الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الحوثيون - إيران" علاقة محرمة دمرت اليمن

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأزمات فى اليمن لم تعد تعريفا طريفا للنهاية، فتكرارها أصبح كارثة تدمر الشعب هناك، بعد أن عرفت المجاعة طريقها هناك، وأصبحت الأمراض وحشا يفتك بأجساد المواطنين، فيما دأب الحوثيون على تفخيخ كل شيء دون هواده، فهم لا يقبلون بمفاوضات السلام، لأنهم يريدون الخراب لليمن، دمروا المدن واتخذوا المدنيين رهائن، وجندوا الأطفال وصاروا عبيدا للمخطط الإيرانى لتدمير الشرق، إنها ميليشيات الحوثى الإرهابية التى كشف تقرير لمجلة المستقبل اليمنى. من أجل فهم طبيعة وأبعاد العلاقة العلنية والخفية بين إيران والحوثيين، ينبغى العودة إلى الوراء قليلا.
بعد ثورة إيران عام ١٩٧٩، بدأت السفارة الإيرانية فى الثمانينيات تقديم دعوات للشباب اليمنى لزيارة إيران والتعرف على «تجربة الثورة الإيرانية»، واجتذبت بالفعل الكثير من الشباب الزيدي، أبرزهم محمد عزان وعبدالكريم جدبان وحسين الحوثى مؤسّس الحركة الحوثية.
كما نجحت إيران فى استقطاب أسماء كبيرة وقيادات مؤثرة داخل المجتمع الزيدى فى اليمن، مثل بدر الدين الحوثى وأبنائه، وبالتالى تم التحول الأيديولوجى لهذه القيادات من المذهب الزيدى إلى الاثنى عشرى، ومن ثم الترويج لذلك فى الأوساط الزيدية إضافة إلى عامل الدعم المادى والمساعدات العينية فى المناطق ذات الغالبية الشيعية الزيدية بهدف استمالة قلوب أبناء هذه المناطق.
حيث شرعت إيران فى إنشاء «حزب الله» فى لبنان عام ١٩٨٢، وفى العام الذى يليه مباشرة عثرت على موطئ قدم لها فى اليمن، عبر جماعة الحوثيين، التى وجدت فيها كل المقومات التى تريدها، فلديهم قابلية واستعداد لتنفيذ مشروعها، بما فى ذلك تبنى الفكر الشيعى الاثنى عشرى الذى لا وجود له فى المجتمع اليمنى من قبل.
وكنوع من اختبار النوايا ومعرفة استحقاق ميليشيات الحوثى لدعم إيران الكامل، أوكلت طهران إلى جماعة الحوثيين أول عملية نفذتها عام ١٩٨٣ وذلك بتفجير سينما «بلقيس» فى العاصمة صنعاء، حيث توصلت تحقيقات الأجهزة الأمنية حينها، إلى الكشف عن حركة جديدة ممولة إيرانيًا، تحت مسمى إيرانى مرفوض «أنصار الله». وأفرزت الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠ وضعا سياسيا جديدا مكّن أتباع المذهب الشيعى الزيدى فى اليمن من تأسيس تيارات سياسية وثقافية، لاستعادة دورهم الوطنى والحفاظ على هويتهم الخاصة، منها حزب «الحق» الذى فاز فى أول انتخابات برلمانية أجريت بعد الوحدة بمقعدين، شغل أحدهما حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس «الحركة الحوثية» فيما بعد.
أما حسين الحوثي، الذى قتل فى الحرب الحوثية الأولى عام ٢٠٠٤ عن ٤٦ سنة، هو الابن الأكبر لبدر الدين الحوثي، فقد زار الحوثي، إيران ومكث مع أبيه عدة أشهر فى قم، كما قام بزيارة «حزب الله» فى لبنان، ثم أسس بعد عودته تنظيم «الشباب المؤمن» فى عام ١٩٩١، وبعد تأسيس التنظيم تفرغ لإلقاء الدروس والمحاضرات بين مؤيديه وأنصاره، ورفع شعارات التأييد لـ«حزب الله» اللبناني، ورفع أعلام الحزب فى بعض المراكز التابعة له. ويصفه أحد الكتاب فى مواقع للشيعة الاثنى عشرية بقوله: «حسب علمنا الحسى وقراءاتنا لكتبه وتتبعنا لحركته، فإنه متأثر حتى النخاع بثورة الخمينى فى إيران، حيث إنه خضع لدورات أمنية وسياسية وغيرها فى لبنان عند حزب الله، ولديه ارتباط قوى بالحرس الثورى الإيراني».
وجاء الدور الإيرانى فى الساحة اليمنية من البوابة الزيدية تحديدًا، والحوثية بشكل خاص، وهو الذى أعطى للمستوى الذى وصلت إليه الحركة الحوثية عسكريًا وسياسيًا واجتماعيًا أهمّيته فى الحسابات الإقليمية، كسلاح ترى دول الخليج العربى أن نظام الملالى فى طهران هو المستفيد من توجيهه نحو خاصرتها.
وأسفرت الاتصالات المبكرة بين طهران وبعض الأوساط الزيدية، وخاصة بعض رموز المذهب الزيدى وطلائعه فى صعدة وغيرها، عن مشاركة وفد ضمّ عددًا من شباب وعلماء المذهب الزيدى فى احتفالات إيران بذكرى الثّورة فى عام ١٩٨٦، وجاءت هذه المشاركة تلبية لدعوة وجهتها لهم سفارة طهران فى صنعاء.
وعكست الأنشطة الزيدية فى صعدة فى أعقاب تلك الزيارة تأثُّرا واضحا بآليات ووسائل الاشتغال الدينى فى إيران، حيث لم يُخف العائدون من تلك الزيارة إعجابهم بما شهدوا فى طهران من النشاط الدينى والثقافى الموجّه لإنعاش التشيع.
وشرع الحوثيون يفكرون بمساعدة خبراء «الحرس الثوري» فى كيفية نقل هذه التجربة إلى اليمن، مع استبعاد المحتوى الفكرى والثّقافى المخالف لما عند الزّيدية، والإبقاء على ما يبدو أنه مشترك فى الجملة.
وأظهرت إيران مقدرة على تجاوز الخلافات مع مختلف الفرق الشيعيّة التى تنطوى فى إطار الاعتقاد بالإمامة، وقد برز ذلك فى علاقتهم مع العلويين فى سوريا وتركيا؛ حيث انخرط هؤلاء فى التشيُّع السياسى الذى توجِّهه إيران رغم الفوارق الكبيرة فى العقيدة والخلافات الفقهية بين الجانبين، حيث رأت طهران فى الحركة الحوثية الشريك الجيد بالنسبة لها، ويمكن أن تلعب دورا فعالا فى تحقيق طموحاتها السياسية والمذهبية فى جنوب الجزيرة العربية، إلى جانب أذرعها فى لبنان والعراق وسوريا.
وثمة قرائن مؤكدة تفيد بوجود دعم إيرانى وشيعى كبير للتمرد الحوثي، وهذه القرائن إن لم تدل على أن إيران خططت لهذا الأمر منذ البداية، كما فعلت مع «حزب الله» فى لبنان، فلا أقل من أن إيران حاولت استغلال هذه الأوضاع الملتهبة لصالحها ولنشر مشروعها الطائفى فى المنطقة برمتها. ورغم أن الاهتمام الإيرانى باليمن، وسعيها للحصول على مواقع نفوذ فيه عبر البوابة الزيدية ومنافذ أخرى، أمر يتعلق بمنظومة أهداف استراتيجية كبرى، يتقاطع فيها السياسى مع الاقتصادى والأمني، إلا أن للبعد الدّينى المذهبى حضوره أيضًا؛ فمن عقيدة الشيعة الاثنى عشرية التى تقوم عليها الدولة فى إيران، أنه سيخرج من اليمن راية تنصر الإمام المهدى المنتظر، وأنها ستكون أهم الرايات وأهداها. وذلك مقابل راية الخراسانى التى ستخرج من إيران. وحسب الرواية الشيعية ستتّحد الرايتان لتهزما السفياني، الأمر الذى سيُمهِّد لخروج «المهدى المنتظر»!
وتمكنت إيران من التأثير على الحوثيين ضمن إطار التشيع السياسي، وهو الأهم؛ فالجوانب العقَدية والفقهية ليست ذات أولوية فى المشروع الجيوسياسى الإيراني، وما يؤكد ذلك هو تمكّنها من نشر طقوس عاشوراء الشيعية فى اليمن، والتى يتخلَّلها انتشار واسع لشعارات ورموز وصور التشيُّع السياسى المعروفة، مثل صور ومقولات الخميني، وحسن نصر الله، وخامنئي، وغيرهم.
وفى عام ٢٠٠٤، حدثت مواجهات دامية بين الحوثيين والحكومة اليمنية، أسفرت عن مقتل زعيم التنظيم حسين الحوثي، واعتقال المئات، ومصادرة عدد كبير من أسلحة الحوثيين، وتبين من هذه المواجهات أن الجماعة سلحت نفسها قبل ذلك سرا بسلاح إيرانى عبر «حزب الله»؛ حيث تمكنت من مواجهة الجيش اليمنى على مدار عدة سنوات.
وتوسطت قطر عام ٢٠٠٨ لإنقاذ الحوثيين من القضاء المبرم عليهم، لدى الحكومة اليمنية، وعقدت اتفاقية سلام انتقل على إثرها يحيى الحوثى وعبد الكريم الحوثي، أشقاء حسين الحوثى إلى قطر، مع تسليم أسلحتهم للحكومة اليمنية، ولكن ما لبثت هذه الاتفاقية أن انتُقضت، وعادت الحرب من جديد، بل وظهر أن الحوثيين يتوسعون فى السيطرة على محافظات مجاورة لصعدة، بل ويحاولون الوصول إلى ساحل البحر الأحمر للحصول على سيطرة بحريَّة لأحد الموانئ؛ يكفل لهم تلقى السلاح الإيرانى عبر البحر.
ما بعد الانقلاب الحوثى
ازداد ارتباط الحوثيين بإيران بشكل كبير بعد الانقلاب العسكرى الذى قاده الحوثيون فى سبتمبر ٢٠١٤ ضد السلطات الشرعية فى اليمن، واحتلوا العاصمة اليمنية صنعاء وأجزاء أخرى من المحافظات اليمنية، ففى الوقت الذى سحبت فيه غالبية دول العالم سفاراتها من اليمن، فتحت إيران جسرا جويا مباشرا مع الحوثيين، وتعهدت السلطات الإيرانية بتأمين الوقود للمناطق التى تقع تحت سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى اعتبار طهران الانقلاب الحوثى «ثورة شعبية»!
وأثبت استيلاء الحوثيين بقوة السلاح على العاصمة صنعاء فى سبتمبر ٢٠١٤ وما تلا ذلك من أحداث، وجود عناصر تدريب وخبرة واستشارة من «حزب الله» و«الحرس الثوري» يعملون مع حركة الحوثى خارج اليمن وداخله.
وكان المصدران الرئيسيان لتسليح الحركة الحوثية بالأسلحة النوعية والثقيلة يتمثلان فى إيران، ومخازن الجيش اليمنى التى سطا الحوثيون على معظمها بعد انقلابهم على السلطة الشرعية فى فبراير ٢٠١٥.
وفى سبتمبر الماضي، حينما كانت جماعة الحوثى تتهاوى تحت ضربات القوات الشرعية، أبدى العميد حسين دهقان مستشار مرشد الثورة الإيرانية للصناعات العسكرية، «استعداد طهران لدعم الحوثيين عسكريًا، فى حال طلبوا ذلك».
وأضاف دهقان «أن الحوثيين يدافعون عن أنفسهم بشكل طبيعي، وسيحصلون على أى مساعدات لأجل ذلك، ومن أى مكان، ومن الطبيعى أن كل من يريد دعمهم سيدعمهم، أما أن نقول إنه لا يحق لهم تلقى المساعدات من أى أحد، فهذا ظلم جائر».
هذه الوقائع والتواريخ تؤكد العلاقة القوية بين طهران والحوثيين، وهو ما أكدته أيضا الأحداث الأخيرة، حيث رفضت الجماعة الإعلان عن أسماء مسلحيها الجرحى الذين طلبت نقلهم إلى خارج الحديدة مؤخرا، بعد أن تأكد أن من بينهم مقاتلين من إيران ولبنان.
أنف إيران
يقول الكاتب الكويتى محمد الرميحى عبر مقال بعنوان «فى الأزمة اليمنية وحشر الأنف الإيرانى فيها». هل نصدق الأخبار القادمة من الساحة الدولية ومن صنعاء بأن الحوثيين قد نزعوا الوقر من آذانهم وجنحوا إلى الحق، ورغبوا فى المساعدة لإنقاذ اليمن من مأساة استمرت سنين طوالا؟ فى العمل السياسى لا تصدق ما تسمع، صدق ما ترى!.
ووفقًا لخطة التعافى اليمنية المطلوبة ليست فقط (مصافحات وابتسامات) فى السويد، المكان المقترح لسير المفاوضات المقبلة، فقد حدثت تلك المصافحات والابتسامات قبل ذلك فى أكثر من مكان، وكان أطول أوقاتها فى الكويت وقد فشلت بعد ثلاثة أشهر من المراوحة، مرورا بجنيف، وقد استهلكت الحرب فى اليمن ثلاثة مندوبين للأمين العام حتى الآن، وآلاف القتلى وخسارة فادحة فى اقتصاد هش. فماذا استجد؟ المطالب الدولية وأيضا مطالب الشرعية اليمنية وأطراف أخرى مساندة لها لا تخرج مطالبها عن مطلبين أساسيين وهما، أولا (إجراءات أمنية انتقالية) واستهدفت وقف الحرب وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وإعادة مؤسسات الدولة وانسحاب المجموعات المسلحة من المدن، وثانيًا: العودة إلى التفاوض السياسى على قاعدة الوثائق الثلاث، ومخرجات الحوار الوطنى اليمني، والقرارات الأممية والورقة الخليجية. وقد تأخذ فترة التفاوض كثيرا من الوقت وكثيرا من الجدل، فدون حسم دولى فى رسم خطة واضحة لمسيرة التعافى اليمني، وبحضور دولى فاعل فسوف تستمر إيران فى الطغيان.
والفكرة الأساسية هى تمكين المجتمع اليمنى من حرية الاختيار دون قهر أو إرهاب، وهى حرية تشبّعها ذلك المجتمع، وناضلت من أجلها النخب اليمنية على الأقل طوال مائة عام، تخلصت فيها من الحكم الكهنوتي، ولكنها وقعت فى الحكم العسكري، وآن للمجتمع اليمنى أن يتجاوز الاثنين ليصبح له حكم مدنى حديث، دون القفز على خصوصياته التى تمسك بها فى كل المراحل، وهى أن يكون حرا وأن يقرر مصيره بنفسه، أدوات التحرر وتقرير المصير اختلفت عن السابق، تحول اسمها إلى (صناديق انتخاب) و«أحزاب حديثة» و«دستور مدني» وقوى أمنية خاضعة للمساءلة من مدنيين منتخبين، وعدم تدخل قطعى فى شئون اليمن من أى قوى خارجية، وخطة إعمار لها بُعدان، اقتصادى ومدني.