الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حواديت عيال كبرت "45".. لا تنتحروا فما زالت "رشفات" في فنجان القهوة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يا رفاق لا تأخذوا مقالي على محمل الجد لأن لليأس جهات وتوكيلات وقنوات ودعايات وإعلانات ومناديب.. هي تجارة، كما للأمل جهات وتوكيلات وقنوات ودعايات.. هي تجارة.. لكن إن كان هذا أو ذاك فهو من إنتاج «الصوب».. أمل مهرمن أو يأس نمى بمبيدات، وأنا مستهلك أرفض مضغهم.. أريده من أرضي وبساعدي وإن كان مرا.
دعونا نتكلم عن شيء آخر غير الأمل والحلم.. دعونا نرتب حياتنا التي نتمنى أن تكون قليلة في هذه الدنى على قدر المتاح من واقع مذل.. دعونا نعري كل شيء ونعترف بيقين وبثبات أننا منهزمون طوعا أو كراهية، وأن الحديث عن نجاحات محض زيف نصنعه لأنفسنا مسكنات لتخفيف الألم.
دعونا نقولها بصراحة لـ«ويليام كوبر، جوان بايز، إيلي فيسيل، ماثيو آرنورد، روبيرت فرانك، بيرنارد بيرينسون، ثيودور أدورنو، جورج إليوت، كريستوفر فري وكل الحكماء والفلاسفة وحتى الشيوخ» أنتم كاذبون.. ولمن سبقوهم عرب وعجم كل أقوالكم كذب.. كلافتات الطرق لدينا ليس لها معنى ولا يلتفت إليها أحد.
هذه ليس كلمات أقذفها في الهواء ليتلقفها المتشائمون فينتحروا ويمتعض منها المتفائلون، لكن أنا أكتب لكم لنختار سويا بين الانتحار والأمل.. بين الليل والنهار.. نحن أجبن من أن نتخذ قرارا جماعيا بالموت.. وأقل بكثير من أن نكسر حاجز الخوف واليأس.. وميولنا ورغباتنا أقرب إلى الانزواء والخنوع، فكيف لي أنا أتفاءل والعالم بات كأنبول أرتشف منه الهواء! كيف لي أن أتفاءل وهم يستولون على كل شيء بالقوة حتى الضحك والبكاء صار بأوامر! كيف أصنع الغد واليوم يجذبني من عنقي على الأرض ويدهس رأسي بقدمه! كيف لي أن أُحلق وأنا محاصر.. كيف أقتات حبا.. وكل المعروض في دكاكيننا كراهية!. وكيف لي أن أنتحر وأنا لست متأكدا أنني سأجد هناك الأفضل.
في تمام الساعة التاسعة كانت قريتي قد دخلت في سبات عميق، وهكذا تعودت طيلة ثلاث عقود حينما يزحف الشتاء أكون أنا وروحي في الليل، كمن ألقيا بهما في قلب الصحراء، دخلت لأطهي فنجان القهوة وخرجت على هذا الصوت العالي، لا أعرف كيف استطاعت روحي أن تقطع درجات السلم وتقف على السور فوق السطوح وتقول ما سبق أعلاه، فنجان القهوة في يدي، وأنا أرتجف أخاف أن تقفز من على السور قبل أن أحتسيه، تذللت إليها أن تهبط من على السور لنتناقش في تلك الإشكالية صباحا، لكنها أصرت «الليلة يا عمدة»، ناديت على «إيمان» و«فضيلة» و«نفس» لكنهن فشلن، فحجتها كانت أنها أتت معهن جبرا إلى هذا العالم المادي الحقير، وأنها لم تعد تتحمل البقاء ولو للحظة واحدة، هذا ليس عالمها، بردت القهوة مني وأنا أستمع إلى جدالهن، وفجأة طلت من رأسي فكرة أن أقدم لروحي فنجان القهوة لتحتسيه وإن كان باردا، هكذا أقنعتها أن هذا آخر طلب لي عندها، ووعدتها أن اقرأ لها الفنجان وما يقوله لها أنا سأؤيد فعله، أعجبتها الفكرة فجلست على السور تحتسي القهوة ممتعضة وهي تقول: «سادة»، ثم قلبت الفنجان وأعطتني إياه، فقلت لها أمامك طريقين هو الانتحار لكن لا يمكنك سلكه والآخر هو الحلم وإن كثر شوكه فلا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.. دعينا نحاول فما زالت «رشفات» في فنجان القهوة.