الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرئيس وأطفال التهريب والعوز الأخلاقي..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مداخلة له على هامش مؤتمر الشباب السادس، وتعليقًا على هاشتاج «ارحل يا سيسي»، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى «لازم نخرج من العوز اللى إحنا فيه، العوز الأخلاقى والعلمى والاقتصادى والمعنوى والاجتماعي، ولن نخرج سوى بوضع أيدينا فى أيد بعض».
وانطلاقًا من هذا المفهوم الواسع لمصطلح «العوز» عبر الرئيس عن حزنه من ذلك الهاشتاج، لأنه شعر أن قطاعًا من المصريين لا يقدر ما تبذله الدولة لمحاصرة الفقر بمعناه الاقتصادى والاجتماعى والقيمى والأخلاقى والثقافى.
غير أن الرئيس قد جانبه الصواب فى شعوره بالحزن، فهو أول من يعلم أن هذا الهاشتاج وأمثاله قد أطلقته عناصر الجماعة الإرهابية عبر ميليشياتها الإلكترونية التى تضم كتائب من دعاة الفوضى المتحالفين معها، وأن هذه الميليشيات مدعومة من دول وأجهزة دأبت على تدشين آلاف بل وملايين الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي.
إن كان للرئيس أن يغضب فمن هؤلاء الإعلاميين الذين لم تستوقفهم عبارته الموجزة بشأن العوز العلمى والأخلاقى والمعنوى والاقتصادى والاجتماعي، ولم يفهموا دلالات الخشونة التى بدت عليها الدولة خلال السنوات الأربع الماضية فى تطبيق القانون بشكل صارم دون النظر لأى مواءمات سياسية، فلم يكن الهدف منها تثبيت الدولة فقط، وإنما تكريس معنى جوهرى وهو أن الالتزام بالقانون مسألة أخلاقية بحتة تتطلب ضميرًا حيًا، فليس بوسع الدولة أن تضع عسكرى نظامى على رأس كل مواطن حتى يلتزم بقواعد القانون.
توصيف الرئيس لأنواع «العوز» التى نعانيها بتلك البساطة والسهولة يجعلنا وكأننا أمام باحث فى علم الاجتماع لا رئيس دولة.
الرجل وضع يده على جوهر المشكلة فالعوز العلمى يعنى أننا إزاء مجتمع لا يتبع التفكير العلمى كأسلوب ومنهج فى حل مشكلاته، وهو ما يعنى أننا مجتمع يعانى «العوز» الثقافى والمعرفى، ومن ثم «العوز» المعنوى والاجتماعى الذى أدى إلى سلب هويتنا التى لا سبيل لاستعادتها سوى بمحاصرة هذا النوع من «العوز»، وهو أخطر أنواع «العوز» الذى يمكن أن تعانيه أمة.
هذا «العوز» العلمى والثقافى والاجتماعى يقود بالضرورة إلى «عوز» أخلاقى وقيمي، ولا أظن أن مثقفًا أو مواطنًا عاديًا لا يشعر بمشكلة تراجع القيم والأخلاق فى مجتمعنا.
«العوز» الاقتصادى البحت كفيل بمعالجته برنامج الإصلاح الاقتصادى إذا مضى فى طريقه الصحيح، كذلك يستطيع البرنامج الاقتصادى أن يلعب دورًا محوريًا فى محاصرة العوز الأخلاقى والقيمى إذا تضمن إجراءات حكومية لمواجهة جشع التجار والصناع، حينها سيستقيم الحال، فالمستهلكون لن يستهلكوا أكثر من احتياجاتهم، والمنتجون والتجار لن يربحوا سوى فى الحدود الطبيعية، حينها لن يعلق الرئيس مرة أخرى على استهلاكنا الزائد والمفرط فى شهر رمضان.
ومع ذلك تحاول الدولة تقديم نموذج أخلاقي باستثمارها الفوائض المالية القليلة التى تحصلت عليها نتيجة لإجراءات الإصلاح الاقتصادى فى بناء منظومة للرعاية الصحية المتكاملة بدأت بالقضاء على قوائم الانتظار للمرضى المحتاجين لإجراء عمليات عاجلة، وفى وضع نظام تعليمى جديد يستهدف بناء مجتمع يسوده التفكير العلمى والمنطقى ناهيك عن زيادة معاشات تكافل وكرامة التى تشمل الفئات الأكثر احتياجًا.
لا أحد يقول بأن كل شئ يمضى فى مساره الصحيح، فهناك البيروقراطية الفاسدة بمنظومة قيمها التى تقاوم كل إصلاح وكل محاولة للتغيير نحو الأفضل، وهناك أيضًا عامل الوقت فالعائد الأخلاقى والقيمى والاجتماعى لاستراتيجية الإصلاح يتطلب الوصول إليه قطع أشواط كبيرة لا يمكن معها حرق مراحل زمنية لازمة لكن على الأقل علينا أن نتمسك بجادة القانون لأنه حتى الآن المعيار الواضح لما هو أخلاقى وما هو غير ذلك.
للأسف أباطرة منصات التواصل الاجتماعى ومعهم بعض الإعلاميين يهيلون التراب على الأخلاق والقانون معًا، وذلك بفصلهم بين الأخلاق والقانون وكأنهما شيئان مختلفان.
ولقد كرست جماعات الإسلام الإرهابية هذه الحالة المرضية ودعمها فى ذلك فتاوى بعض شيوخ الأزهر مثالا على ذلك تحريم فوائد البنوك وإجازة بعض شيوخ الأزهر ودار الإفتاء دفع الرشوة للموظف المتعنت للحصول على حق لا اغتصاب حق شخص آخر، وغير ذلك من الأمثلة التى لا مجال لحصرها، هذا المنطق جعل الشرع الإسلامى يبدو مناقضًا للقانون، وقد انسحب على علاقة الأخلاق بالقانون أيضًا.
معالجة ما عرفت بقضية أطفال التهريب فى بورسعيد تجسيد واضح لهذه الأزمة فقد تعاملت مع جريمة تهريب الملابس باعتبارها مسألة لا تتناقض مع الأخلاق وتماهت مع وجهة نظر الصبى محفوظ بأنه كان فقط يقوم بتهريب الملابس ولم يتورط فى تهريب الحشيش.
إذاعة ونشر حوار مع طفل وإن ارتكب جريمة مخالفة للقانون، لكن أحدًا ممن استضافوا الطفل على شاشات الفضائيات لم يستوقفه استنكاره العمل فى شركة نظافة مقابل 50 جنيهًا فى اليوم وتعاطفوا مع لجوئه إلى تهريب الملابس مقابل 150 جنيهًا، بل ولم يتم تنبيه الطفل إلى أنه ارتكب جريمة أخلاقية تضر باقتصاد الوطن، وأنها لا تقل فى قبحها وخطورتها عن جريمة تهريب المخدرات أو السلاح.
ماذا لو أن هذه المجموعة من الصبية كانت تهرب الحشيش وأقراص الترامادول أو أنها ضبطت أثناء سطوها على أحد المنازل؟! هل كان سيتطوع أحد رجال الأعمال لتشغيلهم بنفس المقابل الذى كانوا يحصلون عليه من السرقة أو تهريب الحشيش؟! ما هى القيمة التى أراد رجل الأعمال نجيب ساويرس تكريسها عندما أعلن توظيف هذا الطفل، ومن معه فى أحد مصانعه بنفس الأجر الذى كانوا يحصلون عليه مقابل تهريب الملابس.
ألم ينتبه أحد إلى أن هذه الطريقة فى المعالجة كرست لمفاهيم خاطئة مفادها أن تهريب الملابس والأدوية حلال، وأمر لا يتنافى مع الأخلاق على عكس تهريب المخدرات.