الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مداخلات الرئيس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدت بعض العبارات الدارجة التى يتداولها الشارع المصرى عند المقارنة بين أداء الرئيس وبعض أعضاء الحكومة، واقعا يستحق التوقف عنده كثيرا.
أشهر تلك العبارات «الرئيس مش هيعمل كل حاجة بنفسه» وتتردد كلما يظهر تقصير من جانب وزير أو مسئول كبير بالحكومة، ومنها أيضا «الرئيس مش هيقف على راس كل موظف عشان يشوف شغله من غير رشوة»، وهى تعبير عن ضيق المجتمع من شيوع ظاهرة الفساد داخل الجهاز التنفيذى والإدارى وعجز الأجهزة الرقابية عن خلق آلية لمراقبة أداء الموظفين وتحجيم مظاهر الفساد بصوره المختلفة.
الصواب لا يجانب الشارع المصرى فى دلالات تلك العبارات، فأغلب التوجيهات التى يصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسى للحكومة تبدو من البديهيات التى كان يجب عليها القيام بها دون حاجة لتوجيه رئاسي، ما يعنى أن التقاعس والإهمال سمة الجهاز التنفيذى فى أعلى مستوياته الوظيفية بكثير من الملفات الأساسية، وهو فى ظنى أخطر من الفساد.
مداخلات الرئيس أثناء افتتاحه المرحلة الأخيرة من مشروع الطريق الدائرى الإقليمى عكست بوضوح ذلك الفارق الشاسع بين منهجه فى العمل، والأسلوب الذى تتبعه الأجهزة التنفيذية فى أداء مهامها، وتبدو الهوة بينهما كبيرة رغم أن منهج الرئيس يقوم على الأخذ بالمسلمات المنصوص عليها فى القانون، أى أنها موجودة بالفعل وليست اختراعا حديثا، منها أن يكون لكل طريق حرم لا يجوز التعدى عليه، ومع ذلك وجدنا الرئيس يعرب عن استيائه من عدم مراعاة هذه المسألة فى عدة نقاط من الطرق والمحاور التى تم افتتاحها، ويوجه بنزع ملكية الأراضى المتاخمة للطرق والكبارى الجديدة وتعويض أصحابها تعويضا مناسبا.
ورأيناه يشرح خطورة عدم الالتزام بحرم الطريق لافتا إلى أن هذه الأراضى ستتحول خلال خمس سنوات إلى بؤر عشوائية جديدة.
فى السياق ذاته لاحظ الرئيس ضيق أحد نقاط محور التعمير بالإسكندرية وتساءل عما إذا كان وضع الكوبرى بهذا الشكل طبيعيا، ولما لم يقتنع بإجابة وزير النقل هشام عرفات توجه بسؤاله إلى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء الذى أشار برأسه بالموافقة على توجيهات الرئيس وتعهد رئيس الهيئة الهندسية اللواء كامل الوزير بإعادة دراسة هذه النقطة والعمل على توسيعها.
باالمناسبة يجرم القانون المصرى التعدى على حرم الطريق، حيث يجب ترك 50 مترًا بجانب الطريق السريع، و25 مترًا حال الطريق الرئيسى، وفى تلك المسافة ممنوع منعًا باتًا إقامة أى إنشاءات عليها.
كذلك يعد الحفر فى الطرق الخاصة أيضا مخالفة، حيث يعرض الأرواح للخطر، وكل ما سبق من تحديد المخالفة وتنفيذ الإزالة عليها يتم طبقا لقانون الطرق لسنة 1968م، الذى تحدد فيه المادة 13 طبيعة التعديات والمخالفات التى تستوجب العقاب بالحبس مدة لا تزيد على شهر وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو بإحداهما.
لم ينج طريق فى معظم المحافظات من صور التعدى المختلفة مما أدى إلى تدهور حالة الطرق القديمة، وكان من المنطقى فى إطار استراتيجية الدولة بتدشين طرق ومحاور مرورية جديدة، أن يقوم وزير التنمية المحلية بتوجيه المحافظين لعمل دراسة لأوضاع الطرق القديمة وإزالة التعديات الموجودة على جانبيها، وتحديد طبيعة التلفيات التى لحقت بها ووضع ميزانية تقديرية لإصلاحها، ولم يكن الأمر بحاجة لتوجيه رئاسى على نحو ما رأينا فى كلمة الرئيس.
وليس من مبرر منطقى واحد لتجاهل هذه الخطوة البديهية، خاصة أن الحكومة أعدت مشروع قانون لتغليظ العقوبات فى حالة التعدى على الطرق الرئيسية والعامة، أى أنها تدرك أهمية المسألة وضرورة وجود تشريع جديد يغلظ العقوبة المنصوص عليها فى قوانين تجاوز عمر بعضها الستين عاما.
ورغم أن مشكلة تقلص مساحة الأراضى الزراعية، من المشكلات الملحة التى على الحكومة مواجهتها فوجئنا بالرئيس يوجه بضرورة دراستها ووضع حلول لها وبحث إمكانية تخصيص أراض داخل القرى لبناء وحدات سكنية تجنبا لنشوء مجتمعات عشوائية تتعدى على حرمة الطرق وتعانى مشكلات فى توفير مياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء.
إذا لم تكن الحكومة منتبهة لهذا الملف فى الوقت الذى تنفق فيه المليارات من أجل القضاء على العشوائيات، وتنفذ خطة لإصلاح مليون ونصف المليون فدان لزراعتها، فما الذى يشغل بالها إذا؟!.
الأدهى والأمر أن الرئيس اضطر للتأكيد على وزير الرى للاهتمام بشكل أكبر بإزالة ورد النيل والنباتات العشبية الموجودة على ضفاف الترع التى تستهلك كميات كبيرة من المياه فى ظل تقليل المساحات المنزرعة من الأرز ومشروعات تحلية المياه التى تقوم بها الدولة لتفادى مخاطر الفقر المائي.
مجمل مداخلات الرئيس تؤكد أن هذه الحكومة تعمل بنظرية الجزر المنعزلة وتنفذ كل مشروع من المشروعات القومية الكبرى بعيدا عن الرؤية الشاملة لاستراتيجية 2030 لبناء الدولة الحديثة، وعلى ما يبدو أن أداء الموظف الحكومى الردىء والمتسيب والمنفلت من أى التزام قانونى وسياسى واجتماعى هو السمة الغالبة لبعض أعضائها إن لم يكن أغلبهم، ويجسد رد محافظ القاهرة خالد عبدالعال على توجيه الرئيس للمرة الثانية بشأن إصلاح أعمدة الإنارة بطريق مطار القاهرة، أحد ملامح هذا الأداء المتردي، حيث أجاب (تم الالتزام بتوجيهاتك يا ريس) ليقاطعه الرئيس «لا أنا شوفت الطريق بنفسى وأنا راجع من المطار، إنه مدخل مصر ويجب الاهتمام به»،السؤال هل كان إصلاح أعمدة الإنارة بمدخل مصر كما قال الرئيس يحتاج إلى لفت الانتباه من أى جهة أو مسئول أو حتى مواطن عادي؟!.
المسألة أخطر من شيوع مظاهر الفساد الإدارى من رشوة واختلاس وتربح واستغلال نفوذ أو حتى إهمال، إنها تتعلق بطريقة تفكير الموظف العام فى مصر وزيرا كان أو غفيرا، فقد يكون صاحب ضمير، لكن أسلوب عمله يؤدى إلى كوارث حقيقية، لذلك ينبغى استبدال النظام الإدارى المعمول به بنظم حديثة لا تسمح باستمرار هذا النمط، وإلا فشلنا جميعا فى استكمال مشروع بناء مصر الحديثة.