائهم! ولم تقتصر تلك المشكلة على مستشفيات الصحة بل طالت مستشفيات جامعية والتى فوجئت بأنه لم يتقدم أحد لنيابات جامعية ذلك العام فى تخصص ما! وهى التى كان يتهافت ويتسابق عليها الأطباء ليصبحوا أساتذة جامعيين ،علمًا بأن هناك آلاف الخريجين كل عام من كل كليات الطب المصرية.
ففى الوقت ذاته الذى يقوم مدير مستشفى ب "تستيف دفاتر الحضور والانصراف"، ويقوم "ترزية الإداريات" بندب ذلك وذاك ليفسدوا كل المبادرات التى ولدت من رحم الدولة لتصلح من الجهاز الصحى فى مصر، يقوم أطباء فى العالم الغربى باكتشافات دوائية جديدة وعلمية تستطيع أن تغير مسار البشرية وترتقى بصحة الإنسان ، إلى متى نكون نحن الأعداء لأنفسنا ؟ إلى متى ستظل الأجسام المضادة فى عقولنا ضد أى تطوير للإصلاح ؟ إلى متى سنكون نحن العائق لدولتنا عندما أرادت أن تكفل لنا حياة كريمة؟ ففى العالم كله لا يوجد أكفأ من الطبيب المصرى الذى يمتلك مهارة الجراحة والعلم بأقل الإمكانات الممكنة... فياليتنا ننتبه البارحة قبل اليوم.