الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإنسان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عالِم من الإنسانية قائم بذاته.. يدخل فى هدوء مبتسمًا ليلقى السلام بصوت خفيض.. خلوق لدرجة تحرج من حوله.. لم أسمعه يرفع صوته مهما كانت حدة المواقف أثناء العمل.. ما كل هذا التواضع الذى ينعم به، وهو القامة الكبيرة فى عالم الصحافة والبحث والتأليف؟.
حريص دائمًا على الاستماع للصغير قبل الكبير، يسعى بكل ما يملك لحل مشكلة يتعرض لها أى زميل.. يهتم بـ«لمة» الزملاء لتناول وجبة خفيفة أثناء العمل من الفول والطعمية والجبن بأنواعه المختلفة إلى جانب الخيار والطماطم، ويرفض أن «نكتتب» معه ليتحمل منفردًا عبء هذه الميزانية اليومية من جيبه الخاص.
على المستوى المهنى، بصمات كثيرة وعلامات بارزة تركها عبدالعال الباقورى الراحل الحاضر أبدًا.. عندما تعرض أديب نوبل نجيب محفوظ لمحاولة الاغتيال، طرح علينا سؤالًا: ما الذى يمنعنا من طبع «أولاد حارتنا»، وليحدث ما يحدث.. الرواية ممنوعة من الطبع لكن الباقورى اتخذ قراره وتولت كتيبة من الزملاء، على رأسهم الزميل حسين البطراوى، تجهيز الرواية للطبع خلال يومين، وكان لى شرف تكليفى بالتوجه إلى المطبعة لمواجهة أى محاولات لعرقلة الطبع، وقد حدثت بالفعل لكنها كانت محاولات صبيانية، لتصدر «أولاد حارتنا» مع «الأهالى» ويتلقفها الجمهور كالظمآن الباحث عن شربة ماء، ويأتى الناس زرافات وفرادى لمقر الجريدة، بحثًا عن نسخة من الرواية التى صدرت بحجم الجريدة فى شكل صحفى لم يحدث من قبل، وكان ذلك حدثًا تناولته وكالات الأنباء العالمية والصحافة العربية، والفضل يرجع لجرأة عبدالعال الباقورى.
لا ننسى له موقفه أيضًا من قضية نصر حامد أبوزيد ونشر الكثير من كتابات مفكرنا الكبير وتحدى كل قوى التطرف آنذاك وخاض المعركة فكريًا وسياسيًا ومهنيًا بضمير لا ينحاز إلا للحق وبقلب لا يخاف إلا الله.
إنه بالفعل صحفى حتى النخاع.. فى عهده انتظمت «مجلة الأهالى»، وكانت عبارة عن أربع صفحات داخلية، تتناول قضية معينة من زوايا متعددة، ناقشنا من خلالها هموم الكثير من النقابات وكتبنا عن قوانين النشر ولم نهمل القضايا الأدبية فكانت تتحول المجلة إلى «الكشكول» مرة فى الشهر لنشر إبداعات الشباب تحت إشراف الصديق الراحل والشاعر الكبير حلمى سالم.
على مستوى القضايا العربية، فإن الباقورى يظل علامة بارزة وخبيرًا لا يشق له غبار فى هذا الشأن، وتشهد على ذلك مقالاته التى لا تعد ولا تحصى، ومؤلفاته التى دارت جلها حول القضية الفلسطينية، ولأنه بالفعل على رأس الخبراء فى هذا المجال، دون ضجيج ولا افتعال، فقد اهتم بتخصيص صفحة للصحافة العبرية، وكانت تلك الصفحة لأول مرة فى الصحافة المصرية، واختار لتحريرها باحثة مخضرمة فى هذا المجال، هى د.صفا محمود عبدالعال، وكان حريصًا بالتنسيق معها أن تتناول الصفحة المجتمع الإسرائيلى من الداخل بكل أبعاده الاجتماعية والتعليمية والشبابية، وليس فقط الجانب السياسى.
الحديث يطول عن إنسان خلوق ومهنى من طراز فريد، وقمة فى الرقى والتواضع، مثلما هو قمة فى البحث والصحافة.
رحمك الله صديقًا وأستاذًا ومعلمًا.. وإلى لقاء.